مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

محادثات نووية في نيويورك.. هل تنجح إيران في استغلال “الفرصة الأخيرة”؟

نشر
الأمصار

تشهد مدينة نيويورك هذه الأيام جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران والدول الأوروبية، في وقت يصفه مراقبون بأنه الفرصة الأخيرة لطهران قبل أن يعاد فرض العقوبات الأممية عليها بشكل كامل، بعد سنوات من التعليق بموجب الاتفاق النووي المبرم عام 2015.

خلفية الأزمة النووية

بدأت أزمة البرنامج النووي الإيراني منذ مطلع الألفية، حين أثيرت شكوك غربية بشأن نوايا طهران الحقيقية وراء تطوير تقنياتها النووية.

وبينما تؤكد إيران أن برنامجها مخصص لأغراض سلمية بحتة، تصر الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا، إضافة إلى إسرائيل، على أن هناك مساعي خفية لامتلاك سلاح نووي يهدد الأمن الإقليمي والدولي.

وفي عام 2015، وُقّع الاتفاق النووي المعروف باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) بين إيران من جهة، والقوى الكبرى (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، والصين) من جهة أخرى، والذي نص على رفع العقوبات مقابل التزام إيران بحدود صارمة على تخصيب اليورانيوم والسماح بعمليات تفتيش دولية واسعة.

لكن هذا الاتفاق تعرض لهزة عنيفة عام 2018 حين انسحب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب منه، وأعاد فرض عقوبات مشددة على طهران، مما دفع الأخيرة إلى التراجع تدريجياً عن التزاماتها.

مفاوضات نيويورك.. لحظة حاسمة

وبحسب مصادر دبلوماسية فرنسية، يجتمع وزراء الخارجية الإيرانيون مع نظرائهم الأوروبيين على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة لمناقشة مستقبل الاتفاق وإمكانية تجديده بشروط جديدة.

الوزير الإيراني عباس عراقجي مُنح مهلة حتى نهاية الأسبوع الجاري للتوصل إلى تفاهم مع الأوروبيين، وإلا سيعاد تفعيل العقوبات الأممية بشكل تلقائي بموجب آلية "الزناد" التي فعّلتها كل من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

الأوروبيون حددوا ثلاثة شروط رئيسية لتجنب العقوبات:

العودة إلى المفاوضات المباشرة وغير المشروطة.

منح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية وصولاً كاملاً إلى جميع المواقع النووية الإيرانية.

تقديم معلومات دقيقة وشفافة حول أماكن تخزين المواد النووية المُخصبة.

لكن حتى الآن، يعتقد الدبلوماسيون الغربيون أن طهران لم تلتزم بأي من هذه الشروط، فيما تواصل إيران اتهام الأوروبيين بممارسة ضغوط سياسية غير عادلة، وتؤكد أنها وضعت مقترحاً "متوازناً" على الطاولة دون الإفصاح عن تفاصيله.

إيران بين التشدد والمرونة

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، الذي يشارك في اجتماعات الأمم المتحدة بنيويورك، يحاول إظهار انفتاح دبلوماسي، لكنه في الوقت نفسه يواجه ضغوطاً داخلية من التيار المتشدد الذي يرفض تقديم أي تنازلات "تمس السيادة الوطنية".

ويرى مراقبون أن بزشكيان يسعى لاستخدام حضوره في قمة الأمم المتحدة كورقة ضغط لكسب دعم دولي يسمح بتأجيل قرار العقوبات، أملاً في كسب مزيد من الوقت للتفاوض، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعيشه بلاده نتيجة العقوبات الأمريكية المستمرة.

الموقف الأوروبي والأمريكي

بالنسبة للدول الأوروبية، فإن هدفها الرئيسي يتمثل في منع إيران من الوصول إلى العتبة النووية، أي المستوى الذي يسمح لها بإنتاج قنبلة ذرية خلال فترة وجيزة. وترى هذه الدول أن إبقاء طهران تحت رقابة صارمة أفضل من تركها تواصل التخصيب بلا قيود.

أما الولايات المتحدة، التي تتابع المفاوضات عن كثب، فهي وإن لم تشارك مباشرة في محادثات نيويورك، إلا أنها تؤكد دعمها الكامل للموقف الأوروبي، وتشدد على أن إيران لن تحصل على أي رفع للعقوبات دون التزام واضح وشفاف.

إسرائيل على الخط

من جهتها، تواصل إسرائيل التعبير عن قلقها العميق من البرنامج النووي الإيراني، وتضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ موقف أكثر تشدداً. وقد صرح مسؤولون إسرائيليون مؤخراً بأن "الصمت أو التهاون مع طهران يعني منحها فرصة لامتلاك سلاح نووي يهدد أمن المنطقة بأكملها".

عقوبات “الزناد”.. سيف مسلط

إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق بحلول السبت المقبل، فإن مجلس الأمن سيعيد تلقائياً فرض جميع العقوبات الأممية التي تم تعليقها منذ 2015، وهو ما سيعني تجميد الأصول الإيرانية، حظر بيع الأسلحة إليها أو منها، وتشديد القيود الاقتصادية التي ستفاقم أزمة الاقتصاد الإيراني المتدهور أصلاً.

ويرى محللون أن عودة العقوبات ستشكل ضربة قاسية للرئيس بزشكيان الذي يسعى لإظهار أن انتخابه بداية لمرحلة انفتاح مع الغرب، كما ستقوي موقف المتشددين في الداخل الذين يرفضون أي تسوية مع الأوروبيين والأمريكيين.

السيناريوهات المحتملة

أمام هذا الوضع، يطرح المراقبون عدة سيناريوهات:

التوصل إلى اتفاق جزئي: يسمح بتعليق مؤقت للعقوبات مقابل التزامات محدودة من إيران، مثل فتح بعض المواقع للتفتيش.

فشل المفاوضات وعودة العقوبات: ما سيزيد عزلة طهران ويدفعها لتسريع برنامجها النووي.

حل وسط في اللحظة الأخيرة: حيث قد توافق الأطراف على تمديد المهلة أسبوعين أو أكثر لإعطاء فرصة إضافية للمفاوضات.

ومن الناحية الاقتصادية، تواجه إيران أزمة خانقة جراء العقوبات الأمريكية، حيث تراجعت صادراتها النفطية بشكل كبير، وانخفضت قيمة عملتها المحلية، ما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة.

ويرى خبراء أن إعادة فرض العقوبات الأممية سيضاعف من الضغوط الاقتصادية والاجتماعية على الحكومة الإيرانية، مما قد يخلق حالة من الغليان الشعبي ويزيد من حدة الاحتجاجات الداخلية.

وتقف إيران اليوم أمام مفترق طرق حاسم: إما القبول بشروط الأوروبيين وتقديم تنازلات محدودة تضمن بقاء الاتفاق النووي على قيد الحياة، أو مواجهة عزلة دولية أشد وعودة العقوبات الأممية التي ستضع اقتصادها تحت ضغط غير مسبوق.

وبينما تتجه الأنظار إلى نيويورك، تبقى الكلمة الأخيرة رهناً بما ستسفر عنه الساعات والأيام القليلة المقبلة، التي قد تحدد مستقبل البرنامج النووي الإيراني لعقود قادمة.