مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

حيازات الأسر التركية من الذهب تُربك مساعي أنقرة لخفض التضخم

نشر
الأمصار

تواجه السلطات الاقتصادية في تركيا تحدياً جديداً في معركتها المستمرة ضد التضخم المرتفع، بعد أن أصبحت حيازات الأسر التركية من الذهب عاملاً رئيسياً يعرقل جهود البنك المركزي في تهدئة الأسعار. وتشير التقديرات إلى أن الذهب المخزّن خارج النظام المالي، أو ما يُعرف محلياً بـ"الذهب تحت الوسادة"، يبلغ نحو نصف تريليون دولار، وهو ما يعزز ثروات الأسر ويزيد من الاستهلاك المحلي بشكل غير مباشر.

وبحسب تصريحات محافظ البنك المركزي التركي فاتح قرة خان، فإن ارتفاع أسعار الذهب عالمياً خلق ما يُعرف بـ"تأثير الثروة"، حيث يشعر المواطنون بزيادة في قدرتهم المالية، مما يدفعهم إلى زيادة الإنفاق على السلع والخدمات. وأوضح قرة خان أن هذا التأثير تجاوز 100 مليار دولار خلال العام الماضي فقط، وهو ما ساهم في تعزيز الطلب المحلي وبالتالي زيادة الضغوط التضخمية.

وصل سعر الذهب إلى مستوى قياسي جديد تجاوز 4 آلاف دولار للأوقية هذا الأسبوع، قبل أن يتراجع قليلاً يوم الجمعة. وتشير تقديرات شركة "إيش بورتفوي" (Is Portfoy) إلى أن ارتفاعاً إضافياً بنسبة 10% في أسعار الذهب قد يضيف نحو 50 مليار دولار إلى ثروة الأسر التركية.
ويرى محللون في مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" (Capital Economics) أن هذا الحجم الكبير من الثروة المحتفظ بها في الذهب يعني أن أي ارتفاع في الأسعار يولد أثراً إيجابياً على الاستهلاك المحلي، وهو ما يجعل عملية خفض التضخم أكثر تعقيداً.

وكتب الخبير الاقتصادي ليام بيتش أن “الضغوط الأقوى من جانب الطلب ستعزز التوقعات ببطء خفض وتيرة التضخم”، مشيراً إلى أن التركّز الكبير للثروة في الذهب يجعل السياسة النقدية أقل فاعلية في الحد من الإنفاق.

يبلغ معدل التضخم في تركيا حالياً 33.3% بحسب بيانات سبتمبر، مقارنة بـ33% في الشهر السابق، وهو ما فاق التقديرات الرسمية. ويُعزى جزء من هذا الارتفاع إلى زيادة الأسعار في قطاعات التعليم والإيجارات، إضافة إلى التأثير غير المباشر لارتفاع الذهب على الإنفاق والاستهلاك.

وأكد قرة خان أن "التجارب التضخمية السابقة" دفعت الأتراك إلى تخزين الذهب كملاذ آمن، مشيراً إلى أن بحثاً أجراه البنك المركزي أظهر أن ارتفاع أسعار الذهب أسهم في زيادة مبيعات المنازل والسيارات، خصوصاً في المدن التي تملك فيها الأسر مدخرات كبيرة من المعدن النفيس.

يستهدف البنك المركزي التركي خفض معدل التضخم إلى 24% بنهاية عام 2025، غير أن توقعاته الأخيرة تشير إلى أن الأسعار قد تظل بين 25% و29% حتى نهاية العام. كما تتوقع الأسواق استمرار الضغوط التضخمية فوق مستوى 30% في المدى القريب، نتيجة تأثير الثروة الناتج عن ارتفاع الذهب وتباطؤ فعالية السياسات النقدية.

رغم الجهود المكثفة التي يبذلها البنك المركزي التركي لخفض التضخم، فإن الثروة المخزنة في الذهب داخل المنازل أصبحت سلاحاً ذا حدين: فهي تحمي الأسر من تقلبات العملة، لكنها في الوقت نفسه تغذي الطلب المحلي وتؤخر استقرار الأسعار. وبينما تحاول أنقرة تحقيق التوازن بين الاستقرار النقدي ودعم الاقتصاد، يبقى الذهب عاملاً مؤثراً يصعب على صانعي القرار تجاهله.