مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الأولى من 40 عامًا... مفاوضات «مدنية» بين لبنان وإسرائيل

نشر
الأمصار

شهدت بيروت وتل أبيب حدثاً غير مسبوق منذ أربعين عاماً، مع انطلاق مفاوضات مدنية بين لبنان وإسرائيل تحت رعاية أميركية مباشرة. هذا التطور جاء في إطار اجتماعات لجنة الإشراف على تنفيذ اتفاق وقف الأعمال العدائية المعروفة بـ«الميكانيزم»، ما وضعه البعض في خانة الدفع نحو التهدئة، فيما اعتبره آخرون خطوة تحمل أبعاداً سياسية تتجاوز الإطار التقني المعلن.

 

مشاركة مدنية هي الأولى منذ عقود
 

تشكّلت الجولة الجديدة من المفاوضات بحضور شخصيتين مدنيتين لأول مرة منذ عقود: السفير اللبناني السابق سيمون كرم، والمدير الأعلى للسياسة الخارجية في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي يوري رسنيك. شارك الاثنان إلى جانب المستشارة الأميركية مورغان أورتاغوس، التي ترأست الاجتماع ضمن مهمّة واشنطن في قيادة «الميكانيزم».

هذه المشاركة المدنية، وفق مراقبين، تعكس محاولة أميركية لفتح نافذة صغيرة في جدار الأزمة، ولو عبر خطوات رمزية، بهدف تثبيت التهدئة ومنع أي انزلاق نحو مواجهة شاملة.

 

الموقف الأميركي: دعم السلام والازدهار المشترك
 

أصدرت السفارة الأميركية في بيروت بياناً اعتبرت فيه أن الخطوة تأتي في إطار «دعم السلام الدائم والازدهار المشترك لكلا الجانبين».
رأت واشنطن أن إدخال شخصيات مدنية في إطار المباحثات العسكرية – الأمنية يُعد محاولة لتوسيع دائرة التواصل، وتحصين اتفاق وقف الأعمال العدائية الموقع عام 2006، وضمان التزام الطرفين بتطبيق بنوده من خلال آليات واضحة وشفافة.

 

الموقف اللبناني الرسمي: استجابة للمساعي الأميركية
 

من جانبها، اعتبرت رئاسة الجمهورية اللبنانية أن المشاركة المدنية تأتي في إطار «التجاوب مع المساعي المشكورة من قِبل الحكومة الأميركية»، مؤكدة أن التكليف حصل «بعد تنسيق وتشاور كامل» مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة نواف سلام.
وشددت الرئاسة على أن الخطوة ليست مبادرة منفصلة، بل جزء من عمل متواصل مع وسطاء دوليين لحماية الوضع الحدودي ومنع الانزلاق نحو تصعيد واسع.

 

موقف رئيس الحكومة: لسنا أمام محادثات سلام
 

رئيس الحكومة نواف سلام وضع الأمور في سياقها التقني، حيث أكد أن «المباحثات لم تصل بعد إلى مرحلة محادثات سلام».
وأوضح أن «لجنة وقف إطلاق النار هي المنتدى الطبيعي لتنفيذ إعلان وقف الأعمال العدائية»، في إشارة إلى أن مشاركة لبنان تأتي حصراً ضمن الإطار الذي رسمه القرار 1701 وضمن مسار مراقبة الخروقات، من دون أي إسقاطات سياسية أو تفاوض على ملفات شائكة.

 

الخلفية الأمنية: تهدئة تبحث عن تثبيت
 

تأتي هذه المفاوضات في فترة شديدة الحساسية، حيث يشهد الجنوب اللبناني توترات متقطعة منذ أشهر، وسط ضغوط دولية كبيرة لمنع تطور المواجهات إلى حرب شاملة.
وبحسب مصادر لبنانية تحدّثت لصحيفة «الشرق الأوسط»، فإن الرئيس جوزيف عون رأى في هذه الخطوة «محاولة لقطع الطريق على توسعة الحرب أولاً، وإحراج إسرائيل دولياً عبر تأكيد الانفتاح على المطالب الدولية».
واعتبرت المصادر أن مشاركة شخصية مدنية لبنانية هي رسالة مزدوجة: التزام بالشرعية الدولية، من جهة، وإصرار على الحفاظ على الحدود بعيداً عن التوتر العسكري، من جهة ثانية.

 

ردود الفعل الداخلية: انقسام في الرؤية والموقف
 

لم تمر الخطوة من دون اعتراضات داخلية. فقد خرجت تظاهرات ليلية في ضاحية بيروت الجنوبية، حيث نظّم مناصرون لـ«حزب الله» مسيرات رافضة لما وصفوه بـ«التطبيع مع إسرائيل».
رفع المحتجون شعارات تندد بالمفاوضات المدنية، معتبرين أنها تتجاوز حدود التفويض العسكري – الأمني الممنوح للوفد اللبناني في إطار لجان وقف إطلاق النار.
هذا التحرك أكد أن أي تطور في العلاقة بين لبنان وإسرائيل، ولو ضمن مسار تقني، يبقى محاطاً بحساسية سياسية داخلية، لا سيما في ظل الانقسام المحلي حول دور المقاومة ومستقبل العلاقة مع إسرائيل.

بين التهدئة ومخاوف التصعيد
على الرغم من الطابع التقني المعلن للاجتماع، إلا أن إدخال المدنيين فتح الباب أمام تكهنات سياسية واسعة. فالبعض اعتبرها مقدمة لجولات تواصل أوسع في حال نجحت اللجنة في تحقيق تقدّم حقيقي على الأرض.
في المقابل، رأى آخرون أن الخطوة الأميركيّة تهدف فقط إلى إبعاد شبح الحرب، وأن لا أفق لأي مفاوضات سياسية طالما أن الملفات الكبرى، مثل الحدود البرية ونقاط الخلاف على الخط الأزرق وسلاح «حزب الله»، لا تزال خارج الطاولة.

 

أهمية «الميكانيزم» في المرحلة الراهنة
 

تُعد لجنة وقف الأعمال العدائية واحدة من أهم القنوات الرسمية بين لبنان وإسرائيل منذ عام 2006.
تعقد اللجنة اجتماعات دورية برعاية «اليونيفيل»، وتشكّل منصة أساسية لبحث الخروقات الجوية والبرية، ولتنسيق أي إجراءات تمنع التصعيد على الحدود.
وفي ظل التوترات الأخيرة، ازدادت أهمية اللجنة بوصفها صمام أمان يمنع الانفجار، لذلك تسعى واشنطن إلى تعزيز دورها عبر إدخال وجوه جديدة تحمل خبرات دبلوماسية ومدنية.

 

خلاصة المشهد: خطوة صغيرة في طريق طويل
 

يمكن القول إن انطلاق المفاوضات المدنية بين لبنان وإسرائيل يمثل حدثاً رمزياً لكنه بالغ الدلالة، لأنه يعبّر عن لحظة تقاطعت فيها الضغوط الدولية مع الحاجة إلى تثبيت الهدوء جنوباً.
ورغم أن المسؤولين اللبنانيين يؤكدون أن ما يجري لا يتجاوز إطار لجنة وقف إطلاق النار، إلا أن الخطوة تحمل بعداً سياسياً لا يمكن فصله عن التطورات الإقليمية ومحاولات واشنطن تجنّب حرب جديدة.

أما داخلياً، فيبقى الانقسام حول العلاقة مع إسرائيل حاضراً بقوة، ما يجعل أي تحرك في هذا الاتجاه محفوفاً بحساسية كبيرة.

في المحصلة، لا يمكن الجزم بأن ما حدث يشكّل بداية لمسار تفاوضي جديد، لكنه بالتأكيد مؤشر على مرحلة مختلفة، يسعى فيها كل طرف إلى تجنّب الأسوأ، ولو عبر خطوات صغيرة محسوبة بدقة.