"عربات جدعون 2" تتمدد.. الجيش الإسرائيلي يستعد لأشهر من القتال في غزة

كشفت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، نقلًا عن مصادر عسكرية وأمنية رفيعة، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يعتزم وقف العملية العسكرية الجارية في قطاع غزة، والمعروفة باسم "عربات جدعون 2"، على الرغم من تغيرات لافتة في الموقف التفاوضي لحركة حماس.
وبحسب الصحيفة، فإن نتنياهو يرى في مواصلة العملية العسكرية الوسيلة الوحيدة للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي الهش، والذي يتعرض لضغوط داخلية متزايدة منذ اندلاع الحرب، في ظل انقسامات حادة حول إدارة الملف الأمني وقضية المحتجزين.
إصرار سياسي رغم الانفراجة التفاوضية
ووفقًا لما نقلته الصحيفة عن مصدر رفيع في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، فإن الانطباع السائد في الأوساط الأمنية هو أن نتنياهو "مصمم على المضي في العملية حتى النهاية"، رغم أن المعطيات الميدانية والدبلوماسية قد تغيرت بشكل كبير في الآونة الأخيرة.
وقال المصدر:
"حتى قبل أسبوعين فقط، كانت إسرائيل تتفاوض عبر خطة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف، والتي كانت تهدف إلى إطلاق سراح عدد محدود من المحتجزين الإسرائيليين، دون التزام واضح بوقف الحرب أو التوصل إلى تسوية شاملة".
إلا أن الوضع تغير، بحسب المصدر، بعد أن أبدت حماس استعدادًا واسعًا للتجاوب مع المطالب الإسرائيلية.
وأضاف:"الآن، وبعد أن وافقت حماس – وفقًا للتقارير – على إعادة عشرة محتجزين أحياء، دون شروط مسبقة، فإن إسرائيل بدأت تُغير لهجتها، وتبتعد عن فكرة الاتفاق الشامل ووقف إطلاق النار".
الجيش يستعد لمرحلة طويلة من القتال
وكشفت الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي بدأ بالفعل وضع خطط لمرحلة جديدة وطويلة من العمليات في قطاع غزة، في ظل قناعة متزايدة بأن الحرب لن تنتهي قريبًا، وأن المرحلة المقبلة قد تستغرق "أشهرًا طويلة"، على حد وصف مصدر عسكري.
وأشار المصدر إلى أن الجيش سيبدأ استدعاء قوات الاحتياط على مراحل، بدءًا من الثاني من سبتمبر/أيلول المقبل، استعدادًا لتوسيع العمليات داخل مدينة غزة ومحيطها.
وقال المصدر:
"نحن ندخل الآن مرحلة معقدة من المعركة، تتطلب موارد بشرية وعسكرية ضخمة، واستعدادًا للقتال داخل بيئة حضرية صعبة، حيث لا يزال لحماس وجود تنظيمي وعسكري نشط، رغم الضربات التي تلقتها".

حماس "ليست قوة تقليدية"... لكنها لا تزال خطرًا
وفي السياق ذاته، صرح مصدر أمني آخر للصحيفة بأن حركة حماس "لم تعد قوة عسكرية منظمة بالمعنى التقليدي"، مشيرًا إلى أن بنيتها التنظيمية تضررت بشكل كبير بفعل العمليات المتواصلة.
ومع ذلك، حذر المصدر من الاستهانة بالحركة، مؤكدًا أن "تفكيرها غير منطقي أحيانًا، وقد تُقدم على خطوات مفاجئة، ما يتطلب حذرًا كبيرًا من جانب الجيش الإسرائيلي".
ويرى مراقبون أن هذه التصريحات تعكس تخوفًا إسرائيليًا من الوقوع في فخ حرب استنزاف طويلة الأمد، خاصة مع عودة الحديث عن العمل العسكري داخل مناطق مكتظة بالسكان المدنيين، مما يزيد من احتمالات الخسائر ويؤجج الضغط الدولي على تل أبيب.
خلفية سياسية معقدة
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي أزمة داخلية متفاقمة، مع تراجع شعبيته في استطلاعات الرأي، وتصاعد الانتقادات من قبل عائلات المحتجزين التي تتهمه بالمماطلة في إنجاز صفقة تبادل توقف الحرب وتنقذ أرواح المحتجزين.
ويرى محللون أن نتنياهو يستخدم عملية "عربات جدعون 2" كسلاح سياسي لإطالة أمد بقائه في السلطة، من خلال إرضاء أحزاب اليمين المتشدد داخل حكومته، وعلى رأسها "الصهيونية الدينية" و"عوتسما يهوديت"، واللتين ترفضان أي اتفاق لا يتضمن "سحق حماس بشكل كامل".
وكان نتنياهو قد صرح الخميس الماضي، في كلمة متلفزة، أنه صادق على خطط الجيش للسيطرة على مدينة غزة، مؤكدًا أن "هزيمة حماس وإطلاق سراح جميع المحتجزين أمران يسيران جنبًا إلى جنب".
كما أشار إلى أنه أعطى الضوء الأخضر لبدء مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب، ولكن "بشروط تتناسب مع المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل"، دون تقديم تفاصيل عن ماهية هذه الشروط.
وزير الدفاع: الحرب مستمرة
من جانبه، أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن الجيش يستعد لمواصلة العمليات العسكرية، وأنه تم استدعاء قوات من الاحتياط والخدمة النظامية والإلزامية للمشاركة في الحرب.
وخلال اجتماع أمني عقد الأربعاء، قال كاتس:
"نستدعي جنودنا الآن من مختلف المستويات، لأننا مصممون على تحقيق ثلاثة أهداف أساسية: إطلاق سراح المحتجزين، وهزيمة حماس، وإنهاء الحرب وفقًا لشروط إسرائيل وليس غيرها".
الآفاق: لا تسوية قريبة في الأفق
في ظل هذه المعطيات، تبدو فرص التوصل إلى تسوية قريبة ضئيلة، خصوصًا مع تباين الأهداف بين مختلف الأطراف.
فبينما أبدت حماس مرونة في بعض النقاط، يبدو أن الجانب الإسرائيلي يراهن على الحسم العسكري أولًا، وربما يراهن على تغييرات إقليمية أو دولية تُعيد صياغة معادلة التفاوض لصالحه.
وتبقى الضغوط الدولية عاملًا غير محسوم، إذ تتصاعد الدعوات من قبل الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان لإنهاء الحرب، وفتح المعابر أمام المساعدات الإنسانية، وسط تقارير عن كارثة إنسانية تلوح في الأفق في قطاع غزة.

وفي غياب تسوية سياسية شاملة، تبقى عملية "عربات جدعون 2" مفتوحة على جميع الاحتمالات، بما في ذلك اتساع رقعة العمليات، أو انزلاق الأمور نحو تصعيد إقليمي أوسع، في حال تفجّرت الجبهات الأخرى، كما حدث سابقًا مع حزب الله في الجنوب اللبناني.