مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

زيد بن كمي يكتب: «الرياض وواشنطن ويومُهما الاستثنائي»

نشر
زيد بن كمي
زيد بن كمي

كان يوماً استثنائياً في واشنطن، يوماً حملَ منذ اللّحظةِ الأولى إشاراتٍ تتجاوزُ إطارَ الزيارةِ الرَّسمية إلى فضاء أوسعَ من الدّلالات السياسية. لقد كانَ يوماً باهراً بالفعل.

ففي البيتِ الأبيض، شكَّل استقبالُ الرئيس الأميركي دونالد ترمب وليَّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حدثاً لافتاً، ليس في مراسمِه وديباجته فقط، بل في معناه أيضاً. فالاستقبالُ الكبير، والعروضُ العسكرية، والترتيباتُ غيرُ التقليدية التي رافقت دخولَ وليّ العهد إلى مقر الرئاسة، أظهرت بوضوحٍ رغبةَ واشنطن في إبراز مستوى استثنائي من الاحتفاء، والتأكيد أنَّ السعودية شريكٌ استراتيجي فعّال.

ترمب، وهو يرافق الأميرَ محمد بن سلمان في الممرَّات الرئاسيةِ بالبيت الأبيض، بدا حريصاً على إظهارِ طبيعة العلاقة، وتعزيزِ رسائل الثقة، وإظهار أنَّ التعاون بين البلدين يدخل مرحلةً أكثرَ عمقاً واتساعاً. وفي المؤتمر الصحافي المفتوح، اتَّضح هذا المعنى بصورةٍ أكبر؛ إذ ركَّز الرئيسُ الأميركي في حديثه على دورِ السعودية في استقرار الشرق الأوسط، وعلى حضورِها في ملفَّات الطاقةِ والاقتصاد العالمي، وعلى أهميَّة الشَّراكةِ الرَّاسخة التي تجمع البلدين منذ أكثرَ من تسعينَ عاماً. حديثُه المباشر عكَسَ ما تحظى به القيادةُ السعودية من احترام وتقدير وثقل.

وفي المقابل، كانَ حضورُ وليّ العهد حضورَ القائدِ الواثق الذي يعكس موقعَ السّعودية في السّياسة الدّولية اليوم... دولة ترسم تحالفاتِها على أسسٍ واضحة، وتتعامل مع المتغيّرات بثباتٍ واتزان.

اللقاء الذي شاهده العالم، كما ظهرَ في تفاصيله، كانَ محطةً مهمّة لبحثِ ملفات محوريةٍ تمتدّ من الأمن الإقليمي إلى الاقتصاد العالمي، مروراً بالتقنية والطاقة.

وكانَ من أبرز ملامحِ هذا اليوم حزمةُ الاتفاقيات التي جرى الإعلان عنها، والتي لم تُقدَّم كاتفاقات جديدة، بقدر ما عُرضت كمحطةٍ تؤسس لمرحلةٍ مختلفة من الشراكة الاستراتيجية. فالعملُ الدفاعي المنظّم ضمنَ إطار مؤسسي طويلِ المدى، والتعاونُ في الطاقة والتقنية والمعادنِ والذكاء الاصطناعي، يعكسان انتقالَ العلاقة من التَّعاون التقليدي إلى فضاءٍ أوسعَ من التكامل والمشاريع المشتركة التي ستستمر لعقود مقبلة.

هذه الاتفاقيات ليست بنداً في ملفّ دبلوماسي، بل تعبيرٌ واضح عن أنَّ العلاقات السعودية - الأميركية تتحرَّك نحو مستوى أعلى من التَّنسيق والمتانة. إنَّها مرحلة تنطلق من الثقة المتبادلة وتوازنِ المصالح، ومن فهمٍ مشترك بأنَّ إدارة التحدياتِ الدولية تتطلَّب تحالفاتٍ راسخة لا ترتبط بالظروف العَابرة. وما يميّز هذا اليوم الذي نتحدَّث عنه تحديداً أنَّ الملفاتِ التي نُوقشت لم تكن ردَّ فعلٍ على طارئ سياسي، بل كانتِ امتداداً لرؤية سعودية - أميركية تَعتبرُ التعاونَ خياراً ثابتاً والاستقرارَ هدفاً مشتركاً.

ولذلك، جاءت مشاهدُ اليوم كاملةً، من الاستقبال الواسع، إلى النّقاشات العميقة داخل المكتبِ البيضاوي، إلى المؤتمر الصحافي، وصولاً إلى العشاء الذي أعلنَ فيه ترمب أنَّ السعودية «أولُ حليف رئيسي خارج (حلف الناتو)»، لتكشفَ شفافية العلاقة وتؤكد أنَّ الشراكةَ بين الرياض وواشنطن تتَّجه بثباتٍ نحو أفق أكبرَ وأرحب. علاقة أثبتت حضورَها في الأزمات، ونجحت في ملفاتٍ عدة، وهي اليومَ تستعد لمرحلة جديدة أكثر قوة وعمقاً واتساعاً.

لقد كانَ بالفعل يوماً استثنائياً... لأنَّه أعادَ تثبيتَ حقيقة مفادها أنَّ العلاقة السعودية - الأميركية ليست حدثاً عابراً، بل مسار يصنع استقرارَ المنطقة ويؤثر في شكل العالم لترسيخِ أمنه واستقراره وازدهاره.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط