جودة المرشحين أم جيوب الناخبين؟.. خسارة الجمهوريين تفتح معركة داخل الحزب الأمريكي
تشهد الساحة السياسية الأمريكية هذه الأيام جدلاً واسعًا داخل الحزب الجمهوري، بعد الخسائر التي مُني بها في الانتخابات المحلية الأخيرة، والتي جاءت بمثابة ناقوس خطر قبل الاستحقاقات الكبرى المقبلة.
وتدور النقاشات داخل أروقة الحزب وبين أنصاره حول سؤال محوري: هل سبب الهزيمة الأخيرة ضعف جودة المرشحين، أم تجاهل القضايا المعيشية التي تؤرق الأمريكيين، وعلى رأسها تكلفة المعيشة وغلاء الأسعار؟
هزائم متتالية.. والديمقراطيون يسيطرون
الانتخابات المحلية التي جرت الثلاثاء الماضي مثّلت أول اختبار انتخابي منذ عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لكنها حملت نتائج غير متوقعة للجمهوريين، إذ اكتسح الديمقراطيون المشهد في أكثر من سباق انتخابي.

ففي مدينة نيويورك، حقق المرشح الديمقراطي زهران ممداني فوزًا تاريخيًا برئاسة البلدية، ليصبح أول مسلم يتولى هذا المنصب في أكبر مدينة أمريكية. ومن المقرر أن يتسلم مهامه رسميًا في الأول من يناير/كانون الثاني المقبل، ما عُدّ انتصارًا رمزيًا كبيرًا للديمقراطيين.
أما في ولاية نيوجيرسي، فقد حسمت الديمقراطية ميكي شيريل سباق حاكم الولاية لصالحها بعد منافسة قوية مع رجل الأعمال الجمهوري جاك سياتاريلي، بينما شهدت فرجينيا انتخاب أول حاكمة في تاريخها، وهي الديمقراطية أبيغيل سبانبرغر، التي تفوقت على منافستها الجمهورية وينسوم إيرل سيرز.
وفي كاليفورنيا، صوّت الناخبون لصالح إعادة رسم الدوائر الانتخابية بطريقة تصب في مصلحة الحزب الديمقراطي، في خطوة اعتُبرت ردًا على مبادرة مشابهة كان قد طرحها ترامب سابقًا في تكساس لتعزيز نفوذ الجمهوريين.
انقسام داخل الحزب الجمهوري
تلك النتائج دفعت قيادات الحزب الجمهوري إلى مراجعة حساباتهم. ووفقًا لما نقلته صحيفة "بوليتيكو" الأمريكية، فإن هناك استنتاجين رئيسيين داخل الحزب بشأن أسباب الأداء الضعيف في انتخابات الثلاثاء.
الاستنتاج الأول يرى أن اختيار المرشحين غير المناسبين كان سببًا مباشرًا في الخسارة، بينما يرى الاتجاه الثاني –وهو الأكثر تأثيرًا– أن الرئيس ترامب نفسه لم يمنح الاهتمام الكافي للقضايا الاقتصادية والمعيشية التي تمس المواطن الأمريكي بشكل مباشر.
ونقلت الصحيفة عن أحد المقربين من البيت الأبيض قوله:“الناس لا يشعرون بأن ترامب أوفى بوعوده. لقد انتُخب لأنه وعد بخفض التكاليف وإعادة الأموال إلى جيوب الأمريكيين، لكن هذا لم يتحقق حتى الآن.”

وأشار المصدر إلى تشابه الوضع الحالي مع فترة الرئيس السابق جو بايدن، حين كان يصر على أن الاقتصاد الأمريكي في حالة ازدهار، رغم أن المواطنين كانوا يعانون من ارتفاع الأسعار وصعوبة تغطية نفقاتهم اليومية.
الاقتصاد أولاً.. وترامب في قفص الاتهام
العديد من المراقبين السياسيين يرون أن الرئيس ترامب انشغل خلال الأشهر الأخيرة بملفات أخرى لا تهم المواطن الأمريكي العادي، مثل الحديث عن “نظافة شوارع واشنطن” أو “الرسوم الجمركية أمام المحكمة العليا”، بدلًا من التركيز على الأزمة الاقتصادية المتصاعدة.
وصرّح أحد المصادر المقربة من الإدارة الأمريكية“لم يتحدث الرئيس عن تكلفة المعيشة منذ شهور، في وقتٍ لا يزال فيه المواطنون يعانون من الضغوط المالية، ويريدون رؤية تحرك فعلي من البيت الأبيض.”
لكن ترامب لم يصمت طويلاً، إذ سارع إلى الرد عبر منصته "تروث سوشال"، معتبرًا أن الهزائم الأخيرة تعود إلى “الإغلاق الحكومي” و“غياب اسمه عن بطاقات الاقتراع”، مؤكدًا أن وجوده الشخصي في المنافسة كان كفيلًا بتغيير النتائج.
محاولات لتبرير الخسارة
وفي المقابل، سارع الجمهوريون للدفاع عن موقفهم، مشيرين إلى أن ولايتي فرجينيا ونيوجيرسي تعتبران تاريخيًا معاقل ديمقراطية يصعب الفوز فيها.
لكن مراقبين سياسيين أشاروا إلى أن المرشحين الجمهوريين هناك فشلوا في التركيز على قضايا غلاء المعيشة والضرائب، وهو ما جعل الناخبين يميلون نحو الديمقراطيين الذين ركزوا على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بشكل أوضح.
وقال جيمس بلير، المدير السياسي السابق لحملة ترامب الانتخابية لعام 2024، والذي يشغل حاليًا منصب نائب رئيس موظفي البيت الأبيض:“سترون الرئيس يتحدث أكثر عن تكلفة المعيشة في الفترة المقبلة. نحن ندرك أن التحول الاقتصادي يتطلب وقتًا، لكن الأساسيات موجودة، وسيركز ترامب على الأسعار خلال العام الجديد.”
دعم داخلي وتحذيرات من الانحراف
من جهته، اتفق ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب السابق، مع رؤية بلير، مؤكدًا أن على الحزب الجمهوري “مضاعفة الجهود” وتنفيذ أجندة اقتصادية واضحة تركز على تحسين مستوى المعيشة وخلق فرص العمل.
وقال بانون في تصريحات لـ"بوليتيكو":“لدى ترامب أجندة شعبوية وقومية. علينا فقط أن نمضي قدمًا ونترجمها إلى سياسات واقعية.”
أما نائب الرئيس جيه دي فانس، فقد أشار في منشور على منصة إكس إلى أن الجمهوريين بحاجة إلى إعادة التركيز على الشؤون الداخلية، مضيفًا:“لقد بذل الرئيس جهودًا كبيرة خفّضت التضخم وأسعار الفائدة، لكننا ورثنا كارثة اقتصادية من إدارة بايدن. سنواصل العمل لجعل الحياة الكريمة في متناول الجميع.”
تحذيرات من داخل الحزب
في المقابل، صدرت تحذيرات من بعض الأصوات الجمهورية البارزة، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، التي نبّهت إلى أن الإدارة الحالية “ابتعدت عن الخطاب الاقتصادي الشعبوي الذي جعل حركة MAGA تحقق النصر في 2024”.
وقالت إن التركيز المفرط على السياسة الخارجية في وقت يعاني فيه المواطنون من الغلاء “قد يكلّف الحزب الكثير في انتخابات التجديد النصفي المقبلة”.
وأضاف مصدر قريب من الحزب الجمهوري أن “الناخب الأمريكي يريد رؤية نتائج ملموسة في الأسعار والوظائف والدخل، وليس سماع وعود متكررة عن إنجازات خارجية أو قضايا ثانوية.”
ترامب يرد بثقة
ورغم كل الانتقادات، بدا ترامب واثقًا من قدرته على استعادة الزخم. فقد كتب في منشور جديد على “تروث سوشال”:“غيابي عن بطاقات الاقتراع والإغلاق الحكومي هما السببان الرئيسيان لخسارة الجمهوريين. الأمور ستتغير قريبًا.”
ويعتقد محللون أن هذه التصريحات تمثل محاولة من ترامب لتبرئة نفسه وإلقاء اللوم على العوامل الخارجية، خاصة أن حزبه يستعد لخوض انتخابات نصفية في 2026 ستكون اختبارًا حقيقيًا لقدرته على الحفاظ على الأغلبية البرلمانية.
هل انتهى الحزب الجمهوري؟
الحديث عن “نهاية الحزب الجمهوري” تصاعد داخل وسائل الإعلام الأمريكية عقب نتائج الثلاثاء، لكن قيادات الحزب رفضت هذا الطرح.
وقال جيمس بلير في تصريحاته إن الوقت لا يزال مبكرًا لإطلاق مثل هذه الأحكام، مؤكدًا أن “اختيار المرشحين المناسبين وصياغة رسائل سياسية قوية قادرة على استعادة ثقة الناخبين.”
وأضاف:“مع مزيد من التنظيم والتمويل والتواصل المباشر مع القواعد الشعبية، يمكن للحزب الجمهوري تجاوز هذه المرحلة الصعبة واستعادة التوازن في الانتخابات المقبلة.”
بينما يحتفل الديمقراطيون بما وصفوه بـ"الانتصار الرمزي والسياسي الكبير"، يواجه الجمهوريون اختبارًا داخليًا صعبًا بين ضرورة الاعتراف بالأخطاء أو الإصرار على خطابهم القديم.
ويبقى التحدي الأكبر أمام دونالد ترامب هو قدرته على إعادة ربط أجندته السياسية بالمشكلات اليومية التي تهم الناخب الأمريكي، خصوصًا الاقتصاد، الأسعار، والضرائب.
فإذا فشل في ذلك، فقد يجد نفسه أمام موجة انتخابية جديدة لا يمكنه السيطرة عليها، حتى وإن كان اسمه حاضرًا على بطاقة الاقتراع
