مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الأرجنتين تفتح صندوق الأسرار: وثائق سرية تكشف تاريخ هروب أعوان هتلر لأمريكا الجنوبية

نشر
الأمصار

في خطوة وُصفت بأنها الأكبر في تاريخ الأرشفة الحكومية بالأرجنتين، رفعت حكومة الرئيس خافيير ميلي السرية عن أكثر من 1850 وثيقة تتعلق بملف النازيين الذين فرّوا إلى أمريكا الجنوبية عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.

 هذه الوثائق، التي ظلت حبيسة الأدراج لعقود، تكشف تفاصيل غير مسبوقة حول كيفية وصول كبار قادة النظام النازي إلى الأرجنتين، وكيف تعاملت الحكومات المتعاقبة مع وجودهم، وصولاً إلى ما أخفته المؤسسات الرسمية من أسرار طوال أكثر من نصف قرن.


الملفات الجديدة، التي تزامن نشرها مع ضغوط من لجنة القضاء بمجلس الشيوخ الأمريكي، تفتح باباً واسعاً لإعادة قراءة تاريخ ما بعد الحرب، وتسلط الضوء على دور الأرجنتين في حماية بعضٍ من "أسوأ مجرمي الحرب" كما تصفهم الوثائق.

 

الوثائق المفرج عنها: محتوى ضخم وتاريخ مخفي

شملت الوثائق المعلنة آلاف الصفحات التي تغطي تحقيقات أجرتها السلطات الأرجنتينية بين خمسينيات وثمانينيات القرن الماضي حول شبكات الفارين من أوروبا، ومسارات هروبهم، والدعم الذي حصلوا عليه داخل البلاد.


وتم تحويل الملفات إلى نسخ رقمية وأُتيحت للجمهور عبر موقع الأرشيف الوطني، ليصبح هذا الكشف الأكبر من نوعه منذ رفع السرية عن المراسيم الحكومية التي تعود إلى الفترة من 1957 حتى 2005.

 

أبرز الأسماء النازية: من أيخمان إلى منغليه

أدولف أيخمان.. الضيف المحمي

الملفات تكشف بشكل صادم أن حكومة خوان بيرون لم تكن فقط على علم بوجود أدولف أيخمان، مهندس "الحل النهائي" ومحرّك آلة الإبادة النازية، بل حاولت أيضاً حمايته خلال سنوات وجوده في ضواحي بوينس آيرس قبل أن يخطفه الموساد في العملية الشهيرة عام 1960.

جوزيف منغليه.. “ملاك الموت”

كما تتضمن الوثائق تفاصيل جديدة حول حياة الطبيب جوزيف منغليه، الذي أجرى تجارب وحشية على سجناء معسكر أوشفيتز. وتوضح سجلات الأمن أنه عاش في الأرجنتين سنوات قبل أن يهرب إلى البرازيل حيث توفي عام 1979.

مجرمون آخرون

الملفات لم تقتصر على أيخمان ومنغليه؛ بل امتدت إلى:

  • مارتن بورمان، نائب هتلر ويده اليمنى.
  • أنتي بافليتش، القاتل الكرواتي الشهير.
  • رودولف هوس، قائد معسكر أوشفيتز.
  • كلاوس باربي، "جزار ليون".

هذه الأسماء تكشف مدى عمق تورط شبكات داخل الأرجنتين في استقبال الفارين وتسهيل اختفائهم.

 

لماذا أخفت الأرجنتين هذه الملفات؟ أسئلة صعبة وإجابات مؤلمة

هارلي ليبمان، عضو لجنة التراث الأمريكي في الخارج، شدد على أهمية نشر الوثائق التي تثير تساؤلات خطيرة، أبرزها:
كيف قبلت دولة بعيدة عن موجات العداء الأوروبي لليهود أن تصبح ملاذاً لمجرمي حرب نازيين؟
كما تُثير الوثائق أسئلة حول ما إذا كانت غواصات نازية وصلت بالفعل إلى السواحل الأرجنتينية محملة بالذهب، وهي رواية ظلت متداولة منذ عقود دون أدلة مؤكدة.

اكتشاف جديد: 83 صندوقًا نازيًا في قبو المحكمة العليا

في اكتشاف مثير آخر، عُثر في مايو الماضي على 83 صندوقًا مكدسًا في قبو المحكمة العليا، احتوت على وثائق نازية اعترضتها الجمارك الأرجنتينية عام 1941، وكانت مرسلة من سفارة الرايخ الثالث في طوكيو إلى بوينس آيرس.
هذه الصناديق ظلت منسية لما يقرب من 84 عامًا، قبل أن يُعاد فتحها أثناء أعمال ترميم المبنى.

الوثائق التي احتوتها الصناديق أثبتت أنها كانت مخصصة لنشر أيديولوجية الرايخ الثالث في الأمريكيتين وربما لاستمالة دول محايدة لدعم ألمانيا النازية خلال الحرب.

 

خطوة رقمية نحو كشف الحقيقة

أكد مكتب الرئيس الأرجنتيني أن الصناديق ستخضع لعملية رقمنة كاملة، وبعد الانتهاء منها سيتم رفع السرية عنها وإتاحتها أمام الباحثين والجمهور، ما قد يفتح الباب لإعادة كتابة فصل مهم من تاريخ أمريكا الجنوبية.

خاتمة: بداية مرحلة جديدة من مواجهة الماضي

الكشف عن الوثائق لا يمثل مجرد حدث أرشيفي، بل خطوة جريئة في مواجهة مرحلة مظلمة ظلّت مخفية لعشرات السنين.
فبين هروب كبار مجرمي الحرب إلى أمريكا الجنوبية، وتواطؤ بعض الحكومات السابقة، وتراخي الأجهزة الرقابية، يبقى السؤال الأكبر:
هل تكشف الوثائق القادمة المزيد عن الشبكات التي ساعدت النازيين في الهروب؟
الأرجنتين بدأت الآن فقط رحلة كشف الحقيقة… وربما يكون ما لم يُعلن بعد أكثر إثارة وخطورة مما ظهر حتى الآن.