مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

من البلطيق إلى بارنتس.. صاروخ روسي يتحدّى الأطلسي بمناورات "زاباد 2025"

نشر
الأمصار

في خطوة تُعدّ من أبرز التحركات العسكرية الروسية في السنوات الأخيرة، أطلقت روسيا مناورات "زاباد 2025" بالتعاون مع حليفتها الدائمة بيلاروسيا، وسط تصعيد غير مسبوق على الجبهة الغربية، واختبار علني لصواريخ من الجيل القادم، أبرزها الصاروخ "زركون" فرط الصوتي، الذي يعدّ من الأسلحة الاستراتيجية الجديدة في ترسانة موسكو العسكرية. 

موسكو ومينسك تطلقان مناورات "زاباد 2025" العسكرية المشتركة | الشرق للأخبار

هذا التطور يأتي في وقت حساس تتصاعد فيه التوترات مع حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بعد سلسلة من المناوشات والتدخلات العسكرية، كان أبرزها عبور طائرات روسية بدون طيار إلى المجال الجوي البولندي.

طبيعة المناورات وتوقيتها

مناورات "زاباد" (وتعني "الغرب" بالروسية) تُعدّ تدريبات عسكرية ضخمة تُجرى بشكل منتظم بين روسيا وبيلاروسيا، وتهدف إلى اختبار الجاهزية القتالية وتنسيق التحركات الدفاعية والهجومية في حال وقوع نزاع مع دول الغرب. 

 

لكن نسخة 2025 من هذه المناورات جاءت في توقيت بالغ الحساسية، بعد تصاعد الاشتباكات غير المباشرة مع الناتو، وتزايد حدة التوترات في بحر البلطيق والقطب الشمالي.

انطلقت التدريبات بعد وقت قصير من حادثة أثارت جدلًا كبيرًا: عبور نحو 20 طائرة روسية مسيّرة إلى المجال الجوي البولندي، ما اعتبره الناتو تجاوزًا خطيرًا للخطوط الحمراء. 

وردًّا على ذلك، قامت قوات التحالف بتفعيل أول ردّ عسكري مشترك منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تم نشر طائرات مقاتلة من بولندا، وهولندا، وإيطاليا، بالإضافة إلى منظومات دفاع جوي من طراز "باتريوت" قدمتها ألمانيا، وطائرات دعم لوجستي وتزود بالوقود متعددة المهام.

المناطق المستهدفة في المناورات

تشمل مناطق التدريبات مساحات استراتيجية حساسة، من بحر البلطيق، الذي تطل عليه العديد من دول الناتو، إلى بحر بارنتس في الشمال، والذي يمثل بوابة روسيا إلى القطب الشمالي. في شبه جزيرة كولا، الواقعة ضمن الدائرة القطبية الشمالية، تحتفظ موسكو بواحدة من أقوى القواعد العسكرية البحرية، وتضم الأسطول الشمالي الروسي وعددًا من غواصاتها النووية الاستراتيجية.

خلال هذه المناورات، قامت الفرقاطة الروسية "أدميرال جولوفكو" – إحدى أحدث سفن الأسطول الشمالي – بإطلاق صاروخ "زركون" من على متنها باتجاه هدف بحري محدد مسبقًا، وتمكنت من تدميره بدقة عالية.

مناورات زاباد 2025: أزمة الدفاع الجوي في الناتو - جريدة الحرة

زركون.. سلاح الجيل القادم

صاروخ "زركون" يعتبر من أبرز مشاريع التسليح الروسي الحديثة، وينتمي إلى فئة الأسلحة الفرط صوتية (Hypersonic)، والتي يمكنها الطيران بسرعات تفوق سرعة الصوت بعدة مرات، ما يجعل اعتراضها بواسطة الدفاعات الجوية التقليدية أمرًا بالغ الصعوبة.

بحسب المعلومات الرسمية، يستطيع صاروخ "زركون" الطيران لمسافة تصل إلى 1000 كيلومتر (620 ميلاً)، وبسرعات تبلغ ماخ 9، أي تسعة أضعاف سرعة الصوت، مع قابلية تنفيذ مناورات معقدة خلال تحليقه، مما يمنحه ميزة استراتيجية كبرى سواء في الهجوم المفاجئ أو الردع النووي.

كما أكدت منظمة تحالف الدفاع الصاروخي (Missile Defense Advocacy Alliance) أن هذا النوع من الصواريخ يُشكّل تحولًا في موازين القوى العالمية، ويهدد بفعالية الهيمنة الغربية في مجال الدفاعات الجوية.

التعرف على الزركون: صواريخ كروز تفوق سرعتها سرعة الصوت سيتم تسليمها إلى  البحرية الروسية

رسائل سياسية وعسكرية إلى الناتو

تحمل المناورات الروسية في طياتها رسائل متعددة الأبعاد، سواء إلى الناتو أو إلى الداخل الروسي. فبينما يرى الغرب في هذه التدريبات استفزازًا متعمدًا وتهديدًا مباشرًا لحلف شمال الأطلسي، تعتبرها موسكو خطوة مشروعة لحماية حدودها ومصالحها القومية.

المنطقة التي أُطلق فيها صاروخ "زركون" ليست بعيدة عن الحدود مع النرويج، الدولة العضو في الناتو، والتي تشترك مع روسيا بحدود بحرية في الشمال. كما أن بحر البلطيق – أحد مسارح التدريب – تحوّل إلى ما يُسمّى بـ"بحيرة الناتو"، بسبب وقوع أغلب شواطئه تحت سيطرة الدول الأعضاء في الحلف، مثل إستونيا ولاتفيا وليتوانيا والسويد وفنلندا.

هذا الوجود المتنامي للناتو في محيط روسيا، لا سيما بعد انضمام فنلندا والسويد إلى الحلف، دفع الكرملين إلى تعزيز وجوده العسكري في الشمال بشكل غير مسبوق، وهو ما برز بوضوح خلال مناورات "زاباد 2025".

بوتين يشيد ويطرح "روشتة سلام"

الناتو وروسيا ـ هل تُعدّ مناورات "زاباد 2025" تمهيدًا لهجوم جديد؟ - المركز  الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتوانَ عن الإشادة بالصاروخ الجديد، واصفًا إياه بأنه "لا مثيل له عالميًا"، ومؤكدًا أنه جزء من استراتيجية تسليح الجيل القادم، الهادفة إلى ضمان المصالح الوطنية الروسية، وردع أي تهديدات خارجية محتملة.

وفي الوقت نفسه، طرح بوتين ما وصفه بـ"روشتة إحلال السلام" مع أوكرانيا، في مبادرة أثارت ردود فعل متباينة. فقد طالب بانسحاب القوات الأوكرانية من المناطق الأربع التي أعلنت روسيا ضمّها في 30 سبتمبر 2022، وهي: لوهانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، والتي تمثل نحو 19% من الأراضي الأوكرانية.

في المقابل، أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن أي مفاوضات يجب أن تبدأ من الوضع الميداني الحالي، حيث تسيطر القوات الأوكرانية على أجزاء من تلك المناطق. وقد رفضت كييف وحلفاؤها في الغرب "روشتة بوتين"، معتبرين أنها تكرّس احتلالًا غير قانوني، وتمنح موسكو مكاسب ميدانية دون مقابل.

التصعيد المحتمل ومستقبل المنطقة

بحسب محللين غربيين، فإن المناورات الروسية، إلى جانب إطلاق صواريخ فرط صوتية على مقربة من حدود الناتو، تُعدّ تصعيدًا محسوبًا يهدف إلى استعراض القوة وإجبار الغرب على إعادة النظر في دعمه لأوكرانيا. ل

كن هناك أيضًا مخاوف من أن يتحول هذا التصعيد إلى مواجهة مباشرة، لا سيما مع ازدياد الحوادث على الحدود، وكثرة المناورات المتبادلة.

ويشير مراقبون إلى أن القطب الشمالي قد يتحول إلى مسرح المواجهة المستقبلية، بسبب احتوائه على موارد طاقة ضخمة وممرات بحرية استراتيجية جديدة بفعل ذوبان الجليد، وهو ما يفسّر تكثيف روسيا من وجودها العسكري في هذه المناطق.

في ظل مناورات "زاباد 2025"، تُظهر روسيا مرة أخرى أنها مستعدة للمواجهة على أكثر من جبهة، باستخدام أسلحة وتقنيات فائقة التطور، مثل صاروخ "زركون". وبينما يواصل الناتو حشد قواته وتوسيع رقعة نفوذه، يبدو أن المواجهة الكبرى بين الشرق والغرب لا تزال في مرحلة "العضّ على الأصابع"، دون أن يتنازل أحد الطرفين عن أوراقه.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: هل تنجح هذه العروض العسكرية في فرض واقع سياسي جديد؟ أم أن المنطقة تسير نحو صراع مفتوح قد يعيد رسم خريطة العالم الجيوسياسية بالكامل؟