مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عبدالقادر مؤمن زعيم داعش الصومالي يهرب من الغارات الأمريكية

نشر
الأمصار

من لندن إلى جبال الصومال، سلك عبدالقادر مؤمن مسارًا خطيرًا جعله أحد أبرز قيادات الإرهاب على مستوى العالم. مؤخرًا، اعتقدت أجهزة الأمن الصومالية والأمريكية أنها اقتربت من الإيقاع به بعد أن دلّ أحد أسرى مقاتلي داعش على مخبئه في كهف مرتفع ضمن جبال كال مسكاد القاسية في الصومال.

ومع ذلك، لم تحقق الغارة الجوية الأمريكية، التي نفذت استنادًا إلى تلك المعلومات، الهدف المنشود، إذ عُثر على جثث متفحّمة في الموقع دون وجود مؤمن، الذي تصنفه الولايات المتحدة الأمريكية كـ"القائد الفعلي لتنظيم داعش عالميًا".

أيديولوجية الموت وتمدد التنظيم

النقيب عمر يوسف محمد، ضابط في قوة الشرطة البحرية في بونتلاند بالصومال، الذي يقود عمليات مستمرة ضد التنظيم، وصف مؤمن بأنه "فيروس أصاب أرضنا بأيديولوجيته المتطرفة وجلب الموت لشعبنا". ورغم سقوط داعش في العراق وسوريا عام 2019، لم يمت التنظيم، بل امتد إلى مناطق هشّة حول العالم، وخاصة في أفريقيا.

من مخبئه الجبلي في بونتلاند، حاول مؤمن بناء نسخة جديدة من الخلافة. فبعد أن بدأ بنواة صغيرة لا تتجاوز 30 مقاتلًا، تمكن بحلول نهاية 2024 من تجنيد نحو 1200 مقاتل، ليصبح فرع الصومال مركزًا مؤثرًا ضمن شبكة التنظيم العالمية.

وتشير تقديرات استخباراتية إلى أن داعش الصومال لعب دورًا ماليًا مهمًا في تمويل عمليات دولية، بينها الهجوم على مطار كابل عام 2021 الذي أسفر عن مقتل 169 أفغانيًا و13 جنديًا أمريكيًا. وفي أبريل/نيسان 2025، أكد الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة الأمريكية في أفريقيا، أن "مركز إدارة داعش العالمية انتقل إلى الصومال"، مشيرًا إلى أن مؤمن بات القائد الأبرز داخل التنظيم.

حملات عسكرية لضرب التنظيم

ردًا على هذا التهديد، شنت قوات بونتلاند، بدعم من غارات أمريكية، حملة عسكرية واسعة بعد رصد خطط لمؤمن للسيطرة على ميناء بوصاصو الاستراتيجي. وخلال عام كامل من القتال، مُني التنظيم بخسائر كبيرة. وفي 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، نفذت قوة أمريكية خاصة مؤلفة من 200 عنصر عملية إنزال جوي في وادي بعالدة، أسفرت عن القضاء على مجموعة من عناصر التنظيم، بينهم مقاتلون من سوريا وتركيا وإثيوبيا.

ومع ذلك، لا يزال مؤمن طليقًا، يتنقل ليلًا بين الكهوف، ويواصل قيادة التنظيم عبر رسائل مكتوبة فقط، كما فعل أسامة بن لادن في مخابئ تورا بورا في أفغانستان.

رحلة الإرهاب من أوروبا إلى الصومال

تسرد سيرة مؤمن، المولود في بونتلاند في أوائل الخمسينيات، مسارًا طويلًا من التشدد والتنقل بين بلدان أوروبا. بعد هروبه من الحرب الأهلية، استقر مؤمن في مدينة غوتنبرغ السويدية، ثم بريطانيا، حيث أصبح خطيبًا في مسجد قباء بمدينة ليستر، ثم في مسجد غرينتش في لندن.

خلال هذه الفترة، التقى مؤمن بشخصيتين أصبحا لاحقًا من أخطر إرهابيي بريطانيا: محمد الموازي المعروف باسم "الجهادي جون"، ومايكل أديبولاجو، قاتل الجندي لي ريغبي عام 2013. 

وتشير مصادر أمنية بريطانية إلى أن مؤمن كان جزءًا من شبكة تجنيد تستهدف الشباب الصومالي في المقاهي التي يرتادونها لمضغ القات.

مع تشديد الرقابة الأمنية عليه، غادر مؤمن بريطانيا عام 2010 عائدًا إلى الصومال، حيث التحق بحركة الشباب الموالية للقاعدة، لكنه انشق لاحقًا إلى داعش، معلنًا ولاءه للخلافة عام 2015 عبر تسجيل صوتي. ومعه انتقل نحو 20 مقاتلًا فقط، وسرعان ما تحولت مجموعته الصغيرة إلى قوة ضاربة.

الكهوف المحصنة والدولة المصغّرة

يتحصن مقاتلو التنظيم داخل شبكة من الكهوف المحصنة، ويعتمدون على ما يمكن اصطياده أو جمعه من الطيور والنباتات وحتى لحم الحمير.

 ورغم الطابع البدائي لأسلوب القتال، إلا أن التكنولوجيا حاضرة بقوة، متمثلة في استخدام الطائرات المسيّرة، القناصة المحترفين، الألغام المضادة للدروع، وصواريخ مهرّبة من اليمن، حيث تم العثور على أكثر من 2000 صاروخ بعيد المدى.

وتكشف الكهوف التي تمت مداهمتها عن "دولة مصغّرة" تشمل مستشفيات ميدانية، معدات تصوير مقطعي، ورش خياطة وأحذية نصف مصنعة. 

وتشير التقديرات إلى أن نحو 800 امرأة وطفل عاشوا هذه الحياة الجبلية القاسية، ولم يتبق منهم سوى حوالي 80 بعد عمليات النزوح والهروب.

شبكة دولية من المقاتلين

في مقر قوات الشرطة البحرية في بوصاصو، تتكدس صور قتلى التنظيم ومعتقليه من جنسيات مختلفة.

 ووفقًا لضباط الاستخبارات، فقد انضم إلى مؤمن متطرفون من أكثر من 30 دولة، بينهم مغاربة وتنزانيون ويمنيون وكنديون وألمان وأرجنتينيون. 

وينقسم القادمون إلى فئتين: متشددون هاربون من انهيار داعش في الشرق الأوسط، وشبان جذبهم وعد بالحياة الزوجية والراتب المالي الذي يصل إلى ألفي دولار.

يتلقى المجندون الجدد تدريبًا مكثفًا يمتد لستة أشهر في معسكر قرب قرية شباع، التي اتخذها التنظيم "عاصمة" له. وفي أحد الفيديوهات الدعائية عام 2016، يظهر مؤمن شخصيًا مخاطبًا المقاتلين، حاملاً بندقيته الكلاشينكوف على كتفه، مانحًا إياهم "بركته" قبل القتال.

استمرار التهديد الدولي

يستمر عبدالقادر مؤمن في قيادة التنظيم رغم الضربات العسكرية المكثفة، ويشكل تهديدًا مباشرًا للأمن في الصومال وأفريقيا بشكل عام. ويؤكد خبراء مكافحة الإرهاب أن القضاء على مؤمن يمثل خطوة حاسمة في تفكيك داعش في المنطقة، لكنه يبقى أحد أصعب أهداف مكافحة الإرهاب بسبب خبرته الطويلة في التخفي والتحرك بين الكهوف الجبلية، واستغلاله للتكنولوجيا الحديثة في العمليات العسكرية والتجنيد الدولي.