مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

ترامب يدفع بخطة سلام «معدلة» ويكثف اتصالاته مع موسكو وكييف

نشر
الأمصار

مع تسارع الجهود الدولية الرامية لوضع حد للحرب الدائرة في أوكرانيا منذ فبرايرشباط 2022، كثّف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحركاته السياسية، معلناً دفع نسخة «معدلة» من خطته للسلام، عبر سلسلة اتصالات ومبعوثين يتوجهون إلى موسكو وكييف خلال الأيام المقبلة.

 ويبدو أن الإدارة الأمريكية الحالية تسعى، وفق تصريحات ترامب، إلى إعادة صياغة المسار التفاوضي ليصبح أكثر واقعية من وجهة نظر واشنطن، وأكثر قابلية للتطبيق من منظور الأطراف المعنية بالصراع.

وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في تصريحات للصحفيين على متن طائرة الرئاسة، إن خطته التي ظهرت قبل أيام خضعت لتنقيح واسع، مؤكداً أنها تحرز تقدماً ملموساً وأن هناك قبولاً متنامياً لدى عدد من الأطراف لفكرة المضي في إطار تفاوضي جديد.

تحركات دبلوماسية بوجوه جديدة

وكشف الرئيس الأمريكي أن رجل الأعمال الذي تحول إلى وسيط سياسي، ستيف ويتكوف، سيتوجه إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في حين يتوجه وزير الجيش الأمريكي دان دريسكول إلى كييف لإجراء مشاورات مباشرة مع المسؤولين الأوكرانيين. وأشار ترامب إلى احتمال انضمام صهره ومستشاره السابق جاريد كوشنر إلى وفد موسكو، في خطوة تشير إلى رغبة البيت الأبيض في تعزيز الدور الشخصي لشخصيات مقربة من الرئيس الأمريكي في التفاوض.

ويُعد ويتكوف الشخصية المقربة من ترامب الوسيط الرئيسي بين الإدارة الأمريكية والكرملين، وقد أظهر نشاطاً دبلوماسياً لافتاً خلال الأسابيع الماضية، فيما كثّف دريسكول من اتصالاته مع الجانب الأوكراني بصورة واضحة، ما يعكس اتجاهاً أمريكياً نحو بناء قنوات موازية للتواصل المباشر مع الطرفين.

وأكد الرئيس الأمريكي أنه قد يجري لقاءات مباشرة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في الوقت المناسب لكنه شدد على أن ذلك سيكون بعد تحقيق تقدم حقيقي في المحادثات.

تنازلات جغرافية محل جدل

وتطرّق ترامب خلال حديثه إلى البنود المثيرة للجدل في خطته، والتي تطلب من أوكرانيا التخلي عن أجزاء من أراضيها في شرق البلاد لصالح روسيا. وقلل الرئيس الأمريكي من حساسية هذا المطلب، قائلاً إن المناطق التي قد تتنازل عنها كييف قد تؤول لروسيا على أي حال بفعل التطورات الميدانية.

وأضاف: إذا نظرت إلى الوضع الحالي على الأرض، ستلاحظ أنه يتحرك في اتجاه واحد قد تصبح هذه الأراضي روسية خلال الأشهر المقبلة، سواء تم التوصل إلى اتفاق أو لم يتم.

وترتكز الخطة الأمريكية في نسختها الأولى على مطالبة كييف بالتنازل عن منطقة دونباس بالكامل، رغم أن جزءاً كبيراً منها ما يزال تحت السيطرة الأوكرانية، بحسب المعطيات الحالية. وقدّر معهد دراسة الحرب في الولايات المتحدة أن القوات الروسية تحتاج لسنوات للسيطرة الكاملة على المنطقة وفق وتيرة تقدمها الحالية.

مخاوف من تجاوز للصلاحيات

ورغم أن ترامب نفى الاتهامات التي طالت مبعوثه ويتكوف—بعد نشر تسجيل مسرب لمكالمة أجراها الأخير مع مستشار الرئيس الروسي للشؤون الخارجية—إلا أن الجدل داخل أروقة السياسة الأمريكية ما يزال قائماً.

وقال النائب الجمهوري دون بايكن، أحد أبرز المنتقدين لنهج ترامب في الملف الأوكراني، إن التسجيل «يظهر انحيازاً واضحاً لصالح روسيا»، وإن ويتكوف «لا يمكن الوثوق به» في قيادة ملف بالغ الحساسية مثل هذا. وجاء الهجوم بعد تقارير أمريكية أشارت إلى أن ويتكوف قدم نصائح للمسؤول الروسي حول كيفية مخاطبة ترامب في محادثاتهما المقبلة.

زخم دبلوماسي متصاعد في أوروبا

وفي أوروبا، أكّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن جهود السلام «تشهد زخماً واضحاً وتصل إلى مرحلة حاسمة»، وذلك عقب سلسلة اجتماعات استضافتها مدينة جنيف بين مسؤولين أمريكيين وأوكرانيين، إضافة إلى اجتماع افتراضي ضم ما يُعرف بـ تحالف الراغبين من الحلفاء الأوروبيين لأوكرانيا. 

وشارك في الاجتماعين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، الذي بداوفق مصادر أوروبيةأكثر انفتاحاً على مناقشة تعديلات الخطة الأمريكية.

وقال الرئيس الفرنسي إن المفاوضات تحصل على دفعة جديدة، ويجب اغتنام هذا الزخم في إشارة إلى المناخ الدبلوماسي الذي بدأ يتشكل مؤخراً، والذي يرى فيه بعض الأوروبيين فرصة لفتح باب التفاوض من جديد.

أما رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، فقد صرّح بأن المسار يبدو إيجابياً، مضيفاً أن مؤشرات اليوم تفيد بأن معظم بنود النص يمكن أن تكون مقبولة بالنسبة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.

موقف كييف.. بين القبول الحذر والقلق

وأظهر الجانب الأوكراني حذراً واضحاً في التعامل مع التعديلات المقترحة. وقال أولكسندر بيفز، عضو الوفد الأوكراني في مفاوضات جنيف، إن الحديث عن اتفاق نهائي لا يزال مبكراً للغاية، مؤكداً أن الولايات المتحدة أصبحت تدرك الآن أن ضمانات الأمن لأوكرانيا هي العامل الأساسي الذي يجعل أي اتفاق قابلاً للتطبيق.

وأشار بيفز إلى أن عدد بنود الخطة الأمريكية تقلّص بعد حذف النقاط المكررة أو تلك التي لا ترتبط مباشرة بالملف الأوكراني.

وفي كييف، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إن قائمة الخطوات اللازمة لإنهاء الحرب قابلة للنقاش، مؤكداً أنه سيبحث قضايا حساسة للغايةمع الرئيس الأمريكي في أقرب فرصة. وأوضح مستشاره رستم أوميروف أن كييف تأمل في التوصل لاتفاق في أقرب موعد مناسب خلال الشهر الجاري.

موسكو.. موقف متحفظ وانتظار لما ستقدمه واشنطن

على الجانب الروسي، أبدت موسكو موقفاً يتسم بالحذر وعدم التسرع. وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن بلاده على تواصل مستمرمع المسؤولين الأمريكيين بشأن المقترحات الجديدة، مؤكداً أن واشنطن ستقدم نسخة تُعد مؤقتة من الخطة بعد التشاور مع الحلفاء الأوروبيين والحكومة الأوكرانية.

ويرى محللون روس أن الكرملين لن يتخذ موقفاً واضحاً قبل أن يرى الصياغة النهائية للتعديلات الأمريكية، خاصة مع وجود بنود تعكس تناقضات في مقاربة واشنطن.

طريق طويل نحو السلام

ورغم المؤشرات المتزايدة على وجود «إطار تفاوضي جديد»، إلا أن مراقبين دوليين يؤكدون أن الطريق نحو تسوية نهائية لا يزال طويلاً، في ظل اختلاف أولويات الأطراف، وتباين تصور كل دولة للشروط المقبولة لإنهاء الحرب التي دخلت عامها الرابع.

ومع ذلك، يرى خبراء أن الحراك الدبلوماسي المكثف خلال الأسابيع الماضية يشير إلى أن الأطراف حتى وإن لم تتفق تدرك أن استمرار الحرب أكثر كلفة من التوصل لتسوية جزئية تُبقي ماء الوجه للجميع.