مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

بين مطرقة ترامب وسندان اليمين الإسرائيلي.. خطة السلام تُربك حسابات نتنياهو وتكشف أزمته السياسية

نشر
الأمصار

لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتوقع أن تتحول خطة السلام التي طرحها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى عبء سياسي واستراتيجي يهدد تماسك ائتلافه الحكومي، ويضعه أمام اختبار تاريخي بين الضغوط الأمريكية المتصاعدة والتشدد اليميني داخل إسرائيل.
فما بدأ كفرصة ذهبية لتحقيق نصر سياسي وعسكري على حركة حماس، تحول بسرعة إلى فخ سياسي معقد قد يغير ملامح المشهد الإسرائيلي بالكامل.

خطة ترامب.. سلام مشروط يثير العاصفة

بحسب تقرير نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن إدارة ترامب وضعت خطة سلام مشروطة، تقضي بأن تقوم حركة حماس بإطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين المحتجزين خلال 72 ساعة فقط، مع إلقاء سلاحها والتخلي عن أي دور في مستقبل إدارة قطاع غزة.
وفي حال رفض الحركة لهذه الشروط، فإن الخطة تمنح إسرائيل تفويضًا كاملاً لاستكمال عملياتها العسكرية حتى القضاء الكامل على البنية العسكرية لحماس.

لكن رد الحركة جاء غامضًا وضبابيًا، إذ أعلنت استعدادها لإطلاق سراح الرهائن دون تحديد موعد واضح، مشيرة إلى أنها تحتفظ بحقها في مناقشة التفاصيل ضمن إطار تفاوضي أوسع يشمل وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار، بينما تجنبت تمامًا الحديث عن نزع السلاح أو التخلي عن دورها في غزة.

هذا الرد أثار تفسيرات متباينة بين واشنطن وتل أبيب؛ ففي حين وصف السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الموقف بأنه "رفض مبطن"، رأى السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة مايكل هرتسوغ أن "رد حماس هو لا مغلفة بنعم"، في إشارة إلى أن الحركة تسعى للمماطلة دون القبول الكامل بالشروط الأمريكية.

ترامب يقلب الطاولة على نتنياهو

في خطوة مفاجئة، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنه يعتبر بيان حماس بمثابة موافقة مبدئية على خطته، داعيًا إسرائيل إلى وقف فوري للقصف من أجل تمهيد الطريق لإطلاق سراح الرهائن بأمان، مؤكدًا أن "السلام الحقيقي يبدأ بإنهاء الحرب، لا بإطالتها".

هذا التصريح شكل صدمة سياسية في إسرائيل، حيث ساد الارتباك داخل الحكومة لساعات طويلة، قبل أن يصدر مكتب نتنياهو بيانًا مقتضبًا فجر اليوم التالي، أعلن فيه استعداد الحكومة الإسرائيلية لـ"الإفراج الفوري عن جميع الرهائن" ضمن ترتيبات أمنية، دون التطرق إلى شروط حماس أو مضمون الخطة الأمريكية بالتفصيل.

وأكد البيان التزام تل أبيب بـ"التعاون الكامل مع البيت الأبيض لإنهاء الحرب وفق مبادئ الأمن القومي الإسرائيلي"، في صياغة حذرة ومبهمة حاولت الموازنة بين إرضاء واشنطن وتهدئة غضب حلفاء نتنياهو اليمينيين.

مأزق داخلي وخارجي.. نتنياهو في دائرة النار

الموقف المتردد للحكومة الإسرائيلية كشف بوضوح عمق المأزق السياسي الذي يواجهه نتنياهو، إذ يجد نفسه عالقًا بين ضغط أمريكي متزايد يدعو إلى التهدئة، وجناح يميني متشدد يطالبه بمواصلة الحرب حتى القضاء الكامل على حماس.

يقول إيرن إيتزيون، نائب مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق، إن نتنياهو "سيجد نفسه أمام عالم يصفق لخطة السلام بينما يُطلب منه تفسير سبب معارضته لها"، مضيفًا أن التناقض بين نهج ترامب الداعي إلى وقف إطلاق النار ونهج نتنياهو القائم على استمرار العمليات العسكرية يجعل الموقف الإسرائيلي أكثر هشاشة من أي وقت مضى.

ويرى مراقبون أن نتنياهو بات محاصرًا من جهتين؛ فمن جهة يواجه ضغوطًا أمريكية قد تؤثر على الدعم العسكري والسياسي الذي يتلقاه من واشنطن، ومن جهة أخرى يواجه تمردًا داخليًا من شركائه في الائتلاف الحكومي الذين يرون في خطة ترامب "تهديدًا وجوديًا" لمشروعهم الأيديولوجي القائم على السيطرة الكاملة على غزة

اليمين الإسرائيلي: لا تنازل ولا تسوية

تفاقم الانقسام داخل الحكومة الإسرائيلية، حيث يرى قادة اليمين المتطرف، وعلى رأسهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، أن خطة ترامب تمثل تراجعًا خطيرًا عن الأهداف العسكرية للحرب، وتهديدًا مباشرًا لـ"الحلم الصهيوني" بإعادة توطين الإسرائيليين في قطاع غزة.

ويعتبر هؤلاء أن الإبقاء على الوجود الفلسطيني في غزة وفتح الباب أمام دور عربي وإسلامي في إدارتها وإعادة إعمارها هو بمثابة "استسلام سياسي" لا يمكن القبول به، خصوصًا بعد شهور من العمليات العسكرية التي كلّفت إسرائيل مئات القتلى والجرحى وأضرارًا اقتصادية فادحة.

وتقول الباحثة في مؤسسة "راند" الأمريكية شيرا إفرون إن "الحرب بالنسبة لليمين الإسرائيلي كانت فرصة تاريخية لتحقيق مشروعه الأيديولوجي، لكنها تتبخر الآن أمام عودة الحديث عن تسوية سياسية شاملة".
وتضيف أن نتنياهو يحاول تسويق خطة ترامب كإنجاز دبلوماسي يمكن أن ينهي الحرب ويعيد الرهائن بضمانة أمريكية وعربية، لكنه بذلك يخاطر بخسارة دعم حلفائه الداخليين الذين يعتبرون أي تسوية مع الفلسطينيين خيانة لتضحيات الجيش الإسرائيلي.

 

احتمالات المشهد المقبل: ثلاثة سيناريوهات معقدة

يرى محللون أن المشهد الإسرائيلي يتجه نحو أحد ثلاثة مسارات محتملة:

1. الرفض الكامل للخطة الأمريكية، وهو خيار يعني مواجهة مفتوحة مع إدارة ترامب، ما قد يؤدي إلى عزلة دولية متزايدة وتوتر غير مسبوق في العلاقات مع واشنطن.


2. القبول المشروط بالخطة، وهو خيار قد يؤدي إلى تفكك الائتلاف الحاكم وسقوط الحكومة، وفتح الباب أمام انتخابات مبكرة في إسرائيل، خاصة مع تزايد الغضب داخل صفوف اليمين.


3. سياسة المماطلة والغموض، وهو الأسلوب الذي اعتاد نتنياهو استخدامه، عبر إبقاء الأمور ضبابية وتأجيل الحسم إلى حين تغيّر المزاج السياسي الأمريكي أو الإقليمي.

 

ويعتقد كثيرون أن نتنياهو سيلجأ إلى الخيار الثالث، محاولًا كسب الوقت لتجاوز الضغط الأمريكي، خاصة أن ترامب يسعى إلى تحقيق إنجاز دبلوماسي سريع قبل الانتخابات الأمريكية المقبلة، ما يمنح تل أبيب فرصة للمناورة السياسية.

بين الحرب والسلام.. معركة البقاء السياسي

في النهاية، يجد بنيامين نتنياهو نفسه أمام أصعب معركة في تاريخه السياسي، إذ لم يعد الصراع مجرد قضية عسكرية في غزة، بل تحول إلى معركة بقاء شخصي في مواجهة تحولات سياسية عميقة على المستويين الداخلي والخارجي.

فترامب، الذي لطالما اعتُبر "الصديق الأقرب لإسرائيل"، بات اليوم يمارس ضغطًا غير مسبوق على تل أبيب لإنهاء الحرب، في حين يصرّ اليمين الإسرائيلي على أن أي وقف للعمليات العسكرية دون القضاء على حماس هو هزيمة سياسية ومعنوية.

وفي ظل هذه المعادلة المعقدة، يبدو أن نتنياهو يقف على حافة توازن خطير بين الولاء لواشنطن التي توفر الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، وبين الحفاظ على قاعدة اليمين التي تشكل مصدر بقائه في السلطة.

ومع تصاعد التوتر داخل الحكومة والشارع الإسرائيلي، تبدو خطة ترامب للسلام كمرآة عاكسة لأزمة الحكم في إسرائيل، إذ كشفت هشاشة التحالفات السياسية، وعمق الانقسام بين دعاة التسوية وأنصار الحسم العسكري.

وبين مطرقة ترامب الساعي إلى إنهاء الحرب لتحقيق نصر انتخابي أمريكي، وسندان اليمين المتطرف الرافض لأي تسوية، يقف نتنياهو في أصعب لحظات تاريخه السياسي، وهو يحاول التوفيق بين الضغوط المتعارضة دون أن يفقد السيطرة على المشهد.

ومهما كانت نتيجة هذا الصراع، فإن المؤكد أن خطة السلام الأمريكية لم تعد مجرد مبادرة دبلوماسية، بل تحولت إلى نقطة تحول مفصلية في مسار الحرب على غزة ومستقبل إسرائيل السياسي، وربما في شكل التحالفات الإقليمية خلال السنوات المقبلة.

> وبينما تراقب العواصم العربية والدولية تطورات الموقف، يبقى السؤال الأهم:
هل يختار نتنياهو طريق السلام وفق شروط ترامب، أم يواصل الرهان على الحرب حتى النهاية؟