مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

دلالات التوقيت.. دوافع زيارة ماكرون إلى إفريقيا

نشر
الأمصار

تأتي جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الفترة من 20 إلى 24 نوفمبر 2025، التي تشمل أربع دول إفريقية هي موريشيوس وجنوب إفريقيا والجابون وأنجولا، في إطار سعي باريس لإعادة ترميم نفوذها المتراجع داخل القارة السمراء. 

 

ويأتي هذا التحرك في ظل التنافس الدولي المتصاعد على موارد إفريقيا الطبيعية والبشرية، وفي وقت تتقدم فيه الصين وروسيا بشكل ملحوظ على حساب الدور الفرنسي التقليدي. وتمثّل هذه الجولة محاولة فرنسية لتقديم رؤية مختلفة للشراكة مع الدول الإفريقية، بما يدعم قدراتها على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ويوفر لها بدائل للتكالب الدولي على ثرواتها.

 

دوافع التحرك الفرنسي في القارة الإفريقية


تتنوع أسباب جولة ماكرون بين دوافع اقتصادية وسياسية واستراتيجية. إذ تمتلك إفريقيا مقومات هائلة جعلتها توصف بأنها مستقبل العالم، سواء من حيث وفرة الأراضي الصالحة للزراعة أو امتلاكها ثروات معدنية ونفطية ضخمة، فضلا عن القوة البشرية المتمثلة في نسبة عالية من الشباب. وقد دفعت هذه المعطيات القوى الكبرى إلى التنافس الشديد على بناء شراكات اقتصادية طويلة الأمد داخل القارة. وفي هذا الإطار جاءت جولات ماكرون المتكررة إلى إفريقيا خلال السنوات الأخيرة، لمحاولة إعادة تأكيد الحضور الفرنسي الذي تراجع خلال العقد الأخير، خاصة في دول غرب ووسط إفريقيا التي شهدت انقلابات واسعة بين عامي 2020 و2023، أدت إلى صعود قيادات ذات توجهات مناوئة لفرنسا.

كما تواجه فرنسا منافسة قوية من النفوذين الروسي والصيني. فالصين تبني علاقاتها في إفريقيا على أساس دعم البنية التحتية والتعاون الاقتصادي، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بينها وبين دول القارة 282 مليار دولار عام 2021، ما جعلها الشريك الأول لإفريقيا. أما روسيا فتسعى لتعزيز وجودها لأسباب سياسية واقتصادية، من خلال التعاون الأمني أو التجاري، ووصل حجم تبادلها التجاري مع إفريقيا إلى نحو 18 مليار دولار عام 2022. هذه التحولات مجتمعة دفعت فرنسا لإعادة النظر في أسلوب تعاملها التقليدي، الذي كان يُنظر إليه باعتباره امتدادا للإرث الاستعماري وليس شراكة حقيقية.

 

محطات الجولة الإفريقية لماكرون


تبدأ جولة الرئيس الفرنسي بزيارة موريشيوس يومي 20 و21 نوفمبر 2025، وهي الزيارة الثانية لها خلال العام ذاته، ما يعكس اهتمامًا خاصًا بهذه الدولة الجزرية الواقعة في المحيط الهندي. وتأتي زيارة ماكرون لموريشيوس في إطار تعزيز الحضور الفرنسي في جنوب غرب المحيط الهندي، ومواجهة النفوذ الصيني والروسي المتصاعد في هذه المنطقة. كما ترتبط الزيارة باستراتيجية فرنسا تجاه المحيطين الهندي والهادي، بهدف التأكيد على دورها كقوة إقليمية لديها مصالح واسعة في هذه المنطقة الحيوية.

المحطة الثانية لماكرون ستكون جنوب إفريقيا، حيث يشارك في قمة العشرين التي تستضيفها جوهانسبرج في الفترة من 22 إلى 23 نوفمبر 2025. وتحمل القمة شعار المساواة والاستدامة والتكافل، ويتصدر أجندتها ملفات المساواة الاقتصادية وديون الدول النامية. وتُعد مشاركة الاتحاد الإفريقي كعضو كامل في مجموعة العشرين حدثًا مهمًا يضيف بعدًا جديدًا للحوار الدولي، ويمنح إفريقيا مجالًا أوسع للمطالبة بإصلاحات اقتصادية عادلة.

أما المحطة الثالثة فهي الجابون، التي تُعد شريكا استراتيجيا لفرنسا رغم التوترات التي أعقبت الإطاحة بنظام الحكم في أغسطس 2023. وقد استقبل ماكرون الرئيس الانتقالي أوليجي نجويما في باريس عام 2024، حيث جرى توقيع مذكرات تفاهم متعددة تخص تطوير البنية التحتية. وتأتي زيارة ماكرون إلى ليبرفيل هذا العام لتقديم دعم سياسي واقتصادي للرئيس المنتخب حديثًا، وطمأنة المستثمرين الفرنسيين، إضافة إلى محاولة تحسين صورة فرنسا في دولة غنية بالنفط والمعادن.

وتأتي أنجولا في ختام الجولة باعتبارها إحدى الدول المهمة التي تتنافس فيها القوى الدولية. وتولي فرنسا اهتمامًا خاصًا بأنجولا نظرًا لدور شركة توتال الفرنسية في مشروعات الطاقة، فضلًا عن الموقع الجغرافي المهم لأنجولا في الجنوب الإفريقي. وقد شهدت السنوات الأخيرة تحولا في سياسة أنجولا الخارجية عقب تقليل اعتمادها على التمويلات الصينية وبيعها حصة روسيا في قطاع الماس، ما يفتح الباب أمام باريس لتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي هناك.

 

خلاصة المشهد وأبعاد التحرك الفرنسي
 

تُظهر جولة ماكرون أن فرنسا تعيد توجيه سياستها الإفريقية في ظل بيئة دولية معقدة ومتشابكة، تسعى فيها القوى الكبرى، من الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى تعزيز وجودها في القارة. وفي ظل هذا التراجع الملحوظ للدور الفرنسي، أصبح لزامًا على باريس الاعتماد على أدوات القوة الناعمة والدبلوماسية وبناء الشراكات الاقتصادية والثقافية، لإثبات وجودها في سوق جيوسياسي مفتوح على احتمالات عديدة. وستظل قدرة فرنسا على استعادة مكانتها رهنا بمدى استعدادها لتبني نموذج شراكة جديد يقوم على احترام السيادة ودعم التنمية الحقيقية، بعيدًا عن ممارسات النفوذ التقليدي التي بدأت تتلاشى مع صعود أجيال إفريقية جديدة ترفض الهيمنة القديمة.