مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بوتين و«جدار المرايا»: كيف يخفي الكرملين مواقع الرئيس الروسي؟

نشر
الأمصار

أظهر تحقيق جديد أجرته وحدة "سيستيما" التابعة لراديو أوروبا الحرة، تفاصيل دقيقة حول استراتيجية الكرملين لإخفاء الموقع الفعلي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والتي تهدف إلى حماية تحركاته وتقليل مخاطر أي هجمات محتملة، سواء كانت صاروخية أو باستخدام الطائرات المسيّرة.

وبحسب التحقيق، يعتمد الكرملين على إنشاء مكاتب شبه متطابقة في مواقع مختلفة داخل روسيا، تسمح بعرض صور رسمية للرئيس في أماكن متعددة دون أن يعرف الجمهور أو وسائل الإعلام موقعه الحقيقي. وقد أطلق المحققون على هذه الطريقة تشبيهًا بـ«جدار المرايا»، يعيد إنتاج المشهد نفسه بلا حدود، ما يربك أي محاولة لتحديد مكان بوتين بدقة.

تشمل هذه المكاتب مواقع معروفة مثل: "نوفو-أوغاريوفو" في ضواحي موسكو، و"بوجاروف روشي" في سوتشي على ساحل البحر الأسود، و"فالدي" الواقعة بين موسكو وسانت بطرسبرغ، وفق ما أوردته صحيفة "التليغراف" البريطانية.

التفاصيل الدقيقة تكشف الحيلة

حلل المحققون أكثر من 700 مقطع فيديو وفحصوا سجلات سفر مسرّبة لمرافقي الرئيس الروسي، بما في ذلك صحفيي التلفزيون الرسمي وطاقم الحماية، بهدف تحديد المواقع التي كان بوتين «يختبئ فيها على مرأى من الجميع». 

وأظهرت التحليلات أن الاختلافات الطفيفة في الديكور الداخلي كانت كافية لكشف الموقع الفعلي للرئيس.

فعلى سبيل المثال، في بث دعائي للكرملين عام 2020، ظهر صحفي وهو يدخل من باب ثم يظهر في قاعة مؤتمر صحفي، إلا أن المحققين لاحظوا فرقًا طفيفًا في ارتفاع مقبض الباب بين اللقطتين، ما كشف أن المشاهد تم تصويرها في موقعين مختلفين.

كما تضمنت الأدلة التفصيلية:

ارتفاع خط التقاء الجدار خلف مكتب بوتين.

تغييرات طفيفة في الأثاث والتجهيزات.

شكل حامل التلفاز ولون الطاولة.

عدد فتحات التهوية في السقف.

موقع منظم الحرارة (الثيرموستات).

وخلص التحقيق إلى أن الرئيس الروسي بات يفضّل الإقامة في مجمعه المحصّن بشدة في فالدي منذ اندلاع الحرب واسعة النطاق في أوكرانيا. ويُعتقد أن هذا المجمع يضم أيضًا مكان إقامة شريكته ألينا كاباييفا وطفليهما، ويقع على شبه جزيرة يصعب استهدافها بالصواريخ أو الطائرات المسيّرة.

سجلات السفر تؤكد المواقع الحقيقية

على الرغم من شائعات سابقة عن وجود غرف متطابقة، لم يكن من السهل التمييز بينها. لكن مراجعة سجلات سفر الصحفيين الرسميين وطاقم الحماية، والذين يُلزمهم الكرملين بسرية مواقع التصوير، دعمت النتائج الجديدة. وصرح الباحث الروسي كونستانتين غازي بأن الهدف واضح: "الأمر يتعلق بالأمن بوضوح.

 لا يمكنهم وضع منظومات بانتسير على أبراج الكرملين… لذلك فالموقع الأساسي الآن هو فالدي".

كما كشفت وحدة "سيستيما" أن مساعدي الكرملين زوّروا تواريخ تصوير مقاطع الفيديو للرئيس، مستخدمين لقطات مصورة مسبقًا قبل أيام أو أسابيع لإخفاء موقع بوتين ونشاطاته. وأشار التحقيق إلى أن معظم الاجتماعات المعلنة في نوفو-أوغاريوفو هذا العام، كانت تعقد فعليًا في فالدي، بسبب تزايد المخاوف الأمنية للرئيس.

تعزيز الحماية العسكرية

تُظهر صور الأقمار الصناعية أن مجمع فالدي شهد نشر 12 منظومة دفاع جوي من نوع "بانتسير إس1" حول بحيرة فالدي في صيف 2024، مقارنة بـ60 منظومة تغطي كامل منطقة موسكو التي تضم أكثر من 20 مليون نسمة. 

وقد جاء ذلك بعد تصاعد هجمات الطائرات المسيّرة الأوكرانية، في ظل استمرار العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا.

أمثلة على الاجتماعات المزيفة

أوضح التحقيق أن العديد من الاجتماعات الرسمية المعلنة في نوفو-أوغاريوفو، كانت تُعقد فعليًا في سوتشي أو فالدي. فعلى سبيل المثال، في بث رسمي بتاريخ 11 أكتوبر/تشرين الأول 2020، بدا أن بوتين يغادر مكتبه بعد مقابلة صحفية في نوفو-أوغاريوفو، لكن تفاصيل مقابض الأبواب ومواقعها كشفت أن المشهد كان في بوجاروف روشي بسوتشي، على بعد أكثر من 1500 كيلومتر جنوب موسكو.

كما شمل التحقيق اجتماعات مهمة أخرى، مثل اللقاء الحكومي بعد حريق مركز تجاري في كيميروفو عام 2018، ومحادثات الرئيس الروسي مع الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن في ديسمبر/كانون الأول 2021، والتي أُجريت في فالدي رغم إعلان الكرملين أنها كانت في نوفو-أوغاريوفو.

وخلال الفترة من فبراير/شباط إلى أبريل/نيسان 2022، أي خلال المراحل الأولى من العملية الروسية في أوكرانيا، عُقدت 12 اجتماعًا على الأقل في مكتب فالدي، الذي احتضن معظم اللقاءات الرسمية حتى نهاية سبتمبر/أيلول 2025.

ويشير التقرير إلى أن الكرملين لا يكتفي بتقليد المكاتب، بل يعتمد أيضًا على تعديل الأثاث والإضاءة وزوايا الكاميرا والديكورات الصغيرة، بما يضمن عدم كشف الموقع الحقيقي للرئيس أمام أي تحليل دقيق أو مراقبة صحفية.

 

يبدو أن «جدار المرايا» الروسي أصبح أداة أمنية رئيسية للحفاظ على سلامة الرئيس بوتين، مع التركيز على مواقع بعيدة عن الكثافة السكانية، ومحمية بوسائل دفاعية متقدمة. وتوضح هذه الاستراتيجية مدى حرص الكرملين على إخفاء تحركات الرئيس، خاصة في ظل توتر الوضع الأمني والعسكري في روسيا وأوكرانيا.