مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رضوان السيد يكتب: «الهجوم على قطر والسياسات الأميركية»

نشر
رضوان السيد
رضوان السيد

في المثل الشعبي اللبناني أن الوسيط له ثلثا القتلة! هاجمت إيران قطر للانتقام من الولايات المتحدة. أما إسرائيل فهاجمت قطر للانتقام من «حماس»! في حين علّقت الرئاسة الأميركية بأنّ الهجوم الإسرائيلي على قطر لا يخدم مصالح إسرائيل ولا مصالح الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنّ الرئيس الأميركي دونالد ترمب يذهب إلى أن الهجوم قد تكون فيه فرصة للسلام! إنما في النتائج: ماذا لو اشتكت دولة قطر لمجلس الأمن، هل تسمح الولايات المتحدة بتمرير إدانةٍ لإسرائيل من دون الفيتو؟ الشائع أن قيادة «حماس» كانت تريد الاجتماع بالدوحة للنظر في الاقتراح الأميركي الأخير للصفقة الشاملة، لكنّ إسرائيل بهجومها الصاعق لم تمكنها من ذلك. فهل بلغت بإسرائيل الجرأة أن تَحُول دون تحقُّق الصفقة التي اقترحتها أميركا. يبدو أنّ المسألة كذلك لأنّ إسرائيل سبق أن أوقفت قبل شهورٍ مقترحاً قدمه مندوب الرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، وويتكوف نفسه هو الذي يفاوض هذه المرة أيضاً لإحقاق مبادرة رئيسه وهي مشابهةٌ للسابق، لكنها سُميت صفقةً شاملة باعتبارها ذات مرحلة واحدة وليست تدرجية أو ذات خطوات مثلما كان عليه المقترح السابق!

هناك مسائل عدة تُطرح مرةً واحدة. فطوال ما يقرب من ثلاث سنوات صار واضحاً أن إسرائيل كانت تدافع عن أمنها عندما يلوح خطر كان يأتي من أذرع إيران. لكنها بعد هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 اتخذت استراتيجيات هجوم تتمثل في السعي من طريق التفوق العسكري لإحقاق أهداف عدة مرةً واحدة: إنهاء الأذرع وصولاً إلى مهاجمة إيران نفسها، والسعي لإنهاء القضية الفلسطينية بحرب الإبادة والاستيلاء على الضفة والقدس وإنهاء السلطة الفلسطينية. وتصديع أمن الدول المحيطة وفي مقدمتها سوريا ولبنان والعراق، وأخيراً الإعلان عن تغيير وجه الشرق الأوسط، فالمصير إلى إقامة إسرائيل الكبرى.

كل هذا الجنون لم يستند إلى التفوق العسكري الذاتي فقط، بل إلى الدعم الأميركي المطلق من أيام بايدن والذي بلغ ذروته أيام الرئيس ترمب. لكنّ استراتيجية ترمب كانت مختلفةً عن استراتيجية إسرائيل باستثناء تلك الحيرة تجاه غزة. لدى ترمب حلفاء موثوقون بالمنطقة. وسياسته المعلنة من أجل السلام أن تصبح اتفاقيات إبراهيم شاملة فتأمن إسرائيل وتصبح السيطرة الأميركية شاملةً ومن دون تحدٍ باستثناء الحيرة مرة أخرى تجاه إيران. وبعد سنتين ونيف تبين للأميركيين أنهم جُرجروا وراء السياسات الإسرائيلية الجديدة. فالحرب على غزة صارت من دون نهاية. واختراقات إسرائيل في سوريا لا تحظى بالاستحسان الأميركي. وحلفاء أميركا الموثوقون ليسوا بمأمنٍ من التغول الإسرائيلي. وإسرائيل ليست مهتمةً بالسلام الإبراهيمي وهي تريد أن تسود المنطقة بنفسها وليس باعتبارها دولةً آمنةً في الظلّ الأميركي. هي لا تريد سلاماً وأمناً وازدهاراً وسط محيطٍ مسالم، بل دولة استيلاء بالقوة العسكرية وحسب.

حتى بالنسبة إلى أميركا، فإنّ الهجوم على قطر ليس عابراً. إنه مرحلة جديدة في تغيير وجه الشرق الأوسط، وتحقيق إسرائيل الكبرى. دخلت إسرائيل بالقوة العسكرية إلى الجزيرة حصن أميركا الحصين منذ الحرب العالمية الثانية. فلنتذكر أن أميركا شنت حرباً عالميةً لتحرير الكويت، وما غفرت لصدّام حسين التطاول حتى أزالته عام 2003. ومنطقة الجزيرة التعامل معها أصعب بكثير من التعامل مع الشرق الأوسط المتصدع والمفكَّك. ولنتذكر أنّ أُسامة بن لادن خرج عليها من الجزيرة وإن يكن عبر أفغانستان. لكن حتى في الشرق الأوسط، ما الذي يمكن فعله مع سبعة أو ثمانية ملايين فلسطيني الذين لا يمكن إبادتهم أو إلغاء معناهم السياسي. فمنذ بدء حرب غزة في 7 أكتوبر 2023 ما أمكن إلغاء حتى «حماس» رغم الإبادات.

أوروبا تغيرت تجاه إسرائيل وتجاه القضية الفلسطينية. وترمب بدا غاضباً أو خائباً تجاه ضرب قطر، وراح يعتذر من حاكمها ويعده بضمان عدم تكرار ذلك. ما عاد ترمب يستطيع التسليم والصمت إزاء التغول على الأصدقاء والحلفاء في مقابل تنازل نتنياهو بإعلامه بالضرب هنا وهناك. والإغارة هذه المرة لم تتجاوز الشرق الأوسط إلى الجزيرة فقط؛ بل جاءت وسط محاولةٍ جديدةٍ لترمب لوقف النار على غزة وعلى سوريا وعلى لبنان، وربما من جديد على إيران!

اعتمدت الدول العربية على مبادرات ترمب للسلام. لكنها ومع تفاقم التغول الإسرائيلي أقدمت بقيادة السعودية على إحياء حلّ الدولتين مع فرنسا ومن ورائهما كبار دول الاتحاد الأوروبي. وعندما هدّدت إسرائيل بضم 82 في المائة من الضفة أعلنت دولة الإمارات أنه من المستحيل قبول ذلك، وستكون للأمر عواقب وخيمة. والهجوم على قطر لن يُواجهَ الإدانة فقط؛ لأن الخطر يواجه دول الخليج والدول العربية الأخرى. والبيت الأبيض يقول إنّ الرئيس ترمب ينظر إلى قطر باعتبارها حليفاً وصديقاً قوياً ويشعر بأسىً شديد لوقوع الهجوم فيها. ولنلاحظ أن البيان يقول «فيها» وليس «عليها»! فماذا لو أنّ ويتكوف كان موجوداً بقطر للتفاوض مع قيادة «حماس» على مبادرة ترمب الجديدة لوقف النار الشامل؟!

كل يوم يحدث غير المنتظر من إسرائيل وليس في فلسطين فقط: فهل تتغير السياسات الأميركية؟

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط