الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة.. العالم بين التطلعات والتحديات

في سبتمبر من كل عام، تتجه أنظار العالم نحو مقر الأمم المتحدة في نيويورك، حيث تنعقد اجتماعات الجمعية العامة بحضور قادة ورؤساء ووزراء من أكثر من 190 دولة.
وتُعد هذه المناسبة حدثًا سياسيًا ودبلوماسيًا بالغ الأهمية، إذ تتحول المدينة الأمريكية إلى مركز للحوارات الكبرى التي ترسم ملامح العلاقات الدولية، وتحدد اتجاهات النظام العالمي في مواجهة التحديات المتصاعدة.
هذا العام، يكتسب الحدث زخمًا خاصًا مع انطلاق الدورة الـ80 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تقام تحت شعار: "معًا أفضل.. 80 عامًا وأكثر من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان".
وهو شعار يحمل الكثير من الدلالات، إذ يعكس طموح المجتمع الدولي في تجديد التزامه بالمبادئ المؤسسة للأمم المتحدة بعد ثمانية عقود على تأسيسها، ويؤكد الحاجة إلى تعزيز التضامن العالمي لمواجهة أزمات متشابكة تهدد السلم والاستقرار.
دورة استثنائية في لحظة دقيقة
لا تشبه الدورة الثمانون سابقاتها، فالعالم يقف على مفترق طرق، والنظام الدولي يعيش واحدة من أكثر اللحظات حساسية منذ نهاية الحرب الباردة.
المشهد الدولي يتسم بتصاعد التوترات بين القوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا، إلى جانب أزمات إقليمية ملتهبة في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا الشرقية.
كما أن الأزمات المناخية لم تعد مجرد نقاش نظري، بل تحولت إلى واقع يومي يهدد حياة ملايين البشر في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.
أما الاقتصاد العالمي، فيعاني تباطؤًا واضحًا بفعل التضخم، وأزمات الطاقة، واضطرابات سلاسل الإمداد، مما يزيد من صعوبة الأوضاع الاجتماعية في العديد من الدول النامية.
كل ذلك يجعل من منصة الأمم المتحدة ساحة لعرض رؤى القادة حول كيفية تجاوز هذه المرحلة، وإمكانية التوصل إلى توافقات دولية تضمن بناء نظام أكثر عدالة وإنصافًا.
بين التطلعات والرهانات
يحمل شعار الدورة الثمانين "معًا أفضل" رسالة واضحة: لا يمكن مواجهة التحديات العالمية إلا بالتعاون المشترك.
غير أن الواقع يشير إلى صعوبة تحقيق ذلك في ظل التباينات العميقة بين الدول.
فالدول الكبرى تخوض صراع نفوذ وجغرافيا سياسية، بينما تصرخ الدول النامية طلبًا لمساعدات تنموية ودعم مالي لمواجهة أزمات الديون والكوارث المناخية.
كما أن ملفات مثل إصلاح مجلس الأمن تظل على الطاولة منذ سنوات دون تقدم ملموس، ما يثير تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة نفسها على مواكبة تحولات القرن الحادي والعشرين.
فالدول الأفريقية والآسيوية ترى أن النظام الدولي الحالي لا يعكس توازن القوى الحقيقية، وأنه يكرّس امتيازات لدول محدودة على حساب الغالبية.
ومن بين أبرز الملفات المطروحة بقوة في هذه الدورة، يأتي ملف التغير المناخي.
فقد أثبتت الكوارث الطبيعية الأخيرة، من فيضانات مدمرة إلى موجات حر وجفاف غير مسبوقة، أن العالم يتجه نحو أزمة وجودية إن لم يتم التحرك بشكل عاجل.
الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، حذّر مرارًا من أن "الكوكب يرسل إشارات استغاثة"، داعيًا الدول الكبرى إلى الوفاء بتعهداتها المتعلقة بخفض الانبعاثات وتقديم التمويل للدول الأكثر تضررًا.
إلا أن الخلافات بين الشمال والجنوب، وبين الدول الصناعية والنامية، لا تزال تعرقل التوصل إلى حلول حقيقية، وهو ما سيجعل نقاشات المناخ في الدورة الثمانين نقطة اختبار حقيقية لمدى جدية المجتمع الدولي.
النزاعات الدولية والبحث عن مخرج
النزاعات المسلحة أيضًا ستكون محورًا أساسيًا في كلمات القادة. الحرب في أوكرانيا لا تزال تلقي بظلالها الثقيلة على العلاقات الدولية، بينما تتواصل الأزمات في غزة واليمن والسودان وليبيا، إضافة إلى تصاعد التوترات في بحر الصين الجنوبي.
وتتجه الأنظار إلى ما إذا كان بإمكان الأمم المتحدة أن تلعب دورًا أكثر فاعلية في التوسط بين أطراف هذه النزاعات، أم ستظل عاجزة أمام انقسام مجلس الأمن وتعارض مصالح أعضائه الدائمين.
العدالة والتنمية وحقوق الإنسان
لم يأت اختيار شعار الدورة اعتباطيًا، فالتركيز على السلام والتنمية وحقوق الإنسان يعكس إدراكًا بأن هذه القضايا مترابطة.
فلا يمكن تحقيق تنمية حقيقية في ظل الحروب، ولا يمكن ضمان حقوق الإنسان في ظل الفقر والجوع والكوارث.
العديد من الدول ستسعى إلى استغلال المنصة للدعوة إلى تعزيز التعاون في مجالات التعليم والصحة والتنمية المستدامة.
كما ستُطرح قضايا المهاجرين واللاجئين، التي باتت تؤرق العالم مع تزايد موجات النزوح الناتجة عن الصراعات والكوارث البيئية.
نيويورك.. ملتقى العالم
بموازاة كلمات القادة في قاعة الجمعية العامة، تتحول نيويورك إلى عاصمة دبلوماسية تعج باللقاءات الثنائية والمتعددة الأطراف على هامش الاجتماعات الرسمية. هذه اللقاءات غالبًا ما تكون مسرحًا للاتفاقات السياسية، أو لإدارة الخلافات بعيدًا عن الأضواء.

وفي هذا الإطار، تكتسب الدورة الـ80 أهمية إضافية، إذ من المتوقع أن تشهد مباحثات حساسة بين قادة الدول الكبرى حول ملفات الطاقة، والأمن السيبراني، وإصلاح المؤسسات المالية الدولية.
هل يتحقق الشعار؟
يبقى السؤال المحوري: هل سيتحول شعار "معًا أفضل" إلى واقع ملموس؟ أم ستظل الكلمات مجرد خطابات احتفالية لا تتبعها خطوات عملية؟
التاريخ يثبت أن الأمم المتحدة، رغم كل ما يوجه إليها من انتقادات، تبقى الإطار الأوسع للحوار العالمي.
لكنها في الوقت ذاته ليست قادرة وحدها على فرض الحلول، بل تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية من الدول الأعضاء.
الدورة الثمانون للجمعية العامة للأمم المتحدة ليست مجرد اجتماع بروتوكولي، بل هي محطة فارقة في تاريخ المنظمة والعالم على حد سواء.
فهي تعكس التحديات العميقة التي يواجهها النظام الدولي، وتختبر قدرة القادة على تجاوز خلافاتهم من أجل بناء مستقبل أكثر استقرارًا وعدالة.
ويبقى الأمل أن تحمل كلمات القادة هذا العام شيئًا من الصدق والجدية، وأن تتحول نيويورك بالفعل إلى منصة لوضع أسس عالم أكثر تعاونًا وإنصافًا، يليق بشعار الأمم المتحدة في عيدها الثمانين: "معًا أفضل.. من أجل السلام والتنمية وحقوق الإنسان".