أول شحنة من مشروع الغاز الروسي الخاضع للعقوبات تصل إلى الصين

في تطور لافت على صعيد العلاقات الروسية-الصينية وسوق الطاقة العالمي، رست أول ناقلة غاز طبيعي مسال من مشروع "أركتيك إل إن جي 2" الروسي، الخاضع للعقوبات الغربية، في محطة استقبال بجنوب الصين، وفقًا لبيانات تتبع السفن الصادرة عن شركتي Kpler وLSEG.
الناقلة المعنية، المسماة "أركتيك مولان" (Arctic Mulan)، أفرغت شحنتها في محطة "بايهاي" الواقعة بمقاطعة قوانغشي الصينية، في 28 أغسطس، بعد رحلة استثنائية بدأت في وقت سابق من هذا العام من منشأة روسية عائمة لتخزين الغاز في أقصى الشرق الروسي.
مسار بحري طويل ومعقد
تُظهر البيانات أن "أركتيك مولان" كانت متوقفة قبالة السواحل المصرية بين فبراير وأبريل 2025، قبل أن تعبر قناة السويس متجهة نحو البحر الأحمر، ثم واصلت طريقها شرقًا عبر جنوب شرق آسيا.
وفي 3 يونيو، وصلت إلى وحدة التخزين الروسية العائمة "كورياك" الواقعة قبالة شبه جزيرة كامتشاتكا، حيث تم تحميل الشحنة هناك، قبل أن تتجه جنوبًا إلى السواحل الصينية.
تسليم أول... واختبار سياسي
في حال تأكيد عملية التفريغ بنجاح، ستكون هذه أول شحنة تجارية يتم تسلمها فعليًا من مشروع الغاز الروسي "أركتيك إل إن جي 2"، الذي يواجه حزمة من العقوبات الأميركية والأوروبية منذ تصاعد الحرب الروسية على أوكرانيا في عام 2022.
ويُنظر إلى هذه العملية على أنها اختبار فعلي لمدى التزام بكين بالعقوبات الغربية، وخصوصًا مع وجود زيارة مرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الصين في سبتمبر المقبل.
وأشار المحلل في "كبلر" غو كاتاياما إلى أن "هذا يبدو أول تسليم رسمي للمشروع منذ بدء عمليات التحميل التجريبية في أغسطس 2024"، مرجّحًا أن التوقيت مرتبط بإشارات سياسية متعمّدة من موسكو قبل زيارة بوتين.
ناقلة خاضعة للعقوبات
يُذكر أن الناقلة "أركتيك مولان" نفسها مدرجة ضمن قائمة العقوبات الأميركية التي تستهدف مالكي ومديري سفن الغاز الطبيعي المسال الروسية، ضمن مساعٍ لحرمان موسكو من عائدات النفط والغاز التي تموّل آلة الحرب في أوكرانيا.
وقال جان-إريك فاهنريش، المحلل في شركة "ريستاد إنرجي"، إن "الرحلة إلى الصين لا تبدو ناتجة عن طلب فوري على الغاز، بل بمثابة اختبار سياسي لرد فعل واشنطن على تجاوز هذه العقوبات". وأضاف: "ما إذا كانت هذه الشحنة حدثًا فرديًا أم فاتحة لموجة جديدة من الصادرات، سيعتمد بدرجة كبيرة على رد فعل الرئيس الأميركي دونالد ترامب".
تداعيات استراتيجية على سوق الطاقة
يأتي هذا التطور في ظل استمرار روسيا في تحويل مسارات صادرات الطاقة شرقًا، في مواجهة القيود الغربية المفروضة عليها، خاصة في قطاع الغاز. ويمثل مشروع "أركتيك إل إن جي 2"، الواقع في منطقة القطب الشمالي الروسي، محورًا رئيسيًا في هذه الاستراتيجية، إذ صُمم بطاقة إنتاجية تصل إلى 19.8 مليون طن سنويًا، ما كان سيجعله أحد أكبر مشاريع الغاز المسال في روسيا.
لكن العقوبات عطّلت بشكل كبير التقدم في المشروع، سواء على مستوى الشحن، أو المعدات الغربية، أو التمويل الدولي. وتشير بيانات "كبلر" إلى أنه خلال العام الماضي، تم تحميل ثماني شحنات من المشروع، أربع منها نُقلت إلى وحدة التخزين "كورياك"، بينما تم تحميل خمس شحنات فقط منذ بداية 2025، تتجه جميعها عبر طريق البحر الشمالي.
الطريق الشمالي البحري: رئة جديدة للصادرات الروسية
يُعد طريق البحر الشمالي الذي يمر عبر القطب الشمالي الروسي مسارًا بديلاً واستراتيجيًا للصادرات الروسية إلى آسيا، خاصة في ظل صعوبة استخدام الموانئ الغربية بسبب العقوبات.
ويمثل استخدام هذا الطريق من قبل ناقلات الغاز تحديًا مباشرًا للمساعي الغربية لعزل روسيا اقتصاديًا، إذ يسمح لموسكو بتجاوز بعض نقاط الضغط التقليدية مثل مضيق جبل طارق أو قناة السويس.
موقف الصين: شراكة أم مناورة؟
رغم أن بكين لم تعلن رسميًا عن استلام شحنات من المشروع الخاضع للعقوبات، فإن استقبال الشحنة في محطة "بايهاي" يعبّر ضمنيًا عن استعدادها للتعاون مع موسكو في ملف الطاقة، متجاهلة التهديدات الأميركية.
وتؤكد تقارير سابقة أن الصين وروسيا تسعيان إلى تعميق تعاونهما في قطاع الطاقة، عبر مشاريع استراتيجية بعيدة الأمد، تشمل النفط، الغاز، والطاقة النووية. وقد تم توقيع عدة اتفاقيات خلال العامين الماضيين، تتضمن تطوير خطوط نقل الغاز عبر سيبيريا، واستخدام الروبل واليوان في المعاملات الثنائية.