أزمة غير مسبوقة تضرب بنية الجيش الإسرائيلي
نقص حاد في الضباط وتراجع حاد في الرغبة بالاستمرار بالخدمة العسكرية
تشير المعطيات الصادرة خلال الأشهر الأخيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يعيش واحدة من أكثر مراحله حساسية على مستوى تماسك قواته البشرية، في ظل تزايد مؤشرات التدهور في الرغبة بالاستمرار في الخدمة العسكرية، سواء في صفوف الضباط أو ضباط الصف، الأمر الذي دفع شخصيات بارزة في المؤسسة العسكرية إلى قرع جرس الإنذار والتحذير من انعكاسات هذه الظاهرة على قدرة الجيش على خوض الحروب وإدارة العمليات الطويلة.
ويأتي ذلك في وقت تواجه فيه إسرائيل تحديات أمنية ممتدة، أبرزها الحرب على غزة، إلى جانب التوترات المتصاعدة على الجبهات الشمالية، ما يجعل الحفاظ على جاهزية القوات مسألة مصيرية.
ففي دراسة جديدة نشرتها صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، برزت صورة مقلقة حول أزمة الاحتفاظ بالعسكريين داخل الخدمة، وتُظهر البيانات أن الجيش يعاني من صعوبة حقيقية في الحفاظ على كوادره من الضباط والجنود المهنيين، مع تزايد التوجّه نحو ترك الخدمة والانتقال إلى سوق العمل المدني، الذي بات يُنظر إليه كخيار أكثر استقرارًا وربحًا وأقل ضغطًا.
نقص لافت في الضباط… و1300 منصب شاغر
وبحسب ما كشفته القناة 12 العبرية، يعاني الجيش من نقص حاد يُقدّر بنحو 1300 ضابط في رتبتي الملازم والنقيب، إضافة إلى 300 ضابط آخرين في رتبة الرائد.
ويُعد هذا النقص الأكبر منذ سنوات، ما يضع المؤسسة العسكرية أمام تحدٍّ مباشر في سدّ الفجوات داخل الوحدات القتالية والإدارية على حد سواء.
ويستند التقرير إلى استطلاعات داخلية أجراها الجيش، تُظهر تراجعًا كبيرًا في نسبة الضباط الراغبين في مواصلة الخدمة. فبينما كانت نسبة الراغبين بالاستمرار عام 2018 تصل إلى 83%، انخفضت اليوم إلى 63% فقط. أما بين ضباط الصف، فقد هبطت النسبة إلى 37% مقارنة بـ 58% عام 2018، ما يعكس حالة عدم الرضا التي باتت شائعة بين مستويات مختلفة داخل المؤسسة العسكرية.

أسباب الأزمة… الضغط المتواصل وتراجع ظروف الخدمة
تاريخيًا، واجه الجيش الإسرائيلي صعوبة في الاحتفاظ بالجنود المهنيين، نظرًا لجاذبية سوق العمل المدني الذي يُتيح فرصًا مالية أفضل وانخفاضًا ملحوظًا في الضغوط ومعدلات الإجهاد. إلا أن الأحداث الأخيرة ضاعفت من الأزمة، إذ لعبت عدة عوامل دورًا في تسريع وتيرة التسرب من الخدمة، أبرزها:
الإرهاق الناتج عن الحرب: فالحرب المستمرة على غزة تطلبت استدعاءً واسعًا لقوات الاحتياط، وفرضت ضغوطًا إضافية على الوحدات النظامية التي تعمل في جولات متلاحقة من المهام العملياتية.
تراجع ظروف الخدمة: إذ بات العديد من الجنود ينظرون إلى الخدمة العسكرية كعبء ثقيل، خصوصًا مع زيادة ساعات العمل والمهام الطارئة والتنقلات المتواصلة.
التوتر السياسي الداخلي: الخلافات السياسية العميقة التي تشهدها إسرائيل انعكست بشكل مباشر على المؤسسة العسكرية، ما أدى إلى شعور بعض الضباط بأنهم عالقون في وسط صراعات ليست من اختصاصهم.
الاستياء من التعيينات القيادية الأخيرة: إذ أعرب عدد من الضباط عن عدم رضاهم عن بعض التعيينات داخل القيادة العليا، معتبرين أنها تفتقر إلى الشفافية أو لا تراعي معايير الكفاءة بالشكل المطلوب.
طلبات متزايدة للتقاعد المبكر… وترقيات
قبل أوانها

وفي موجة جديدة من القلق، كشفت تقارير من داخل مديرية القوى البشرية في الجيش أن نحو 600 جندي مهني قدموا طلبات للتقاعد المبكر خلال الأسابيع الماضية.
وقد أبلغ ضباط كبار في المديرية أعضاء الكنيست في جلسة خاصة خلال نوفمبر بأن الجيش يضطر إلى ترقية الضباط الصغار مبكرًا لسدّ الفجوات الكبيرة في المناصب القيادية، وهو إجراء يحمل مخاطر مهنية على المستوى التنظيمي، لكونه يدفع ضباطًا غير متمرّسين إلى مواقع عليا دون المرور بالمسار الطبيعي في السلم القيادي.
جهود لاحتواء الأزمة… وخطط عاجلة قيد التحضير
من جهته، يعمل رئيس هيئة الأركان إيال زمير، إلى جانب رئيس مديرية القوى البشرية اللواء دادو بار خليفة، وعدد من كبار المسؤولين العسكريين، على إعداد خطط عاجلة تهدف إلى وقف التدهور في صفوف الجنود المهنيين. وتشمل الجهود المطروحة تحسين ظروف الخدمة، وتوفير محفزات مالية، وتفعيل برامج دعم نفسي، بالإضافة إلى محاولة منع سنّ قوانين قد تزيد من عزوف الشباب عن الخدمة الدائمة.
ملف الحريديم… مصدر محتمل لتعويض النقص
وتبرز ضمن التحديات أيضًا قضية المجتمع الحريدي، حيث يوجد نحو 80 ألف شاب بين سن 18 و24 عامًا مؤهلين للخدمة العسكرية لكنهم غير ملتحقين بها.
وتعتبر هذه الفئة هدفًا مهمًا للجيش لتعويض النقص الحاد في القوى البشرية، غير أن الخلافات السياسية والمجتمعية حول تجنيد الحريديم ما زالت تعرقل أي تقدم جوهري في هذا الملف.
الجيش يحتاج إلى 12 ألف مجند فورًا
وبينما تتواصل الحرب في غزة وتتوسع مهام الجيش على أكثر من جبهة، تؤكد قيادة الجيش أنها بحاجة عاجلة إلى 12 ألف مجند جديد لتخفيف الضغط الكبير على القوات النظامية والاحتياط، والحفاظ على قدرته على خوض المعارك الطويلة.