تشديد يمني رئاسي على توحيد الجهود لحسم المعركة ضد الحوثيين.. تفاصيل
تعيش الساحة اليمنية مرحلة دقيقة تتزامن مع استعداد الحكومة الشرعية لجولة جديدة من المفاوضات الخاصة بالأسرى والمحتجزين مع جماعة الحوثي، وسط جهود سياسية وعسكرية لتعزيز وحدة الصف وتجاوز الانقسامات. وتتصاعد الدعوات الرسمية لبناء جبهة موحدة تُعيد الزخم للمعركة من أجل استعادة العاصمة صنعاء وإنهاء الانقلاب، في ظل تحركات لافتة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح وسلطان العرادة، وعقد سلسلة لقاءات مع القوى السياسية والبرلمان والقيادات العسكرية.
يعرض هذا التقرير أبرز هذه التحركات، ودلالاتها على مستوى المشهد اليمني، وأثرها على مسار المواجهة مع الجماعة الحوثية.
جهود طارق صالح لتعزيز وحدة الصف
في لقاء جمع عضو مجلس القيادة الرئاسي طارق صالح برئيس مجلس النواب سلطان البركاني وعدد من أعضاء المجلس، قدّم صالح رؤية شاملة لمقاربة المقاومة الوطنية للمعركة ضد الحوثيين.
وأكد أن هذه المقاربة تقوم على أساس وطني جامع لا مكان فيه للحسابات الحزبية أو المناطقية، مشيراً إلى أن معيار الانضمام للمقاومة الوطنية هو الإيمان بضرورة قتال الميليشيات واستعادة الدولة.
وعرض صالح مجموعة من برامج ومشاريع المقاومة الوطنية في الساحل الغربي، موضحاً أنها موجهة لخدمة المواطنين في كل المناطق دون تمييز. كما شدد على أن الانقسامات داخل القوى المناهضة للحوثيين تُضعف الجبهات وتسمح للميليشيا باستغلال الثغرات، محذراً من انعكاس هذه الخلافات على معنويات المقاتلين وعلى سير العمليات العسكرية.
وأشار إلى أن توحيد مسرح العمليات بين مختلف القوى هو الركيزة الأولى في أي مشروع متكامل لاستعادة العاصمة صنعاء، مؤكداً أن المعركة الفاصلة لا يمكن أن تُحسم إلا بتجاوز التباينات وتوحيد الأهداف. ودعا مجلس النواب إلى ممارسة دور مضاعف خلال المرحلة المقبلة لتعزيز الثقة الإقليمية والدولية بالحكومة الشرعية، ومواكبة التحديات الميدانية والسياسية.
لقاءات مع الأحزاب والمكونات السياسية
في إطار استمرار جهوده لبناء جبهة وطنية موحدة، عقد طارق صالح لقاءً آخر مع عدد من أمناء عموم وممثلي الأحزاب اليمنية. وفي هذا اللقاء شدد مجدداً على أن المرحلة الراهنة تتطلب توجيه المعركة شمالاً نحو إنهاء الانقلاب وتحرير صنعاء، مؤكداً أن التباينات السياسية أمر طبيعي، لكن هدف استعادة الدولة يجب أن يكون المظلة الجامعة للجميع.
وأشار صالح إلى أن المجلس الانتقالي الجنوبي شريك أساسي في المعركة الوطنية منذ بداية المواجهة مع الحوثيين، وأن تضحيات الجنوبيين في صعدة تمثل دليلاً واضحاً على وحدة الهدف والمصير. ودعا إلى خلق بيئة سياسية وعسكرية مناسبة للمرحلة المقبلة، موضحاً أن دول التحالف قدمت دعماً كبيراً، وأن توفير دعم إضافي يتطلب توحيد الجهود بشكل عملي وميداني.
كما أكد أن المقاومة الوطنية لن تنشغل بصراعات جانبية، وأنها ماضية نحو هدفها الأساسي المتمثل في تحرير صنعاء، لافتاً إلى أن وحدة القوى الوطنية أصبحت ضرورة وليس خياراً.
دور سلطان العرادة في تعزيز الجبهة العسكرية
إلى جانب التحركات السياسية، شهدت محافظة مأرب لقاءات مهمة بين عضو مجلس القيادة الرئاسي سلطان العرادة ورئيس هيئة الأركان الفريق الركن صغير بن عزيز وعدد من القيادات العسكرية والأمنية. وفي هذا اللقاء شدد العرادة على أن التحديات التي تواجه البلاد هي نتيجة مباشرة لانقلاب الحوثيين على الدولة ومؤسساتها.
وأكد العرادة أن القوات المسلحة والأمن يمثلان الأساس في معركة التحرير، وأن مجلس القيادة يولي اهتماماً كبيراً بدعم المقاتلين وحل قضاياهم. ودعا القيادات العسكرية إلى تجاوز إرث الماضي والخلافات التي أثّرت على تماسك الصف الوطني، مشيراً إلى أن استعادة مؤسسات الدولة ستنهي الكثير من الإشكالات.
ووجّه العرادة رسالة واضحة للقيادات العسكرية قال فيها إن الشعب يعلق آمالاً كبيرة على الجيش والأمن، وأن رفع راية التحرير هو الطريق الوحيد لاستعادة الاستقرار، مؤكداً أن اليمن لن يستعيد مكانته الطبيعية إلا بإنهاء سيطرة الميليشيا الحوثية. كما عبّر عن تقديره لتحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية، مشيراً إلى دوره المحوري في التصدي للمشروع الإيراني في اليمن.
مبادرة إنسانية بشأن جثامين الحوثيين
في تطور مواكب للمساعي السياسية الجارية، أعلنت السلطات اليمنية في محافظة مأرب تسليم جثامين 26 من قتلى الحوثيين الذين سقطوا في جبهات مأرب والجوف. وأوضح العميد يحيى كزمان، عضو الفريق الحكومي المفاوض، أن هذه الخطوة جاءت كمبادرة من طرف واحد لدواعٍ إنسانية، وبإشراف من لجنة الصليب الأحمر الدولي.
وأكد كزمان أن الخطوة تأتي ضمن مساعي الحكومة لتهيئة الأجواء قبل جولة المفاوضات المرتقبة بشأن الأسرى، وتعزيز مبدأ حسن النية بهدف الوصول إلى اتفاق يقوم على قاعدة الكل مقابل الكل. وأشار إلى أن المبادرة جاءت بناءً على توجيهات عليا لإغلاق هذا الملف الإنساني الذي تسبب بمعاناة آلاف الأسر اليمنية.
قراءة تحليلية للمشهد
تعكس التحركات الأخيرة لأعضاء مجلس القيادة الرئاسي اتجاهاً واضحاً نحو إعادة ترتيب البيت الداخلي وتوحيد الجهود السياسية والعسكرية استعداداً لمرحلة مفصلية من الصراع. فالدعوات المتكررة لتجاوز الانقسامات وتوحيد أهداف القوى المناهضة للحوثيين تظهر إدراكاً متزايداً لأهمية العمل المشترك، خصوصاً مع اقتراب جولة جديدة من المفاوضات التي قد تحدد ملامح المرحلة المقبلة.
كما أن المبادرات الإنسانية، مثل تسليم جثامين الحوثيين، تمثل خطوة نحو بناء أرضية تفاوضية أكثر استقراراً، وتوجيه رسالة للمجتمع الدولي بأن الحكومة متمسكة بالحلول السلمية دون التنازل عن هدف استعادة الدولة.
يشير المشهد العام إلى أن اليمن يقف أمام منعطف حاسم، حيث تتقاطع التحركات السياسية مع التحضيرات العسكرية، بهدف إعادة الزخم لمعركة استعادة صنعاء. وتظهر اللقاءات المتتابعة بين القيادات السياسية والعسكرية مصداقية الجهود الرامية لتوحيد الصف الوطني، في وقت تواصل فيه جماعة الحوثي التشبث بخيار القوة. ويبدو أن الأشهر المقبلة ستعكس مدى قدرة القوى اليمنية على تجاوز خلافاتها، وتشكيل جبهة موحدة قادرة على إنهاء الانقلاب وفتح الطريق نحو استعادة مؤسسات الدولة.