الإغلاق الحكومي يُربك سماء أمريكا.. إلغاء مئات الرحلات وتخفيض السعة التشغيلية بالمطارات
تشهد صناعة الطيران الأمريكية، خلال هذه الأيام، واحدة من أكثر فترات الاضطراب التي ضربت شبكتها منذ سنوات، وسط حالة من التوتر تتصاعد بفعل الإغلاق الحكومي الذي دخل في مرحلة لاحقة.

ومع دخول الإغلاق الفيدرالي، الذي بدأ في بداية أكتوبر 2025، أسبوعه السادس والثلاثين . تتوجه الأنظار إلى أكبر مطارات الولايات المتحدة، حيث تتبدّد المفاهيم التقليدية عن انتظام السفر والرحلات الجوية.
الموظفون الأساسيون، ومن بينهم آلاف مراقبي الحركة الجوية، يواصلون أداء عملهم من دون راتب، وزاد عدد الغيابات والمقاطع أو الإجازات الطارئة بينهم، ما دفع Federal Aviation Administration (FAA) ووزارة النقل الأميركية إلى إعلان سلسلة من الإجراءات الاستثنائية لتفادي انهيار أكبر في منظومة التحكم الجوي.
في هذا السياق، أعلنت ثلاث من كبريات شركات الطيران الأميركية – United Airlines، American Airlines، وDelta Air Lines – عن إلغاء مئات الرحلات ضمن شبكاتها، في تحرك احترازي للاستجابة للقرار المرتقب بتقليص القدرة التشغيلية في عشرات المطارات الكبرى.
وشكّلت هذه الخطوة، التي تأتي قبيل موسم السفر المرتقب لعيد الشكر، مؤشّراً على أن عواقب الإغلاق الحكومي بدأت تتجلّى بوضوح في قطاع يعتمد على جدولة دقيقة ومعدات تقنية وبشرية متقدمة.

ولعلّ الأبرز هو إعلان الهيئة الأميركية للطيران المدني أنها ستقوم بخفض عدد الرحلات في مطارات رئيسة مثل نيويورك، واشنطن، لوس أنجلوس، دالاس/فورث وورث، وميامي على مراحل: بدءًا من خفض 4 ٪ اعتباراً من يوم الجمعة، ثم التصاعد إلى 10 ٪ بحلول منتصف الأسبوع المقبل. وأوضحت أن الإجراء يستثني الرحلات الدولية في المرحلة الأولى، ما يعكس محاولة لتخفيف الصدمة على حركة السفر بين الحدود مع إبقاء السيطرة التشغيلية.
في حين تؤكد شركات الطيران أن الأثر الفعلي سيكون محدوداً قبل موسم ذروة السفر، فإن المحلّلين يُشيرون إلى أن استمرار الإغلاق حتى وبعد عيد الشكر قد يُدخل القطاع في أزمة تتعدى التأخيرات لتشمل إلغاء حادّاً للرحلات، وتراجعاً في ثقة المسافرين، وربما خسائر مالية كبيرة.
إن كانت الرسالة التي يبعثها هذا المشهد واضحة فهي أن سلامة التشغيل الجوي التي يُنظر إليها عادة كأمر مفروغ منه أصبحت اليوم محلّ اختبار مباشر.
وفي هذا التقرير نعرض أبرز ما جاء به الإعلان الأخير من شركات الطيران وخلايا الأزمة لدى FAA، مع تحليل لتداعياتها على مشهد السفر في الولايات المتحدة وخارجه، وأين تقف جهة القرار من المخاطر المحتملة وكيف تستعد شركات الطيران لمواجهة ما قد يكون إحدى أكبر أزمات النقل الجوي الأميركية منذ عقود.

تفاصيل الإعلان وإجراءات شركات الطيران
أعلن اتحاد خطوط الطيران الأميركية عن قيام United Airlines بإلغاء نحو 4 ٪ من رحلاتها المقرّرة يومي الجمعة والسبت/الأحد، بما يعادل تقريباً 200 رحلة يوم الجمعة.
في المقابل، قرّرت American Airlines إلغاء 220 رحلة مقرّرة خلال الفترة من الجمعة حتى الاثنين، ممثلة كذلك نسبة 4 ٪ من جدولها.
وبدورها قالت Delta Air Lines إنها ستلغي بنحو 170 رحلة مقرّرة يوم الجمعة. إضافةً إلى ذلك، أعلنت Alaska Airlines، التي تحتل المرتبة الخامسة بين خطوط الطيران الأميركية، أنها بدأت عمليات إلغاء لعدد محدود من الرحلات يوم الجمعة.
هذه الإلغاءات جاءت في توقيت تتخذ فيه الهيئة الأميركية للطيران المدني قرار تقليص الطاقة الاستيعابية في المطارات الرئيسية، في خطوة وصفها البعض بأنها أول ارتباكات على نطاق واسع تشهدها صناعة الطيران الأمريكية نتيجة الإغلاق الحكومي.

إجراءات الهيئة الأميركية للطيران المدني وتداعياتها
أعلنت FAA أن أجزاء من شبكة المطارات التي تخدم مدناً كبرى – تشمل نيويورك، لوس أنجلوس، واشنطن، دالاس/فورث وورث، وميامي – سوف تخضع لقيود على قدرتها التشغيلية، باعتبارها خطوة ضرورية لتخفيف عبء العمل على المراقبين الجويين الذين يعملون دون أجر في ظل الإغلاق الحكومي.
وكانت هذه القيود ستبدأ بإنقاص عدد الرحلات بنسبة 4 ٪ اعتبارًا من الجمعة، ثم التصاعد تدريجياً إلى نحو 10 ٪ بحلول الأسبوع المذكور.
مع ذلك، أوضحت FAA أن الرحلات الدولية ستكون مستثناة في البداية، وأن التخفيض سيتركز على المسارات الإقليمية الداخلية.
وقدّر محلّلون أن التخفيض في القدرة التشغيلية قد يؤدي إلى إلغاء ما يصل إلى 1,800 رحلة يومياً وتأثير على أكثر من 268 ألف مقعد جوي، في حال لم تُحل مشكلة الإغلاق بسرعة.
تداعيات متوقعة وموسم السفر المقبل
بحسب تصريحات وزير النقل الأميركي Sean Duffy، فإن صناعة المراقبة الجوية كانت تعاني أساساً من نقص في العمالة يقدر بنحو 2,000 ملاحظة قبل الإغلاق. ومع ذلك، فإن الإغلاق أدى إلى تفاقم الأزمة، وتوجه بعض مراقبي الحركة الجوية نحو وظائف جانبية لتأمين دخل مادي لأسرتهم، ما زاد الضغوط على الموارد البشرية المتاحة في أبراج المراقبة.
ويبدو أن التوقيت لا يمكن أن يكون أكثر إحراجاً للقطاع: إذ يتزامن مع قرب موسم عيد الشكر في الولايات المتحدة، والذي عادة يشهد ذروة في حركة السفر الداخلي والدولي. وفي مقابل ذلك، تقول المحلّلة في مؤسسة رايموند جيمس، Savanthi Syth، إن شركات الطيران لا تزال في ما تسمّيه "فترة الموسم الأدنى"، ما يمنحها هامشاً أكبر لاستيعاب الركاب المتضررين، إلا بأنها تحذّر من أن استمرار الإغلاق لفترة أطول قد يُحوّل المخاطر إلى خسائر مباشرة.
كما أشار محلّل خطوط الطيران في مصرف باركليز، Andrew Lubinberg، إلى أن التخفيض في الحركة الأميركية قد ينتج عنه "تأثيرات غير مباشرة" على شركات الطيران الأوروبية، بالنظر إلى أن الربط مع الولايات المتحدة يشكّل جزءاً كبيراً من شبكتها ويعتمد على تدفّق الرحلات الأميركية.
في ضوء ما سبق، تبدو صناعة الطيران الأميركية في مرحلة توتر قصوى، تضع أمامها تحديات فنية، تنظيمية، وبشرية لم تشهدها منذ سنوات طويلة.
إلغاء مئات الرحلات، وتقليص قدرات مطارات كبرى بنسب قد تصل إلى 10 ٪، كلها مؤشرات إلى أن الهدوء التشغيلي المعتاد قد يكون في مهب الريح طالما استمر الإغلاق الحكومي.
ومع اقتراب موسم السفر المكثّف، يبدو أن الجهات المعنية – من شركات طيران وهيئات تنظيمية – ستكون تحت ضغط مزدوج: الحفاظ على سلامة العمليات، وإبقاء الخدمة ضمن الحدّ الأدنى المقبول لثقة المسافرين والاقتصاد.
فهل سيُقدّم الكونغرس الحل قبل أن يتحوّل ما هو اليوم تحفظ تشغيلي إلى أزمة تأخيرات وإلغاء تُمثّل اختباراً لطيران الولايات المتحدة والعالم؟