واشنطن توجه أولى ضرباتها بعد «سناب باك».. عقوبات أمريكية جديدة على إيران

في خطوة تعكس تصعيداً جديداً في ملف المواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية، الأربعاء 1 أكتوبر 2025، عقوبات واسعة استهدفت 21 كياناً و17 فرداً بتهمة دعم وزارة الدفاع الإيرانية والمساهمة في تعزيز برامج الصواريخ الباليستية، وذلك بعد أيام فقط من إعادة تفعيل الأمم المتحدة لآلية العقوبات الدولية المعروفة بـ"سناب باك".
وتعد هذه الحزمة من العقوبات الأمريكية هي الأولى من نوعها بعد القرار الأممي الأخير الذي صدر في 27 سبتمبر/أيلول الماضي، وأعاد فرض القيود على برنامج إيران النووي والصاروخي والأنشطة العسكرية المرتبطة بهما.
تفاصيل العقوبات الأمريكية الجديدة
قالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان رسمي، إن الكيانات والأفراد المشمولين بالعقوبات متورطون في شبكات معقدة تعمل على شراء تقنيات ومعدات عسكرية متقدمة لصالح إيران، بما يشمل أنظمة رادار وتكنولوجيا توجيه الصواريخ ومكونات خاصة بصواريخ أرض – جو، إضافة إلى مكونات لطائرات عسكرية وحتى مروحية أمريكية الصنع حصلت عليها طهران بطرق غير مشروعة.
وبحسب البيان، فإن هذه الشبكات تنشط في عدة دول داخل آسيا وأوروبا إلى جانب إيران نفسها، وتشكل ـ وفقاً للجانب الأمريكي ـ تهديداً مباشراً للعسكريين الأمريكيين المنتشرين في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك للسفن التجارية العابرة للممرات الدولية، فضلاً عن المخاطر التي تمثلها على المدنيين.
وأكدت الخزانة الأمريكية أن هذه العقوبات تستهدف حرمان طهران من الموارد التي تمكنها من تطوير ترسانتها الصاروخية والعسكرية بشكل يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
تصريحات وزير الخزانة الأمريكي
قال وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت، إن الإدارة الأمريكية برئاسة دونالد ترامب عازمة على تشديد الخناق على النظام الإيراني ومنعه من الحصول على أي نوع من الأسلحة المتقدمة التي قد يستخدمها "لخدمة أهدافه الخبيثة"، على حد وصفه.
وأضاف بيسنت: "إن دعم النظام الإيراني لوكلائه في المنطقة وسعيه الدائم لامتلاك أسلحة نووية يهدد استقرار الشرق الأوسط، ويشكل خطراً على أمن الولايات المتحدة وحلفائها عبر العالم."
وأشار الوزير إلى أن واشنطن، من خلال هذا التحرك، تؤكد التزامها الكامل بتطبيق العقوبات الأممية والعمل مع الشركاء الدوليين لضمان عدم قدرة إيران على الإفلات من القيود المفروضة عليها.
آلية "سناب باك".. الخلفية والتداعيات
تعود تسمية سناب باك (Snapback) إلى الآلية التي نص عليها الاتفاق النووي المبرم عام 2015 بين إيران ومجموعة "5+1"، والتي تتيح إعادة فرض العقوبات الأممية بشكل تلقائي في حال انتهاك طهران للاتفاق.
وفي 27 سبتمبر 2025، قررت الأمم المتحدة تفعيل هذه الآلية بعد تقارير أكدت استمرار إيران في تخصيب اليورانيوم بمستويات تتجاوز الحدود المسموح بها، إلى جانب تطوير قدراتها في مجال الصواريخ الباليستية.
ويعني القرار الأممي عودة جميع العقوبات التي كانت مفروضة على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي، بما يشمل:
حظر بيع الأسلحة التقليدية لإيران.
منع تصدير التكنولوجيا النووية والصاروخية إليها.
تجميد أصول بعض الكيانات والأفراد المرتبطين ببرامج إيران العسكرية.
قيود على السفر بحق شخصيات إيرانية رفيعة.
أبعاد سياسية وأمنية
1. ضغط أمريكي متجدد على إيران
العقوبات الجديدة تمثل إشارة واضحة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسعى لتكثيف الضغوط على طهران ليس فقط عبر الأمم المتحدة، بل أيضاً من خلال إجراءات أحادية تستهدف شل قدرتها على تمويل وتطوير برامجها العسكرية.
2. رسالة إلى الحلفاء والخصوم
الخطوة الأمريكية تحمل رسائل مزدوجة: الأولى لحلفاء واشنطن في المنطقة، وخصوصاً دول الخليج وإسرائيل، بأن الولايات المتحدة ملتزمة بأمنهم في مواجهة التهديد الإيراني. والثانية موجهة إلى الصين وروسيا والاتحاد الأوروبي، الذين تربطهم علاقات اقتصادية بإيران، بأن واشنطن لن تتساهل مع أي خرق للعقوبات.
3. تصعيد محتمل في الخليج
تأتي العقوبات في ظل توترات قائمة أصلاً في مياه الخليج العربي، حيث شهدت الأشهر الماضية عدة حوادث مرتبطة باحتجاز سفن تجارية وهجمات بطائرات مسيّرة وصواريخ على مواقع أمريكية وإسرائيلية. ما يثير المخاوف من أن تدفع هذه العقوبات إيران إلى رد فعل أكثر عدائية عبر أذرعها العسكرية في المنطقة مثل الحوثيين في اليمن أو حزب الله في لبنان.
رد الفعل الإيراني المتوقع
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر رد رسمي شامل من وزارة الخارجية الإيرانية على العقوبات الجديدة، لكن مسؤولين إيرانيين كانوا قد أكدوا في مناسبات سابقة أن بلادهم تعتبر "آلية سناب باك غير شرعية"، وتصفها بأنها "أداة سياسية بيد واشنطن".
ويرجح محللون أن ترد طهران بتصعيد سياسي وإعلامي ضد الولايات المتحدة، وربما بخطوات عملية في ملف تخصيب اليورانيوم، لتعزيز أوراق الضغط على المجتمع الدولي. كما أن إيران قد تلجأ إلى تسريع التعاون مع روسيا والصين كجزء من استراتيجية مواجهة العقوبات الغربية.

الأمم المتحدة
الأمانة العامة للأمم المتحدة شددت، عقب القرار الأخير، على ضرورة التزام جميع الدول الأعضاء بتنفيذ العقوبات المفروضة على إيران، بما في ذلك منع بيع أو نقل أي معدات يمكن أن تسهم في تطوير قدراتها العسكرية.
الاتحاد الأوروبي
الموقف الأوروبي يبدو أكثر حذراً، إذ يدعو الاتحاد الأوروبي إلى الالتزام بالاتفاق النووي ومحاولة إعادة إيران إلى طاولة المفاوضات، لكنه يجد نفسه مضطراً لتطبيق قرارات الأمم المتحدة بشكل رسمي.
روسيا والصين
من جهتها، رفضت كل من روسيا والصين قرار إعادة فرض العقوبات، معتبرتين أن واشنطن هي من قوضت الاتفاق النووي بانسحابها عام 2018. لكنهما في الوقت ذاته تواجهان ضغوطاً لتجنب انتهاك القرارات الأممية علناً.
قراءة في التوقيت
اللافت أن هذه العقوبات تأتي بعد أيام فقط من الإعلان عن إعادة فرض العقوبات الأممية، وهو ما يعكس رغبة إدارة ترامب في استباق أي محاولة التفاف من إيران على القرارات الجديدة. كما أنها تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تصعيداً أمنياً متزامناً مع الحرب في غزة والضغوط المتزايدة على إسرائيل، ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تحاول توحيد جبهة ضغط أكبر على إيران باعتبارها الداعم الأساسي للفصائل المسلحة هناك.
العقوبات الأمريكية الجديدة على إيران، والتي استهدفت 21 كياناً و17 فرداً، تشكل ضربة قوية لبرامج طهران الصاروخية والعسكرية، وتمثل أول اختبار عملي لتفعيل آلية "سناب باك" الأممية.
ورغم أن إيران اعتادت مواجهة العقوبات منذ عقود، إلا أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام مرحلة أكثر تعقيداً من الصراع الأمريكي – الإيراني، حيث تختلط الحسابات النووية بالصراعات الإقليمية والرهانات الجيوسياسية الكبرى.
ومع غياب مؤشرات على إمكانية العودة السريعة إلى مسار التفاوض، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد مزيداً من التصعيد بين الجانبين، سواء على المستوى السياسي أو في ساحات الصراع المفتوحة بالمنطقة.