مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

خطة واشنطن للسلام تُربك كييف.. «تخفيض الجيش» ضمن البنود المُثيرة للجدل

نشر
ترامب و زيلينسكي
ترامب و زيلينسكي

في مشهدٍ سياسي يزداد تعقيدًا مع كل يوم يمرّ، وجدت «كييف» نفسها أمام مشروع سلام أمريكي جديد، أقل ما يُقال عنه إنه «زلزال استراتيجي» يضرب ثوابتها العسكرية. فبينما تستمر صفّارات الإنذار في نحت ملامح يوميات الأوكرانيين منذ أكثر من عامين، جاءت «واشنطن» لتطرح خريطة طريق تُربك الحسابات وتفتح الباب أمام جدلٍ صاخب داخل أروقة السُلطة الأوكرانية.

ضغوط تُقلق القيادة الأوكرانية

أخطر تلك البنود وربما أكثرها صدمة اقتراح يقضي بـ«تقليص حجم الجيش الأوكراني»، في خطوة تراها موسكو «انتصارًا غير معلن»، وتعتبرها كييف «تهديدًا مباشرًا لقدرتها على الصمود»، خصوصًا في ظل استمرار القتال على أطراف الشرق والجنوب. وبين الضغوط الدولية ومخاوف الداخل، تتصاعد الأسئلة: هل تُمهّد واشنطن لتسوية تُرضي الجميع؟ أم تدفع كييف نحو تنازلات تُغيّر شكل الحرب ومسارها إلى الأبد؟

تنازلات تُقارب مطالب موسكو

تُفيد معطيات سياسية ودبلوماسية مُتداولة في كييف بأن واشنطن تتحرّك نحو صياغة «مقترح سلام جديد» لإنهاء الحرب الروسية على أوكرانيا، في إطار يُثير قلق المسؤولين الأوكرانيين، وسط مؤشرات على أن الخطة الأمريكية المُرتقبة قد تتضمن «تنازلات تتماشى مع مطالب موسكو».

وتكشف مصادر متعددة لصحيفة «ذي كييف إندبندنت» أن الاتصالات الجارية عبر الوسيط الأمريكي الخاص «ستيف ويتكوف»، وتعاونه المباشر مع المفاوض الروسي «كيريل دميترييف»، تُسهم في بلورة تصوّر جديد أثار مخاوف جدّية داخل المؤسسات الأوكرانية.

خطة ترامب تُقلق أوكرانيا

تُواصل الولايات المتحدة، بقيادة الرئيس «دونالد ترامب»، الضغط لإنهاء الحرب الروسية ضد أوكرانيا، بينما بدأت واشنطن اختبار إطار عمل جديد أثار قلقًا لدى المسؤولين الأوكرانيين.

وقال مصدر في مكتب الرئيس، بحسب صحيفة «كييف إندبندنت»، إن المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف، الذي يجري اتصالات مباشرة مع كبير المفاوضين الاقتصاديين في روسيا كيريل دميترييف، يعمل على «إعداد خطة سلام جديدة».

خطة شاملة بوساطة أمريكية

وافق الرئيس دونالد ترامب هذا الأسبوع على خطة مُكوّنة من (28) نقطة للسلام بين روسيا وأوكرانيا، والتي عمل كبار المسؤولين في الإدارة على تطويرها بهدوء على مدى الأسابيع القليلة الماضية، بالتشاور مع المبعوث الروسي كيريل دميترييف ومسؤولين أوكرانيين، بحسب مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لشبكة «إن بي سي نيوز».

وصرّح المسؤول الكبير، وفق «إن بي سي نيوز»، قائلًا: «تُركّز الخطة على منح الطرفين ضمانات أمنية لضمان سلام دائم، وتشمل ما تُريده أوكرانيا وتحتاجه لتحقيق سلام دائم».

وأكّد مصدر في إدارة ترامب، وفق وكالة «أكسيوس»، أن واشنطن بدأت بالفعل في إطلاع ممثلين من أوكرانيا وأوروبا على المقترح، وتُشير المعلومات إلى أن الولايات المتحدة تتوقع أن تقبل كييف إطارًا لإنهاء الحرب يتضمن التخلي عن أراضٍ مُعيّنة، والتنازل عن بعض أنظمة الأسلحة، وتشمل المقترحات كذلك «تقليص حجم الجيش الأوكراني» إلى جانب تنازلات أخرى.

كييف تتحفظ على الخطة

أعرب مصدر في مكتب الرئيس عن عدم ارتياحه للخطة المُحتملة خلال حديثٍ نقلته «كييف أندبندنت»، مُشيرًا إلى أن «واشنطن تبدو وكأنها تسير نحو إطار مُتوافق مع مطالب موسكو».

وخلال جولات المحادثات السابقة، خفّف «الكرملين» بعض مطالبه المُتشددة وركّز على «التنازلات الإقليمية»، إلا أن بنودًا سبق التخلي عنها عادت إلى الواجهة مُجددًا.

ذكر مصدر مطّلع على المقترح الأمريكي، وفق «كييف إندبندنت»، أن «الكرملين شدّد شروطه القصوى، بعد إدراكه تراجع موقع «أوكرانيا» على الجبهات، إضافة إلى استغلاله تداعيات فضيحة فساد طالت شخصيات مُقرّبة من الرئيس «زيلينسكي».

وتُشير معلومات، وفق «كييف إندبندنت»، إلى أن وفدًا عسكريًا سيُقدّم تقريرًا إلى البيت الأبيض عقب الاطلاع على الوضع الميداني في أوكرانيا، مع توقّع سفره لاحقًا إلى موسكو لإجراء محادثات مع مسؤولين روس، وتُمثّل هذه الخطوة مسارًا موازيًا للمحادثات السياسية.

نشاط دبلوماسي بلا تقدم

أوضح المتحدث باسم الكرملين، «دميتري بيسكوف»، في 19 نوفمبر، أنه لا تُوجد أي تطورات جديدة بشأن المفاوضات، وذلك ردًا على أسئلة حول النشاط الدبلوماسي الأخير، مُؤكّدًا أن الوضع «لم يتغيّر» منذ لقاء بوتين وترامب في ألاسكا.

وفي منشور على منصة «إكس» بعد زيارته لتركيا، قال «زيلينسكي»، إن الرئيس ترامب والولايات المتحدة يمتلكان القدرة على إنهاء الحرب، مُؤكّدًا دعم أوكرانيا لكل مقترح قوي وعادل لإنهاء النزاع خلال الأشهر الماضية.

ورحّب «زيلينسكي»، باستعداد تركيا للمشاركة في الجهود الدبلوماسية، مُشيرًا إلى أن أوكرانيا مُستعدة للعمل في أي صيغة ذات جدوى يُمكن أن تُحقق نتائج. وأكّد أن الطريق لوقف إراقة الدماء وتحقيق سلام دائم يكمن في «استمرار عمل أوكرانيا مع حلفائها، وبقاء الدور الأمريكي فاعلًا وقويًا لتحقيق سلام يضمن الأمن والاستدامة».

كييف تُواجه تحديات حادة

بينما تستمر «واشنطن» في الدفع بمسارٍ تفاوضي ترى أنه «الفرصة الأخيرة» لإخماد نار الحرب، تبقى «كييف» عالقة بين مطرقة الضغوط الدولية وسندان المخاوف الوجودية. فخطة السلام الأمريكية، بما تحمله من بنود مُربكة وفي مُقدمتها «تقليص الجيش»، لا تزال تُثير عاصفة من التساؤلات حول مستقبل الأمن الأوكراني وحدود النفوذ الغربي في إدارة الصراع. ومع غياب توافق داخلي، وتباين علني في المواقف بين «كييف» وحلفائها، تبدو المرحلة المُقبلة اختبارًا عسيرًا لقدرة الدولة الأوكرانية على المُناورة دون أن تفقد توازنها أو أوراق قوتها. وفي كل الأحوال، يبقى واضحًا أن «أوكرانيا» باتت أمام مفترق طرق: فإما مسار سلامٍ تُرسم ملامحه في العواصم الكبرى، أو استمرار حربٍ تُعاد صياغة مُعادلاتها يومًا بعد يوم… بينما يترقّب الجميع أيّ كفة ستُرجِّحها الرياح القادمة.