مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

احتجاجات فرنسا 18 سبتمبر.. إضرابات واسعة وشلل في النقل العام وتصاعد الغضب بشوارع باريس

نشر
الأمصار

تشهد فرنسا في 18 سبتمبر موجة احتجاجات واسعة غير مسبوقة، بعدما دعت النقابات العمالية والقطاعات الخدمية إلى إضراب عام ومسيرات في مختلف المدن، رفضًا لسياسات الحكومة الاقتصادية وخطط الموازنة الجديدة.

ووفق البيانات الرسمية، تجاوزت التعبئة 230 تحركًا ميدانيًا، ما تسبب في شلل جزئي بوسائل النقل، وإغلاق مئات الصيدليات والمدارس، إضافة إلى تأثيرات كبيرة على حركة العمل في القطاعات العامة والخاصة.

تصاعد الغضب في شوارع باريس ومدن كبرى

مع ساعات الصباح الأولى، بدأت مواكب المتظاهرين تتحرك في مدن فرنسية متعددة مثل نيس، لوهافر، أفينيون، وشيربورغ، بينما استعدت باريس لمسيرة ضخمة بين ساحة الباستيل وساحة الجمهورية وصولًا إلى ساحة الأمة. وقدّر المنظمون عدد المشاركين المتوقع في العاصمة بما يتراوح بين 50 و100 ألف متظاهر، في حين قدرت السلطات إجمالي المشاركين على مستوى البلاد بما قد يصل إلى 800 ألف، وهو رقم يُعدّ من الأكبر منذ تولي الرئيس إيمانويل ماكرون الحكم.

وفي مرسيليا خرجت حشود ضخمة من المرفأ القديم، فيما رصدت وزارة الداخلية الفرنسية ما يقرب من 230 تحركًا في مختلف المدن، إلى جانب 95 محاولة تعطيل للطرقات شارك فيها حوالي 10 آلاف شخص، ما يعكس حجم الغليان الشعبي.

إضرابات قطاعية تضرب التعليم والصحة والنقل

قطاع التعليم الثانوي كان في صدارة الإضراب، إذ أعلن اتحاد “SNES-FSU” أن نسبة مشاركة المدارس الإعدادية والثانوية بلغت 45%، في خطوة تعبر عن الغضب من تدني الأجور وتدهور أوضاع المدارس العامة.
وفي قطاع الصحة، أغلقت نحو 90% من الصيدليات أبوابها احتجاجًا على خفض الحوافز المتعلقة ببعض الأدوية، واصفة القرار الحكومي بـ"الكارثي" على مهنة الصيدلة ومستقبلها.

أما النقل العام، فشهد شللًا واسعًا في باريس، حيث توقفت خطوط مترو رئيسية وأغلقت عشر محطات منها “أوبرا” و“الباستيل” و“الجمهورية”، مما سبب إرباكًا كبيرًا للمواطنين والسائحين على حد سواء.

تعزيزات أمنية مشددة واستنفار حكومي

في مواجهة هذه التحركات، دفعت السلطات الفرنسية بتعزيزات كبيرة من قوات الأمن، واستخدمت مدرعة جديدة تُعرف باسم “السينتور”، مزودة بكاميرات حرارية وقاذفات قنابل مسيلة للدموع، لتأمين المسيرات ومنع أعمال الشغب.
وسجلت الشرطة 58 حالة اعتقال، بينها 11 في العاصمة، فيما وصفت وزارة الداخلية التحركات بأنها "أقل حدة مما كان متوقعًا"، رغم الأرقام الكبيرة التي تكشف استمرار الأزمة بين الشارع والحكومة.

أزمة ثقة ورسائل سياسية قوية

يرى مراقبون أن هذه الاحتجاجات تمثل استمرارًا لأزمة ثقة عميقة بين الحكومة الفرنسية والمواطنين، خصوصًا بعد إجراءات التقشف وخطط الميزانية التي تمس مستوى معيشة الطبقات الوسطى والفقيرة.
ودعا زعيم اليسار الراديكالي جان-لوك ميلانشون أنصاره في مرسيليا إلى الالتزام بأقصى درجات الانضباط لتجنب أي أحداث عنف قد تستغلها الحكومة. كما طالب فابيان روسيل، زعيم الحزب الشيوعي، الحكومة بالاستماع إلى “صرخة الشعب” وتنفيذ إصلاحات اقتصادية عاجلة تضمن حياة كريمة للعمال.

انعكاسات اقتصادية واجتماعية واسعة

توقع خبراء أن تؤدي هذه الاحتجاجات إلى تأثيرات اقتصادية كبيرة، مع توقف حركة النقل والإنتاج في عدة قطاعات، ما قد يزيد من الضغوط على الحكومة التي تواجه بالفعل تحديات تتعلق بالتضخم وارتفاع الأسعار. كما يُخشى أن تؤثر هذه الأزمة على الاستثمارات الأجنبية وثقة الأسواق المالية في الاقتصاد الفرنسي.

تؤكد احتجاجات 18 سبتمبر أن الشارع الفرنسي لا يزال قوة ضاغطة قادرة على فرض مطالبه، رغم محاولات الحكومة امتصاص الغضب عبر وعود بالإصلاح. ومع استمرار الإضرابات وشلل قطاعات حيوية كالتعليم والصحة والنقل، تبقى الأزمة مفتوحة على كل الاحتمالات، في وقت يحتاج فيه الرئيس ماكرون وفريقه إلى خطوات جادة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطنين، قبل أن تتسع رقعة الاحتجاجات وتتحول إلى أزمة سياسية أعمق.