مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

عبدالله بن بجاد العتيبي يكتب: «الدولة الفلسطينية وعبث الدولة الإسرائيلية»

نشر
عبدالله بن بجاد العتيبي
عبدالله بن بجاد العتيبي

الدولة الفلسطينية هي النتيجة الطبيعية لصراعٍ دوليٍّ وإقليميّ، عربيٍّ وإسرائيليّ، استمر لأكثرَ من سبعة عقودٍ، ودون ذلك فإنَّه لن ينتهيَ ولا يمكن التغاضي عنه مهما تخادم المؤدلجون والمخرفون في إسرائيل وفي جماعات الإسلام السياسي، فالشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وفي غزة لن يزولَ من وجه الأرض بأماني نتنياهو وحلفائه في اليمين المتطرف الإسرائيلي، والدولة الفلسطينية لن تختفي بخرافاتهم حول نهاية الزمان.

على طول التاريخ وعرض الجغرافيا كانت السعودية هي الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، واليوم تؤكد السعودية موقفَها التاريخيَّ والثابتَ تجاه هذه القضية العادلة، لا بشعاراتٍ ومزايداتٍ تبناها كثيرٌ من قادة الجمهوريات العربية حتى أنهكوا القضية وضيّعوا حقوقها وشوّهوا عدالتها بسبب صراعات بعضهم مع بعض، وبسبب استخدامهم المزيف لها لخدمة أهدافهم، واليوم، لا تريد السعودية شيئاً من فلسطين سوى أن يحصل الشعب الفلسطيني على دولته المستقلة والمعترف بها دولياً.

العقلانية تقول إن إسرائيل لن تستطيع ضمّ الضفة الغربية وغزة إلى إسرائيل، والواقعية السياسية تقول إنَّ الرئيس الأميركي ترمب لن يستطيع دعم إسرائيل في ذلك الضم، وإلا لكان التطرف الإسرائيلي هو الذي سيقضي على الكثير من قوة أميركا ومن تحالفاتها حول العالم، وحلّ الدولتين الذي تدعمه السعودية ومعها الكثير من حلفائها في الدول العربية والإسلامية وما حشدت له من دعمٍ دوليٍّ غير مسبوقٍ مع العديد من الدول الأوروبية وحول العالم وفي المنظمات الدولية، والذي يمثل «المبادرة العربية للسلام» التي حظيت بإجماعٍ عربيٍّ منذ 2002 بقيادةٍ سعوديةٍ، وهذه المبادرة وهذه الجهود السعودية الاستثنائية والتاريخية لا يمكن إعاقتها أو تجاهلها بقرارٍ إسرائيلي يسير باتجاه معاكس للتاريخ ومنطقه وللسياسة ومصالحها.

أكَّد الرئيس ترمب في أكثر من تصريحٍ أنَّ إسرائيل لن تصنع شيئاً تجاه الضفة الغربية ولا ينبغي أن يقلق أحدٌ من ذلك، إذن فهي مواصلة إسرائيل لسياساتها العنجهية تجاه المنطقة والعالم، فهي تستمر في اعتداءاتها ضد سوريا ولبنان، وتتطرّف في موقفها تجاه السلطة الفلسطينية ودولتها المستقبلية وشعبها، وهي بذلك تبتعد كثيراً عن أي منطقٍ سياسيٍّ أو حلٍّ واقعيٍّ لأقدم وأكبر معضلة في منطقة الشرق الأوسط، وبدلاً من أن تنحاز للمستقبل المشرق تختار الاختباء خلف أوهام الماضي وترهات الآيديولوجيا والخرافة، وهذه ليست سياسةً.

لا يمكن لأميركا ولا للدول العظمى في العالم أن تقرّ القرار الإسرائيلي الذي أقره الكنيست الإسرائيلي بدعمٍ من حكومة نتنياهو وإن حاولت التبرؤ منه، وغالبية دول العالم هي دولٌ داعمةٌ لمشروع «حل الدولتين»، وأكثر من هذا فقد «دانت المملكة العربية السعودية والأردن وإندونيسيا وباكستان وتركيا وجيبوتي وسلطنة عُمان وفلسطين وقطر والكويت وليبيا وماليزيا ومصر ونيجيريا وغامبيا، وجامعة الدول العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي، بأشد العبارات، مصادقة الكنيست الإسرائيلي على مشروعي قانونين يهدفان إلى فرض ما تسمى (السيادة الإسرائيلية) على الضفة الغربية، وعلى المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية غير القانونية»، كما نقلت وسائل الإعلام.

ستلتحق الكثير من الدول العربية والإسلامية بهذا البيان، وستعبر عن مواقف واضحةٍ في دعمه، وستلتحق بها الكثير من دول العالم في القارات الخمس، فمثل هذه المغامرات الإسرائيلية غير محسوبة العواقب سيكون لها أثرٌ قويٌّ على سياسات دول العالم تجاه المنطقة والصراع الأطول في التاريخ المعاصر فيها، وستجد إسرائيل نفسها معزولةً لا تجد داعماً سوى أميركا، وأميركا دولةٌ لن تنساق خلف الأوهام، ولن تتخلى عن مصالحها العظمى وتحالفاتها الكبرى حول العالم لتخدم بعض السياسيين المتطرفين في إسرائيل.

خيار السلام هو الخيار الأفضل لكل دول المنطقة ولإسرائيل، وقد سعت له قياداتٌ إسرائيلية كبيرةٌ من قبل، من مناحيم بيغن مع مصر والرئيس السادات في 1979 في اتفاقية «كامب ديفيد» إلى إسحاق رابين مع منظمة التحرير وياسر عرفات في «اتفاقية أوسلو» 1993، وكذلك مع الأردن والملك حسين 1994 في اتفاقية «وادي عربة».

كان شمعون بيريز داعماً للسلام ومعاهداته وشريكاً مع إسحاق رابين في كثيرٍ من تلك السياسات، كما قام أرييل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي المعروف بتطرفه بالانسحاب من غزة وتفكيك المستوطنات فيها في عام 2005، ما دفع بنيامين نتنياهو وقتها للاستقالة من حكومة شارون احتجاجاً، وهو يسعى اليوم للقضاء على كل اتفاقيات السلام السابقة، وكل شروطه الواقعية وكل آماله المستقبلية ناسياً أن التاريخ لا يعود القهقرى والتراجع عن منجزاته واتفاقياته يدخل المنطقة والعالم إلى المجهول الذي لا يستطيع أحدٌ تحمل تبعاته.

أخيراً، فلا حلّ لأزمة الشرق الأوسط الأطول إلا بـ«حل الدولتين» شاءت إسرائيل أم لم تشأ، والقضية الفلسطينية قضيةٌ عادلةٌ والشعب الفلسطيني يملأ أرضه ولا يمكن تجاهله مهما حاول المتطرفون.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط