مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

فضيحة جرائم الاحتلال.. تعذيب الأسرى الفلسطينيين قبل إعدامهم تكشفها رفات الضحايا

نشر
سيارات لجنة الصليب
سيارات لجنة الصليب الأحمر الدولي تنقل رفات فلسطينيين إلى غزة

من تحت التراب، خرجت الحقيقة عاريةً من كل زيف. لم تعد الجريمة رواية تُروى، بل شهادة من لحم وعظم، تُدوِّنها رفات شهداء فلسطينيين وقعوا أسرى في «قبضة الاحتلال»، ليُكشف اليوم أنهم لم يُقتلوا فور اعتقالهم، بل عُذّبوا بوحشية، ثم أُعدموا بدمٍ بارد. هذه ليست مُجرد تفاصيل طب شرعي، بل صفعة مُدوّية على وجه الإنسانية، تُعرّي فصولًا دامية من ممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحق أسرى عزّل، جُرِّدوا من حريتهم وحقوقهم، وحتى من كرامة موتهم. ومع إعادة دفن الرفات، يُعاد طرح السؤال الكبير: كم من الجرائم لا تزال مدفونة بصمت؟

رفات تُفضح جرائم الاحتلال

وفي هذا الصدد، كشف تقرير لصحيفة «ذا غارديان» البريطانية، أن الجثامين الفلسطينية التي أعادها الاحتلال إلى «قطاع غزة»، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، والتي بلغ عددها (90) جثمانًا، «تحمل علامات لا يُمكن إنكارها على التعذيب المُمنهج والإعدام الميداني»، من أبرزها الأيدي المُقيّدة، والعيون المعصوبة، وجروح الطلقات المباشرة في الرأس.

وكانت حركة «حماس»، وفقًا لاتفاق وقف الحرب، سلّمت جثث بعض المحتجزين الذين لقوا حتفهم خلال الحرب، كما نقلت إسرائيل جثث مجموعتين من (45) فلسطينيًا استُشهِدوا خلال القتال، وجرت عملية التبادل عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

أدلة طبية على الإعدام

ونقل التقرير عن أطباء في مستشفى ناصر في مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة، الذي تسلَّم جثامين الفلسطينيين من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، يوم الأربعاء، أن هناك أدلة قوية على تعرّضهم للضرب والإعدام بإجراءات مُوجزة، وأنه لم يتم التعرف على هوية أي من الجثامين.

وتنقل الصحيفة البريطانية عن «الدكتور أحمد الفرا»، رئيس قسم الأطفال بمستشفى ناصر، قوله: «كان جميعهم تقريبًا معصوبي الأعين ومُقيدين، وكانت هناك إصابات بطلقات نارية بين أعينهم.. أُعدم جميعهم تقريبًا»، مُضيفًا: أنه «كانت هناك أيضًا ندوب وبُقع جلدية مُتغيرة اللون تُظهر تعرّضهم للضرب قبل قتلهم، كما كانت هناك علامات على تعرّض أجسادهم للتعذيب بعد قتلهم».

وتابع «الفرا»: أن السُلطات الإسرائيلية سلّمت الجثامين دون تحديد هويتها، وأن المستشفيات في غزة التي تعرّضت لقصف مُكثف على مدى عامين من الحرب، ليس لديها وسائل لإجراء تحليل الحمض النووي، قائلاً: «إنهم (الإسرائيليين) يعرفون هوية هذه الجثامين، لكنهم يُريدون أن تُعاني عائلات الضحايا أكثر».

رصاص وتقييد قبل الإعدام

وأوضحت إدارة مستشفى ناصر، أن الجثامين -التي كانت محفوظة في ثلاجات بإسرائيل- أُعيدت مُرقمة، لكن دون أسماء، فيما طلب الأطباء من أقارب الفلسطينيين المفقودين المساعدة في التعرف على هوياتهم، قائلة: «الشهداء في تلك الحالة كانوا مُقيدين بأيديهم وأقدامهم ومُصابين برصاصات في رؤوسهم».

Trump warns of Gaza fighting as Hamas returns hostage remains | Daily Sabah
سيارة لجنة الصليب الأحمر 

وتُحقق «المحكمة الجنائية الدولية» في اتهامات بارتكاب «جرائم حرب» خلال الحرب الدائرة في غزة منذ عامين، بما في ذلك قتل (15) مسعفًا وعامل إنقاذ فلسطينيين عُثِر على جثمانهم في مارس الماضي.

شكّلت إعادة رفات طرفي النزاع عقبة رئيسية أمام «تطبيق وقف إطلاق النار» الذي دخل حيز التنفيذ، إذ أعلنت «إسرائيل» أنها ستُبطئ إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية بسبب التأخير في نقل جثث (28) مُحتجزًا إسرائيليًا يُعتقد أنهم قُتلوا خلال الحرب، وقالت إن إحدى الجثث التي سُلّمت لم تكن من بين المحتجزين.

في المقابل، أعلنت «حماس»، مساء أمس الأربعاء، أنها سلّمت جثث كل المحتجزين القتلى الذين تمكنت من الوصول إليهم، فيما أكد الجيش الإسرائيلي أن الصليب الأحمر تسلّم جثتين أخريين في غزة.

وكانت حركة حماس، أعادت بالفعل رفات (7) من أصل (28) مُحتجزًا متوفين معروفين، إلى جانب جثة ثامنة قالت إسرائيل إنها ليست جثة مُحتجز سابق، فيما زعمت بعض التقارير أنها لأحد المتعاونين مع جيش الاحتلال قُتِل خلال التوغل في أحد الأنفاق.

الجرائم المدفونة تُفضح

لم تعد الجرائم مخفية، ولم يعد بالإمكان دفن الحقيقة مع الضحايا. الرفات التي عادت إلى «غزة» لم تكن مجرد أجساد هامدة، بل رسائل دامغة، تنطق بما عجزت عنه الكلمات وتقارير العدل. إن ما كُشف من تعذيب وإعدام للأسرى الفلسطينيين، ليس حادثًا مُنفصلًا، بل فصل جديد في سجل طويل من «الانتهاكات الإسرائيلية» التي لا تزال تجد من يصمت عنها، أو يُبرّرها. وفي مواجهة هذا الكشف، يبقى السؤال مُعلقًا في ضمير العالم: كم من الجرائم ارتُكبت خلف القضبان، وتحت الأرض، وفي صمت المعابر المغلقة؟ آن أوان العدالة. آن للضحايا أن يُنصت لصراخهم، ولو من عظامهم.