مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"قوة سيبيريا 2".. تحالف الطاقة بين موسكو وبكين يعيد رسم خريطة الغاز العالمية

نشر
تحالف الطاقة بين
تحالف الطاقة بين موسكو وبكين

في خطوة جيوسياسية محورية تعكس التحولات في موازين القوى الاقتصادية والسياسية العالمية، وقّعت الصين وروسيا اتفاقية لإنشاء خط أنابيب الغاز العملاق "قوة سيبيريا 2"، وهو مشروع استراتيجي يهدف إلى إعادة تشكيل تدفقات الطاقة العالمية، وتعزيز التعاون بين موسكو وبكين في مواجهة النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة.

اتفاقية لإنشاء خط أنابيب الغاز العملاق "قوة سيبيريا 2"

المشروع، الذي سيمتد من حقول الغاز الضخمة في غرب سيبيريا مرورًا بمنغوليا وصولًا إلى شمال الصين، سيضخ نحو 50 مليار متر مكعب من الغاز سنويًا، ما يجعله من أكبر مشاريع البنية التحتية في قطاع الطاقة خلال العقود الأخيرة.

 العقد الجديد يمتد لـ 30 عامًا، مع توقعات ببدء التشغيل في أوائل ثلاثينيات القرن الحالي، إذا انطلقت أعمال الإنشاء هذا العام أو العام المقبل.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد أن تسعير الغاز في إطار "قوة سيبيريا 2" سيتم وفق آليات السوق الحرة وبنفس الصيغة المعمول بها مع أوروبا، في محاولة لإظهار التزام موسكو بالقواعد التجارية الدولية.

 من جهتها، أعلنت شركة "غازبروم" الروسية، التي وقعت الاتفاق مع "الشركة الوطنية الصينية للبترول"، أن المدفوعات ستتم بالروبل واليوان، ما يعكس رغبة الطرفين في تقليص الاعتماد على الدولار الأمريكي.

صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية لفتت إلى أن هذه الصفقة قد تعيد صياغة مشهد أسواق الغاز العالمية، ليس فقط من حيث توازن العرض والطلب، بل أيضًا على مستوى استراتيجيات الاستثمار والعقود طويلة الأجل. 

إذ إن اعتماد الصين المتزايد على الغاز الروسي المنقول بالأنابيب قد يقلص بشكل ملحوظ وارداتها من الغاز الطبيعي المسال، في رسالة مباشرة إلى المصدرين الرئيسيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة وقطر وأستراليا.

وتأتي هذه الخطوة في وقت تحاول فيه روسيا تعويض خسارتها للأسواق الأوروبية بعد الحرب الأوكرانية والعقوبات الغربية، حيث تراجعت صادراتها إلى أوروبا بأكثر من النصف. 

وتشير بيانات رسمية إلى أن روسيا زودت الصين في العام الماضي بحوالي 22% من وارداتها الغازية، ومع إضافة 50 مليار متر مكعب من خط الأنابيب الجديد إلى جانب الإمدادات القائمة، من المتوقع أن تضاعف موسكو حصتها في السوق الصينية بحلول 2030.

ويمثل حجم الإمدادات المخطط لها من "قوة سيبيريا 2" ما يعادل ثلث صادرات روسيا من الغاز إلى أوروبا قبل اندلاع الحرب، وهو ما يعكس التحول الجذري في بوصلة الطاقة الروسية نحو الشرق. 

في المقابل، يوفر المشروع للصين مصدرًا مستقرًا وبتكلفة تنافسية لتلبية احتياجاتها المتنامية في قطاعات الصناعة والطاقة النظيفة، خاصة مع التزاماتها بخفض الاعتماد على الفحم وتقليص الانبعاثات الكربونية.

الخبراء يرون أن المشروع لا يقتصر على كونه اتفاقًا اقتصاديًا، بل هو تحالف استراتيجي عميق بين موسكو وبكين، إذ يربط أكبر مصدر للغاز في العالم بأكبر مستهلك ناشئ للطاقة. 

كما أنه يوجه ضربة إلى النفوذ الأمريكي في آسيا، حيث تتصاعد المنافسة بين الغاز الروسي عبر الأنابيب والغاز الأمريكي المسال الذي تسعى واشنطن لزيادة صادراته إلى الأسواق الآسيوية.

وبحسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية، فإن الصين ستظل المحرك الأكبر للطلب العالمي على الغاز حتى عام 2040، ما يجعلها ساحة رئيسية للتنافس بين الموردين الدوليين. 

وفي هذا السياق، فإن "قوة سيبيريا 2" قد يشكل أحد أهم التحولات في خريطة تجارة الغاز العالمية خلال العقد المقبل، مع ما يحمله من انعكاسات جيوسياسية واقتصادية عميقة.

وأُعلن الاتفاق خلال لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الصيني شي جينبينغ في بكين، حيث أوضحت شركة «غازبروم» الروسية أنها وقّعت مذكرة بناء ملزمة قانوناً مع الجانب الصيني بشأن المشروع الذي طال انتظاره.

تفاصيل الاتفاق والتحفظات

وعلى الرغم من الطابع الملزم للاتفاقية، فإنها لا تزال تفتقر إلى تفاصيل التسعير، وهي العقبة الرئيسية التي عطّلت المفاوضات لسنوات، حسب تقرير لصحيفة «فاينانشال تايمز». وقال الرئيس التنفيذي لـ«غازبروم»، أليكسي ميلر، إن المحادثات ستتركز في المرحلة المقبلة على تمويل البناء والشروط التجارية للتوريد، متعهداً بالكشف عن التفاصيل التجارية لاحقاً.

ويُتوقع أن ينقل الخط الجديد 50 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً عبر منغوليا إلى الصين، على أن يمتد العقد الجديد لمدة 30 عاماً، مع إمكانية بدء تشغيله في أوائل ثلاثينات القرن الحالي إذا بدأ البناء هذا العام أو العام المقبل.

وبالتوازي مع الاتفاق، أعلنت موسكو وبكين توقيع اتفاقيات تجارية لزيادة الإمدادات عبر الخطوط القائمة بمقدار 8 مليارات متر مكعب، ليرتفع إجمالي التدفقات إلى 56 مليار متر مكعب قبل اكتمال خط «قوة سيبيريا-2». وشارك في المحادثات الثلاثية رئيس منغوليا خوريلسوخ أوخنا، إذ سيمر الخط عبر أراضي بلاده.

وقال ميلر إن المشروع سيعزّز الترابط الإقليمي، فيما أكد الرئيس الصيني أن «الربط الإلكتروني والبنية التحتية العابرة للحدود يجب أن تكون اتجاهاً رئيسياً لتعزيز التعاون بين الدول الثلاث».