مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

جمعة بوكليب يكتب: «ترمب بين مطرقة أوروبا وسندان روسيا»

نشر
جمعة بوكليب
جمعة بوكليب

الحروب دوماً تنتهي بمفاوضات. قد تكون مفاوضات استسلام. خلالها يحضر الطرف المهزوم ليوقّع على وثيقة استسلامه وقبوله شروط المنتصر. مثال ذلك معاهدة فرساي 1919، التي وقّعتها ألمانيا بعد هزيمتها في نهاية الحرب العالمية الأولى.

وهناك مفاوضات تعقد لوقف حرب لم يتمكن فيها أي من الطرفين أو الأطراف المتحاربة من تحقيق نصر نهائي في ميادين المعارك. مثال ذلك مشروع المفاوضات المطروح الآن من قبل الرئيس الأميركي ترمب لوقف الحرب بين روسيا وأوكرانيا لفشل أي منهما، بعد 3 أعوام ونصف عام من الاقتتال، من تحقيق نصر نهائي.

التفاوض في الحالة الثانية أصعب، لأن الأطراف المتفاوضة تريد أن تربح من خلال المفاوضات، ما فشلت في ربحه بالمعارك الميدانية (روسيا)، أو من جهة أخرى ألا تخسر ما لم تخسره في الحرب (أوكرانيا).

التفاوض حول التفاوض وشروطه ومن يحضره والضمانات، والنقاش الساخن حوله حالياً في وسائل الإعلام، أو وراء أبواب مغلقة في عواصم عديدة ليس غريباً ولا جديداً، ومتوقع من أطراف ينعدم وجود الثقة بينهم. وهو كذلك بمثابة وضع خرائط طريق من جانب كل طرف تحسّباً للفخاخ المحتمل نصبها من الطرف الآخر.

في مقر حلف الناتو، استدعوا جنرالاتهم العسكريين لتصميم خريطة طريق تقود إلى حصول أوكرانيا على ما تستحق من ضمانات أمنية تقيها شرّ عودة القوات الروسية إلى غزو أراضيها مجدداً. وبريطانيا أرسلت رئيس أركان قواتها المسلحة إلى واشنطن ليعمل ضمن فريق مكون من نظرائه الأميركيين على تصميم خطة ضمانات أخرى، في مدة لا تزيد عن 10 أيام، حسب وسائل الإعلام.

الرئيس الروسي بوتين منح أوكرانيا ضمانة سلام نهائي إذا قبلت شروطه بتسليمها الجزء المتبقي تحت سيطرتها من إقليم دونباس. الأوروبيون عدّوا المطلب الروسي ابتزازاً.

التقارير الإعلامية تؤكد أن كفة القوات الروسية ما زالت الأرجح حتى الآن في ميادين المعارك. لكنّها لم تستطع زحزحة القوات الأوكرانية المدافعة على ذلك الجزء من إقليم دونباس. الرئيس بوتين يلعب على كسب مزيد من الوقت لإدراكه أن القوات الأوكرانية في وضعها الحالي، لا تستطيع الصمود طويلاً كونها تعاني عجزاً في القوات المقاتلة. حِرصُ الرئيس الأوكراني وحلفائه الأوروبيين على طلب وقف إطلاق النار قبل التفاوض ناجم عن رغبتهم في الحصول على هدنة تتيح لأوكرانيا تعويض العجز في الرجال والعتاد. لذلك السبب، رفض الرئيس بوتين الطلب. وبالمقابل، اقترح على الوسيط الأميركي ترمب التخلي عن مطالبته بوقف إطلاق النار، والبدء في عملية تفاوض تهدف بالعملية إلى الوصول إلى اتفاق سلام نهائي، فوافق الأخير، وأثار بذلك استياء حلفائه الأوروبيين.

كان الرئيس الأميركي ترمب من طالب أولاً بوقف إطلاق النار على الجبهات تفادياً لمزيد من القتل والتدمير، والبدء في مفاوضات فيما بعد. لكنه عقب لقائه الرئيس بوتين في ألاسكا، غيّر موقفه وتبنّى موقف الرئيس بوتين، معترفاً بأن وقف إطلاق النار قد يكون في صالح طرف ضد آخر.

المفاوضات تواجه عقبة ليس سهلاً تجاوزها، تتمثل في حرص أوكرانيا وحلفائها الأوروبيين على الحصول مسبقاً على ضمانات أمنية ذات مصداقية تضمن عدم عودة القوات الروسية إلى غزو الأراضي الأوكرانية، لانعدام الثقة بالرئيس بوتين. الرئيس ترمب عرض ضمانة أميركية، شرط موافقة أوكرانيا على توقيع اتفاق السلام.

هناك اختلاف على الضمانات. أوكرانيا وحلفاؤها يرون أن الضمانات لا تكون إلا بوجود قوات أوروبية على أرض أوكرانيا. الرئيس الأوكراني اقترح عدد 200 ألف جندي أوروبي، في حين أن دول «ائتلاف الراغبين» استناداً إلى تقارير إعلامية غربية، لا تستطيع تقديم أكثر من 10 آلاف.

الرئيس الروسي بوتين وضع خطاً أحمر أمام أي محاولة لوضع قوات أوروبية داخل أراضي أوكرانيا، وحذّر وتوعّد حلف دول الناتو من مغبة اللجوء إلى ذلك الخيار. إلا أن ذلك الخيار ما زال قائماً، ومحط نقاش بين قادة دول ائتلاف الراغبين.

يوم الاثنين الماضي، في واشنطن، خلال قمة الثمانية بين أميركا وأوروبا، صرّح الرئيس ترمب بأن أميركا لن ترسل قوات إلى أوكرانيا، لكنها قد تبادر بتوفير غطاء جوي لأي قوات ترسلها أوروبا. وأثار بذلك غضب أنصاره ومؤيديه الرافضين لتورط أميركا في حروب خارجية.

الكرةُ الآن في ملعب الرئيس ترمب. فهو حالياً واقع بين مطرقة حلفائه الأوروبيين وسندان الرئيس بوتين. وعليه البحث عن حلّ متوازن يضمن قبول أوكرانيا تقديم تنازلات أرضية مقابل ضمان السلامة، ويتيح في ذات الوقت للسلام فرصة التحقق بالتفاوض والتراضي، ويقرّبه شخصيّاً خطوات من هدفه في الحصول على جائزة نوبل للسلام.

وقبل هذا وذاك، أتاحت العملية أمام الرئيس ترمب، للمرّة الأولى، فرصة استثنائية ليعرف أن التفاوض بين دول متحاربة من أجل الأرض والاستقلال والسيادة، لا علاقة له بالتفاوض بين رجال أعمال بغرض إبرام صفقات عقارية.

نقلًا عن صحيفة الشرق الأوسط