مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

قاضي مكافحة الفساد بالعراق: العقوبات الحالية لا تردع الجرائم المالية

نشر
الأمصار

أكد رئيس محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية في العراق، القاضي خالد صدام، أن العقوبات الحالية المنصوص عليها في القانون العراقي لم تعد كافية لردع الجرائم المالية التي تستهدف المال العام، مشددًا على أن حماية الأموال العامة تمثل مسؤولية وطنية مشتركة تتطلب إرادة سياسية وتشريعية جادة لمواجهة الفساد بمختلف أشكاله.

وقال القاضي صدام، في تصريحات لصحيفة القضاء تابعتها وكالة الأنباء العراقية (واع)، إن المال العام يمثل الركيزة الاقتصادية للدولة وملكية الشعب، وأي اعتداء عليه ينعكس سلبًا على المصلحة العامة، مشيرًا إلى أن التشريعات العراقية والدولية أولت هذا المال أهمية خاصة من خلال ضمانات دستورية ومدنية وجنائية.

وأوضح القاضي أن مفهوم الأموال العامة في القانون الجنائي يختلف عن معناها في القانون المدني، حيث يمنح المشرع الجنائي صفة المال العام لفئات معينة من الموارد والأصول التي ترتبط بالمنفعة العامة وتستحق حماية استثنائية، لافتًا إلى أن هذه الحماية تتوزع على ثلاثة مستويات:

1. حماية دستورية تُلزم المواطنين بصون المال العام.


2. حماية مدنية نص عليها القانون المدني رقم 40 لسنة 1951، تمنع التصرف أو الحجز أو التملك بالتقادم.


3. حماية جنائية تجرّم أي اعتداء يقع على هذا المال.

 

وأشار القاضي صدام إلى أن قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل تضمن نصوصًا صريحة تجرم الأفعال التي تمس المرافق العامة، مثل تخريب النفط والكهرباء والماء (المادة 353)، والاعتداء على النقل والمواصلات العامة (المادة 354)، وتخريب الطرق والجسور والمطارات (355 و356)، إلى جانب جرائم السرقة الواقعة على المال العام (المادة 444/11).

وأضاف أن الاعتداء على المال العام من قبل موظفين أو مكلفين بخدمة عامة يُعد من أخطر صور الفساد وأكثرها تأثيرًا على هيبة الدولة، موضحًا أن المشرّع صنّفها ضمن جرائم الفساد في قانون هيئة النزاهة والكسب غير المشروع رقم 30 لسنة 2011 المعدل.

وتابع صدام أن تجربته في رئاسة محكمة مكافحة الفساد كشفت عن تزايد حجم الجرائم المالية المعروضة أمام القضاء، من حيث نوعها وشخوص مرتكبيها، مؤكدًا أن العقوبات الحالية لم تعد كافية لردع الفاسدين، وداعيًا إلى تعديل مواد العقوبات (315 و316 و318 و340 و341) لتتوافق مع واقع الفساد المالي الراهن.

كما طالب بإصدار قرار تشريعي يمنع إطلاق سراح المتهمين في قضايا الاختلاس وسرقة المال العام بكفالة، حتى يتم حسم الدعوى، ضمانًا لاستعادة الأموال المنهوبة وتسريع إجراءات المحاكمة.

وأكد القاضي أن مكافحة الفساد لا تتحقق إلا بتكامل الأدوار بين الأجهزة الرقابية والقضاء والإعلام المهني، مشيدًا بدور هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية، ومؤكدًا أن القضاء العراقي سيبقى الركن الأساسي في حماية المال العام.

وكشف صدام أن من أبرز القضايا التي نظرتها المحكمة قضية سرقة الأمانات الضريبية التي بلغت أكثر من ثلاثة تريليونات دينار عراقي، إلى جانب قضايا تتعلق بإحداث أضرار عمدية بمشاريع الدولة أو الاستيلاء على الأموال العامة بطرق احتيالية.

ودعا القاضي إلى إصدار قانون خاص لمكافحة الفساد على غرار قانون مكافحة الإرهاب، وتهيئة محققين وتحريين نزيهين ومدربين لمواجهة الأساليب الحديثة في الجرائم المالية، مشيرًا إلى أهمية تفعيل قانون مكافأة المخبرين رقم 33 لسنة 2008 لتشجيع موظفي الدولة على التبليغ عن حالات الاختلاس وهدر المال العام.

وختم القاضي خالد صدام بالتأكيد على أن صون المال العام مسؤولية وطنية وأخلاقية، مشددًا على ضرورة تفعيل ثقافة النزاهة وتعزيز ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة لضمان بناء اقتصاد مستقر ومجتمع خالٍ من الفساد.