«نتنياهو» في مأزق غزة.. وتوقعات «ترامب» تصطدم بالواقع

في الوقت الذي تُواصل فيه آلة الحرب الإسرائيلية حصد الأرواح والدمار في «قطاع غزة»، يجد رئيس الوزراء الإسرائيلي، «بنيامين نتنياهو»، نفسه أمام مأزق سياسي وعسكري مُتصاعد، في ظل ضغوط أمريكية يقودها الرئيس «دونالد ترامب»، الذي كان يتوقع حسمًا سريعًا وواضحًا للمعركة. لكنّ الواقع الميداني وتعقيدات «اليوم التالي» اصطدما بجدار الفشل الإسرائيلي في بلورة استراتيجية مُتماسكة، ما دفع «نتنياهو» إلى الاكتفاء بخطابات فضفاضة وخيارات «مفتوحة» تُخفي عجزًا أكثر مما تُظهر حسمًا.
نتنياهو عاجز وترامب مُحبط
وفي هذا الصدد، كشفت صحيفة «هآرتس» العبرية، أن «نتنياهو» عاجز عن تحقيق تطلعات «ترامب» في غزة، الأمر الذي يدفعه إلى التمترس خلف سياسة «الخيارات المفتوحة»، كغطاء للفشل في اتخاذ قرارات مصيرية. وترى الصحيفة أن هذا النهج يعكس أزمة قيادة مُتفاقمة في إسرائيل، مع تآكل الرؤية السياسية والعسكرية للحرب.

وينتهج «نتنياهو» استراتيجية الخطاب المزدوج التي اعتاد عليها، إذ يبعث برسائل متناقضة للأطراف المختلفة، فبينما يتحدث أمام مؤيديه عن «تفكيك حماس نهائيًا دون رحمة»، تكشف الصحيفة العبرية أنه يبعث برسائل مختلفة تمامًا عن ذلك التوجه.
وقال دبلوماسي كبير للصحيفة: «هذه أيام حاسمة، هناك تطورات تحت السطح قد تفضي لاتفاق»، وهو ما يتماشى مع ما كشفه الصحفي رافيف دراكر في القناة الإسرائيلية الثالثة عشرة، إذ أفاد بأن وزير الشؤون الإستراتيجية، «رون ديرمر» -الرجل الأقرب لنتنياهو- قال إن إسرائيل «لا تستبعد التوصل لصفقة جزئية».
التباين بين ترامب ونتنياهو
تُواجه حكومة نتنياهو تحديًا جوهريًا يتمثل في التباين الشاسع بين توقعات ترامب والواقع العسكري على الأرض، إذ يتوقع الرئيس الأمريكي -الذي تصفه «هآرتس» بأنه يعيش في عالم سطحي يُشبه أفلام الحركة في الثمانينيات- أن تُحقق العملية العسكرية نصرًا حاسمًا على «حماس» خلال أسابيع قليلة، مُعتقدًا أن القوة العسكرية وحدها كفيلة بقهر ما وصفتهم الصحيفة بـ«الأشرار» وضمان ازدهار إسرائيل، على حد زعمها.
الخطة العسكرية الفعلية التي قدمها «زامير» للمجلس الوزاري المصغر «الكابينت» تختلف جذريًا عن هذه التصورات، وأوضح الأخير أن عملية مدينة غزة ستستغرق ثمانية أشهر كاملة، ولن تبدأ بضربة عسكرية حاسمة كما يتوقع ترامب، بل بعملية مُعقّدة ومحفوفة بالمخاطر لإجلاء (تهجير قسري) السكان المدنيين تدريجيًا.

وأشار مسؤولون في الإدارة المدنية الإسرائيلية المسؤولة عن الشؤون الفلسطينية، بحسب «هآرتس»، إلى أن الظروف المأساوية في غزة لا تُشجّع المدنيين على الانتقال لمخيمات النازحين، إذ إنه «عندما تفقد حياة الإنسان قيمتها وتُصبح كل الخيارات سيئة، فلماذا ينتقل؟».
تحذيرات داخلية لنتنياهو
يدرك نتنياهو حجم الأزمة الدبلوماسية التي تنتظر إسرائيل، وهو ما يتضح من التحذيرات الداخلية التي يتلقاها من وزير الخارجية «جدعون ساعر»، إذ إنه وفقًا للصحيفة العبرية -الذي تنتقده لازدواجية مواقفه بين الخطاب العلني والمواقف الداخلية- يطرح أمام نتنياهو سيناريوهات مُقلقة حول ما قد يُواجه إسرائيل في حالة التوغل العميق في غزة.
تتضمن هذه التحذيرات انتشار صور مؤثرة للمدنيين المتضررين عبر وسائل الإعلام العالمية، ما قد يُؤدي إلى موجة غضب دولية واسعة، كما يتوقع «ساعر» فرض عقوبات أوروبية مُتعددة الأوجه تشمل قيودًا اقتصادية ومنع الطيران وحظر استخدام الأجواء الأوروبية، بالإضافة إلى استبعاد شبه مُؤكّد للفرق الرياضية الإسرائيلية من البطولات الدولية.
رسائل تهدئة من نتنياهو
استجابة لهذه المخاوف، يسعى نتنياهو لضمان وصول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية لغزة، بينما يُكرر رسالة مفادها أن «إسرائيل لا تنوي احتلال القطاع بل تُريد نقل السيطرة لحكومة عربية غير حماس»، لكن «هآرتس» تُشير إلى أن هذا «بالكاد يُشكّل ضمادة للنزيف المتدفق مثل نهر الأمازون».
مع مراعاة كل هذه العوامل، خاصة الضغط الأمريكي، تميل التوقعات نحو سعي نتنياهو لإبرام صفقة، رغم أن مصادر في الدوحة مطلعة على المفاوضات أكدت لـ«هآرتس» عدم رؤيتها أي تغيير في الوضع خلال الشهر الماضي، ولا «أي بادرة تُقدّم أو قرار في الأفق».
نتنياهو وصناعة وهم النجاح
مع نتنياهو -كما تُؤكّد الصحيفة- «لا يُمكن التنبؤ بشيء»، وتتوقع «هآرتس» أن يُلقي -في حالة التوصل لصفقة جزئية- خطابًا مُعدَّ مُسبقًا يقول فيه: «لقد نجحت إستراتيجيتي العسكرية التي تبنيتها رغم معارضة كامل المؤسسة الأمنية في إجبار حماس على تغيير موقفها والقبول بشروط كانت ترفضها من قبل».
في ظل هذا المشهد المُعقّد، يبدو أن «نتنياهو» يُراهن على عامل الوقت أكثر من رهانه على أي إنجاز ميداني حاسم، فيما تتبدد آمال «ترامب» برؤية نصر سريع يُمكن توظيفه سياسيًا. وبين ضغوط الداخل الإسرائيلي، ومطالب الخارج الأمريكي، يُواصل نتنياهو السير على حافة الأزمة، دون استراتيجية واضحة تُنهي الحرب أو تُمهّد لليوم التالي، ما يجعل غزة مرآةً للفشل السياسي لا مُجرد ساحة معركة عسكرية.