تصاعد التوتر الانتخابي في العراق مع تبادل الاتهامات والطعون
تشهد الساحة السياسية العراقية حالة من التوتر المتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حيث تتسارع تحركات الكتل السياسية والأحزاب استعدادًا لخوض المنافسة الانتخابية وسط اتهامات متبادلة تتعلق باستخدام النفوذ الحكومي والتأثير على الناخبين.
وتبرز هذه التحركات حالة من الاحتدام السياسي، تعكس ارتفاع منسوب التوتر قبل أيام قليلة من التصويت، وسط مراقبة محلية ودولية لما ستسفر عنه هذه الانتخابات من نتائج.
اتهامات لرئيس الوزراء
في أحدث التطورات، قدّم النائب المستقل عن التيار المدني العراقي حسين عرب الصالحي طلبًا رسميًا إلى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات يطالب فيه باستبعاد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من السباق الانتخابي.
وجاء في الطلب اتهام السوداني بـ«استغلال موارد الدولة ومقدراتها لصالح حملته الانتخابية»، بما يشمل استخدام البنى التحتية العامة للدعاية، وهو ما يُعد مخالفة لقانون الانتخابات العراقي رقم 12 لسنة 2018، وخصوصًا المادتين 29 و33 اللتين تحظران استخدام المال العام أو الممتلكات الحكومية لأغراض انتخابية.
وأكد الصالحي أنه أرفق مع الطلب توثيقًا مصورًا يُثبت هذه المخالفات، داعيًا المفوضية إلى اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لضمان تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين والحفاظ على حياد المؤسسات في العملية الانتخابية.
رد ائتلاف «الإعمار والتنمية»
على الجانب الآخر، أصدر ائتلاف الإعمار والتنمية بقيادة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بيانًا توضيحيًا، نفى فيه أي مخالفات متعلقة باستخدام موارد الدولة، مؤكدًا أن القرار الذي اتخذته المفوضية باستبعاد النائب السابق حسين سعيد كاظم الربيعي المعروف باسم حسين عرب جاء بناء على اتهامات بتزوير وثائق دراسية.
وأشار البيان إلى أن هيئة النزاهة الاتحادية العراقية أرسلت إخبارًا رسميًا إلى المفوضية يفيد بأن شهادة التخرج المقدمة من المرشح إلى جامعة الإمام الصادق «غير صحيحة»، وأن اسم المرشح «غير موجود ضمن قاعدة بيانات الخريجين»، ما استدعى إحالة القضية إلى محكمة التحقيق للنظر فيها بوصفها «جريمة تزوير».
وأكد الائتلاف أنه تبرأ رسميًا من المرشح المستبعد، مؤكدًا أنه لم يعد ضمن صفوفه في الانتخابات المقبلة، ومشدّدًا على التزامه بالقوانين والمعايير الانتخابية ورفض أي ممارسات من شأنها الإضرار بنزاهة العملية الديمقراطية.
إعادة المرشح للسباق
في تطور لاحق، أكدت مصادر مطلعة في المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية إعادة النائب حسين عرب إلى السباق الانتخابي، بعد مراجعة الهيئة القضائية الخاصة بالنظر في الطعون الانتخابية للأدلة والوثائق المقدمة من الدفاع القانوني للمرشح.
وأوضحت المصادر أن الهيئة قضت باستيفاء شروط الترشح القانونية، مما استدعى إعادة إدراج اسمه في القوائم النهائية للمرشحين.
وفي سياق متصل، رفضت المفوضية طلبًا آخر يطالب باستبعاد المرشح فراس رحيم مجيسر، مؤكدة صحة وسلامة الوثائق الدراسية المقدمة منه بعد التحقق من الجهات الرسمية المختصة.
وذكرت المفوضية في بيان رسمي أن تدقيق الوثائق والشهادات يتم بالتنسيق مع وزارتي التعليم العالي والتربية، وأن أي قرار بالاستبعاد لا يُتخذ إلا بعد استكمال جميع مراحل التحقق القانونية والفنية، في محاولة لضمان نزاهة العملية الانتخابية.
سياق انتخابي متوتر
تأتي هذه التطورات في ظل تصاعد حدة الخطاب الانتخابي بين القوى السياسية العراقية، حيث تتبادل الأحزاب والكتل الاتهامات حول استخدام موارد الدولة واستغلال النفوذ السياسي.
ويعكس هذا التوتر شدة المنافسة بين مختلف القوى في مرحلة حاسمة تسبق يوم الاقتراع، مع توقع أن تلعب الطعون القانونية دورًا مهمًا في تحديد هوية المرشحين النهائيين والمقاعد البرلمانية التي سيحصلون عليها.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، تتصاعد المخاوف من أن تؤدي هذه التوترات إلى تأجيج الانقسامات السياسية، خصوصًا في ظل نظام انتخابي يركز على المحاصصة الطائفية ويتيح لقوى متعددة النفوذ الكبير على العملية الانتخابية.
وتشير التحليلات السياسية إلى أن قدرة المفوضية العليا المستقلة للانتخابات العراقية على ضمان حياد العملية الانتخابية ومراقبة أي خروقات سيكون مفتاحًا رئيسيًا لتقييم نزاهة هذه الانتخابات، والتي تُعد اختبارًا حقيقيًا للديمقراطية في العراق بعد سنوات من الصراعات السياسية والأزمات الداخلية.

وتتزامن هذه التطورات مع زيادة النشاط الإعلامي للمرشحين والكتل، حيث تتسابق الأطراف المختلفة لاستقطاب الناخبين عبر حملات انتخابية مكثفة، وسط مراقبة دقيقة من مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الدولية، التي دعت جميع الأطراف إلى احترام القانون والالتزام بالمعايير الديمقراطية لضمان انتخابات شفافة وعادلة.
متابعة دولية
كما تتابع بعض البعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق هذه التطورات عن كثب، في ظل المخاوف من أن تؤثر النزاعات الداخلية على الاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد.
وقد حثت هذه البعثات جميع الأطراف على الالتزام بالمسار القانوني وتجنب أي ممارسات قد تؤدي إلى التصعيد أو التأثير على نزاهة العملية الانتخابية، مؤكدة أن الانتخابات العراقية تعتبر محطة مهمة في مسيرة الدولة نحو تعزيز مؤسساتها الديمقراطية.
في هذا السياق، يبدو أن الساحة السياسية العراقية ستستمر في حالة من التوتر حتى يوم الاقتراع، وسط تكثيف الحملات الانتخابية وارتفاع منسوب الطعون القانونية، وهو ما يجعل متابعة التطورات اليومية أمرًا ضروريًا لفهم ملامح المشهد السياسي قبل أن تُحسم النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية في العراق.