مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رؤية تحليلية لحالة الجمود السياسي وازدواجية الخطاب الأميركي

"فيتو بلا مفاوضات ومفاوضات بلا نتائج".. غزة رهينة القرار الأميركي

نشر
الأمصار

في خطوة أثارت استياءً دوليًا واسعًا، استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية، مساء الأربعاء، حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي لإفشال مشروع قرار يدعو إلى وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة، الذي يشهد حربًا مستمرة منذ قرابة عامين.

هذه هي الاحتمالات وكلها سيئة.. كاتب إسرائيلي: من سيحكم غزة؟

هذه هي المرة السادسة التي تستخدم فيها واشنطن الفيتو منذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر 2023، ما يعكس إصرارًا أميركيًا على توفير غطاء سياسي ودبلوماسي لإسرائيل، رغم تصاعد الكارثة الإنسانية في القطاع وتزايد الضغوط الدولية لوقف القتال.

دعم واسع للمشروع... وواشنطن تُفشل القرار وحدها

حصل مشروع القرار على دعم 14 دولة من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن، لكن الولايات المتحدة انفردت باستخدام الفيتو، مبررة ذلك بأن مشروع القرار "غير متوازن" ولا يحمّل "حماس" مسؤولية استمرار النزاع.

وقالت المبعوثة الأميركية لدى الأمم المتحدة، مورغان أرتاغوس:"الولايات المتحدة ترفض هذا القرار غير المقبول، وتواصل العمل مع شركائها لإنهاء هذا النزاع المروّع... لكن لا يمكن أن يتحقق ذلك دون الإفراج عن الرهائن واستسلام حماس".

في المقابل، قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة، داني دانون، إن "القرارات ضد إسرائيل لن تحرر الرهائن، ولن تحقق الأمن في المنطقة"، في تعبير واضح عن تمسك إسرائيل بالحل العسكري.

لماذا لم تندلع حرب شاملة في غزّة | Brookings

تصعيد ميداني: "قوة غير مسبوقة" في مدينة غزة

عقب الفيتو بساعات، أعلن الجيش الإسرائيلي عن توسيع عملياته العسكرية في قطاع غزة، مهددًا باستخدام ما وصفها بـ"قوة غير مسبوقة" في مدينة غزة، وداعيًا المدنيين إلى إخلائها فورًا.

وقالت قيادة الجيش في بيان: "نُحضّر لمرحلة أكثر حسماً في العمليات البرية، ونُطالب السكان بالمغادرة حرصًا على سلامتهم".

في المقابل، أفادت مصادر فلسطينية بمقتل 11 شخصًا منذ فجر اليوم نتيجة الغارات والقصف المدفعي، بالإضافة إلى إصابة العشرات، في ظل استمرار انهيار الخدمات الصحية وتوقف معظم المستشفيات عن العمل.

الحرب وتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة

محللون: الفيتو "ضوء أخضر" للتصعيد ومسمار جديد في نعش المفاوضات

يرى مراقبون أن الفيتو الأميركي الأخير يعمّق الجمود السياسي، ويقوّض أي أمل في العودة إلى مفاوضات تهدئة ذات مغزى.

وقال السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية:

أما المحلل السياسي الفلسطيني نزار نزال، فذهب أبعد من ذلك، معتبراً أن الفيتو "يكشف أن قرار استمرار الحرب لم يعد في يد نتنياهو فقط، بل في يد واشنطن أيضاً"، مضيفاً: 

"أي مفاوضات قد تعود بعد هذا الفيتو ستكون بلا مفعول، وهدفها الوحيد هو كسب الوقت وتوفير غطاء دبلوماسي للتهجير والتصعيد".

الضفة الغربية وقطاع غزة

تحرّك دبلوماسي موازٍ في الأمم المتحدة... وغياب فلسطيني

يأتي هذا التطور في وقت يتجه فيه أكثر من 140 رئيس دولة وحكومة إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستُهيمن عليها هذا العام قضية فلسطين ومستقبل غزة.

لكن الوفد الفلسطيني لن يشارك، بعدما رفضت الولايات المتحدة منح تأشيرات للرئيس محمود عباس وأعضاء الوفد المرافق، بحسب ما أفادت به "وكالة الصحافة الفرنسية".

وتُحضّر فرنسا والمملكة العربية السعودية لعقد اجتماعات رفيعة المستوى الاثنين المقبل، لمناقشة سبل إحياء "حل الدولتين" ودعم الاعتراف بدولة فلسطينية، خصوصًا بعد أن أقرّت الجمعية العامة بالأمم المتحدة، بأغلبية ساحقة، قرارًا يدعو إلى قيام دولة فلسطينية، وإن بدون إشراك "حماس".

جهود مصرية-سعودية-قطرية مستمرة رغم الانسداد

وفي موازاة ذلك، عقد وزيرا خارجية مصر والسعودية اجتماعًا في الرياض، الخميس، لمناقشة الترتيبات الخاصة بـ مؤتمر دولي حول فلسطين يُعقد على هامش اجتماعات الأمم المتحدة يوم 22 سبتمبر.

وأكد الوزيران ضرورة وقف فوري للعمليات العسكرية، وضمان دخول المساعدات الإنسانية دون عوائق، بالإضافة إلى توسيع دائرة الاعتراف الدولي بدولة فلسطين.

وفي السياق نفسه، أجرى وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي اتصالاً بنظيره القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، لمتابعة التنسيق بشأن جهود التهدئة، وسط تحذيرات من "تداعيات إنسانية كارثية" نتيجة استمرار الحرب.

غادرتُ غزة في رحلة عمل والآن لا يمكنني العودة. مشاهدتها عن بعد وهي تنزف  كابوس. | Human Rights Watch

انفجار في رفح... ومؤشرات على تصعيد أوسع

أعلنت إسرائيل، مساء الخميس، عن مقتل 4 جنود وإصابة 3 آخرين، جراء انفجار عبوة ناسفة استهدفت آليتهم العسكرية قرب مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وهو ما قد يدفع باتجاه مزيد من التصعيد الميداني، بحسب مراقبين.

تحذير إسرائيلي من ضرب مدينة غزة بقوة "غير مسبوقة" | سكاي نيوز عربية

هل تنجح المقاومة في تغيير المعادلة؟

رغم الجمود السياسي، يرى محللون أن استمرار صمود المقاومة في الميدان قد يُجبر إسرائيل وواشنطن على العودة إلى طاولة المفاوضات.

وقال نزار نزال: "الهدنة لن تأتي عبر طاولة مفاوضات خالية من النتائج، بل إذا فرضت المقاومة أوراق قوة ميدانية تُجبر الطرفين على قبول صفقة شاملة. الميدان هو مَن سيحدد توقيت وقف النار".

من جانبه، شكك رخا أحمد حسن في إمكانية التوصل إلى تهدئة قبل الذكرى السنوية لهجوم 7 أكتوبر، معتبرًا أن الحكومة الإسرائيلية تسعى لتحقيق مكاسب عسكرية لتُوظفها سياسيًا في الداخل.

الفيتو الأميركي السادس لا يمثل مجرد موقف دبلوماسي، بل هو رسالة سياسية واضحة: لا وقف للحرب في غزة دون شروط أميركية وإسرائيلية. وفيما تتصاعد المعاناة الإنسانية في القطاع، يبدو أن الأفق السياسي مسدود، ما لم تتغير موازين القوة على الأرض، أو يتحرك المجتمع الدولي خارج مظلة واشنطن.