معسكر الدبة في السودان يثير جدلاً حول نزوح المدنيين
أثار معسكر الدبة شمال السودان جدلاً واسعاً، بعد أقل من أسبوع على سيطرة قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، وسط تساؤلات عن مصداقية أعداد النازحين الذين تقول السلطات إنهم وصلوا إلى المعسكر، وقدرتهم على قطع المسافة الطويلة بين الفاشر والدبة في زمن قصير، وسط ظروف أمنية ولوجستية صعبة.
وأعلنت السلطات المحلية في الدبة أن المعسكر يستقبل نازحين فروا من الفاشر ويقدم لهم المعينات الإنسانية الأساسية، غير أن مراقبين أثاروا علامات استفهام حول البعد الجغرافي والإثني للنازحين. إذ تفصل نحو 1,350 كيلومتر بين الفاشر والدبة، فيما سبق أن تعرضت العديد من المجموعات القادمة من دارفور لمضايقات في المناطق الشمالية بموجب ما يعرف بـ"قانون الوجوه الغريبة".
وأشار مراقبون إلى أن المعسكر أقيم بسرعة قياسية وجرى دعمه لوجستياً بشكل مكثف، إلى جانب زيارات إعلامية ورسمية متكررة، ما يثير تساؤلات حول الأهداف السياسية والإعلامية وراء إنشاء المعسكر بهذا الشكل.
وفي مناطق شمال دنقلا، أفاد سكان محليون بأنهم شهدوا رحيل مفاجئ لأسر من دارفور كانت تقيم موسمياً في المنطقة، حيث تم نقلها إلى المعسكر قرب الدبة في أواخر أكتوبر الماضي، باستخدام عربات نقل. وفي المقابل، أفادت لجنة الطوارئ بمحلية الدبة أن عدد الأسر الواصلة إلى المعسكر بلغ نحو 1,050 أسرة، بينما استضافت الولاية الشمالية منذ اندلاع القتال نحو 32 ألف أسرة من مختلف الولايات.
وأعرب المستشار القانوني إسماعيل مضوي، الذي عمل سابقاً مع بعثات أممية، عن دهشته من قدرة آلاف النازحين، بينهم نساء وكبار سن، على قطع هذه المسافة في أيام قليلة، مشيراً إلى أن هذا الأمر يضع المعسكر في خانة الشك ويثير تساؤلات حول طبيعة استخدامه.
من جانبها، رأت الباحثة الاجتماعية أسماء جمعة أن استخدام المدنيين في المعسكرات أصبح أداة سياسية توظفها الجهات المتحكمة في النزاع لتحقيق حضور إعلامي ورواية سياسية، وليس مجرد استجابة إنسانية. وأضافت: "بعد النظر في المسافة والمسار الأمني واللوجستي، يصعب تصديق وصول هذه الأسر إلى المعسكر بهذه السرعة".

كما أكد الصحفي محمد المختار محمد أن السلطة القائمة في بورتسودان تسعى من وراء الاهتمام بالمعسكر إلى التحكم في سرديات الحرب، خاصة بعد سقوط الفاشر، مستغلة المعاناة الإنسانية لتوجيه رسالة سياسية وتحقيق نفوذ إعلامي ورواية بديلة. وقال: "في النزاعات الحالية، ليس الأرض وحدها معيار القوة، بل من يسيطر على صوت الضحية، ومن يتحكم في السرديات".
وتعكس هذه التطورات التحديات الكبيرة التي تواجه المدنيين في شمال السودان، كما تبرز دور المعسكرات الإنسانية ليس فقط في تقديم المساعدات، بل أحياناً كأداة سياسية وإعلامية في النزاعات الداخلية، ما يزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية ويضع الباحثين والمراقبين أمام تساؤلات حول الشفافية والمصداقية.