ملامح الخطة الأميركية الجديدة للسلام في أوكرانيا.. ما أبرزها؟
أفادت وكالة الأنباء الفرنسية بأن الخطة الأميركية المقترحة للسلام بشأن أوكرانيا تتضمن تخلي كييف عن إقليم دونباس لصالح روسيا، إضافة إلى تقليص عدد أفراد الجيش الأوكراني إلى نحو 600 ألف جندي فقط.
وتشير الخطة أيضًا إلى تمركز طائرات مقاتلة أوروبية في بولندا بهدف توفير مظلة حماية جوية لأوكرانيا، وفي جانب اقتصادي، كشف موقع «أكسيوس» الأميركي أن الخطة تنص على استثمار نحو 100 مليار دولار من الأصول الروسية المجمّدة في إعادة إعمار أوكرانيا.

وفي السياق ذاته، نقل الموقع عن مسؤول أميركي أن مسودة الاتفاق التي يجري بحثها لإنهاء الحرب الروسية–الأوكرانية تتضمن التزامًا أميركيًا وأوروبيًا بضمان أمن أوكرانيا مستقبلًا.
وأوضح المسؤول أن الضمانات الأمنية ستكون مشابهة لمبدأ المادة الخامسة في ميثاق حلف شمال الأطلسي، والتي تُلزم الدول الأعضاء بالرد على أي هجوم تتعرض له كييف، بما في ذلك الرد العسكري.
تتضح في واشنطن ملامح خطة جديدة لإنهاء الحرب، تقوم على تنازلات كبيرة مطلوبة من كييف، ورغم الصعوبة البالغة لقبول هذه التنازلات داخل أوكرانيا وداخل بعض الدول الأوروبية، فإن الإدارة الأميركية ترى فيها «المخرج الوحيد» من الحرب الطويلة.
وتشير بنود الخطة التي تقودها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إلزام كييف بالتخلي عن أجزاء من الشرق الأوكراني لا تسيطر عليها روسيا حاليًا، بما يعكس فكرة أميركية أولية حول إعادة ترسيم حدود النفوذ بين الطرفين.

وتثير هذه المقترحات، التي برزت بعد صدور قرار مجلس الأمن بشأن غزة، أسئلة أكثر مما تقدم من إجابات، خصوصًا أنها تأتي بعد سلسلة محاولات أميركية سابقة استمعت خلالها واشنطن تارة إلى الموقف الروسي وتارة إلى الجانب الأوكراني، دون الوصول إلى أرضية مشتركة.
وتتضمن الخطة كذلك تقليصًا كبيرًا في قدرات الجيش الأوكراني، مقابل حصول كييف على ضمانات أمنية أميركية وأوروبية ضد أي هجوم روسي مستقبلي، وهو ما دفع بعض المؤيدين لأوكرانيا داخل الولايات المتحدة إلى وصفها بأنها «خطة استسلام لا سلام»، وعلى الجانب الآخر، ورغم أن بنودًا أساسية في الخطة تصب في مصلحة موسكو، فإن الروس يطالبون بمزيد من المكاسب، في ظل استمرار الموقف الأوكراني الرافض لأي تنازل عن الأراضي.
من جهته، أعلن الكرملين استعداده للعودة إلى طاولة التفاوض حول التسوية الأوكرانية، مشيرًا إلى إمكانية عقد لقاء بين الرئيس فلاديمير بوتين والرئيس ترامب «في أسرع وقت إذا اقتضت الضرورة»، غير أن محللين روس يرون أن نجاح مبادرة ترامب «مؤجل»، خاصة في ظل التقدم الميداني الروسي الذي يجعل موسكو أقل استعجالًا للتهدئة.
وفي المقابل، تعتبر موسكو أن تزايد التصريحات الأوروبية الداعية إلى التصعيد لا يساعد في تهيئة الظروف المناسبة للتفاوض، ما يدفع قواتها إلى مواصلة العمليات وفق مبدأ «التفاوض تحت النار»، الذي يميل لصالح الطرف الأقوى ميدانيًا.

وفي كييف، تتابع السلطات الأوكرانية التسريبات والنقاشات حول الخطة باهتمام وحذر، مع التركيز على سؤال جوهري: كيف سينعكس أي اتفاق على سيادة البلاد وأمنها وحدودها؟ وتشير أوكرانيا رسميًا إلى أن ما يتداول حتى الآن ما يزال في إطار المشاورات وغير مقدّم كوثيقة رسمية مكتملة، وتؤكد القيادة الأوكرانية أن أي مبادرة دولية يجب أن تُقيّم وفق مدى احترامها لوحدة الأراضي الأوكرانية وانسجامها مع القانون الدولي.
وتبرز في هذا السياق زيارة مبعوث الرئيس الروسي، ديميتريف، إلى نيويورك واجتماعه بمسؤولين أميركيين كبار، والتي اعتبرها مراقبون بداية تحرك أميركي لإحياء المسار الدبلوماسي، رغم فشل اللقاء الأخير بين مبعوث واشنطن ووزير الخارجية الأوكراني زيلينسكي في إسطنبول، ما يشير إلى عدم وجود توافق حتى الآن في ظل ثبات المطالب الروسية.
وأعلنت كييف أنها منفتحة على أي جهد دبلوماسي لإنهاء الحرب، لكنها تشدد على ضرورة مشاركتها كشريك كامل في صياغة أي اتفاق، وعلى أهمية وجود ضمانات أمنية طويلة الأمد تطمئن المجتمع الأوكراني، كما أكدت نائبة المندوب الدائم لأوكرانيا لدى الأمم المتحدة استعداد كييف للتفاوض على مشروع الخطة الأميركية، مع التمسك بثوابتها الأساسية: عدم الاعتراف بأي تنازل إقليمي، ورفض تقييد القدرات الدفاعية، واحترام السيادة، وحق اختيار التحالفات، وضمان المشاركة الكاملة في أي تفاهمات تخص مستقبل البلاد.
وفي المقابل، شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على ضرورة استكمال أهداف «العملية العسكرية الخاصة» في أوكرانيا، وذلك خلال زيارة لأحد مراكز القيادة واجتماعه مع رئيس الأركان وقادة القوات المسلحة، حيث أشاد بسير العمليات وتنفيذ المهام المحددة.
وتبقى الصورة ضبابية بين ضغوط الميدان، وتزايد المبادرات، وتباين مواقف الأطراف، فيما تتجه الأنظار إلى واشنطن في انتظار ما إذا كانت الخطة الأميركية ستتحول من إطار تسريبي إلى مسار سياسي فعلي قادر على وقف الحرب.