موسكو تلوّح بوقف التقدم العسكري مقابل تنازلات.. وترامب يقود وساطة ثلاثية

في تطور لافت في مسار الأزمة الأوكرانية، كشفت مصادر مطلعة عن تفاصيل اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنظيره الأمريكي دونالد ترامب، حيث قدّم بوتين مقترحات مشروطة لوقف العمليات العسكرية في أوكرانيا، تتضمن انسحابًا أوكرانيًا كاملًا من منطقتي دونيتسك ولوغانسك، الواقعتين شرق البلاد، واللتين تطالب موسكو بضمّهما رسميًا إلى أراضيها ضمن أربع مناطق أعلنت روسيا ضمها منذ عام 2022.

 بوتين وترامب

ووفقًا لمصدرين تحدثا لموقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن المحادثات بين بوتين وترامب جرت وسط سياق سياسي حساس، مع تصاعد الدعوات الدولية لإيجاد تسوية سياسية تنهي الصراع المستمر منذ أكثر من ثلاث سنوات، والذي أودى بحياة الآلاف وخلّف دمارًا هائلًا في البنية التحتية الأوكرانية، فضلًا عن تعميق الانقسام بين روسيا والغرب.

ترامب ينسق قمة ثلاثية تجمع بوتين وزيلينسكي

في سياق متصل، أعلن المصدران أن ترامب يستعد للقاء الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في العاصمة الأمريكية واشنطن، يوم الإثنين المقبل، ضمن سلسلة تحركات دبلوماسية تهدف إلى التمهيد لعقد قمة ثلاثية مرتقبة بين الزعماء الثلاثة، بوتين وزيلينسكي وترامب، وذلك في البيت الأبيض يوم الجمعة القادم، أي في الثاني والعشرين من أغسطس الجاري، إذا ما توافقت الأطراف على التفاصيل النهائية.

وبحسب المعلومات المسربة، فإن ترامب أبلغ قادة أوروبيين، خلال مكالمة هاتفية، بمساعيه لعقد هذا الاجتماع الحاسم، ودعاهم إلى الانضمام إلى نقاشات موسعة ستُجرى في واشنطن، تتمحور حول خيارات السلام الممكنة، وآليات إنهاء الحرب بصورة تحفظ "الحد الأدنى من مصالح جميع الأطراف"، على حد وصفه.

شروط روسية صارمة مقابل وقف إطلاق النار

وبحسب فحوى اللقاء، الذي لم يُعلن عنه رسميًا من الجانبين الروسي والأمريكي، فإن بوتين أبدى مرونة نسبية فيما يتعلق بتجميد خطوط التماس في منطقتي خيرسون وزابوروجيا، وهما منطقتان لا تسيطر روسيا عليهما بشكل كامل، لكن موسكو تطالب بهما كجزء من أراضٍ "روسية جديدة"، بحسب خطاب الكرملين الرسمي منذ إعلان الضم في سبتمبر 2022.

مع ذلك، كان الشرط الأبرز الذي طرحه بوتين يتمثل في انسحاب القوات الأوكرانية من دونيتسك ولوغانسك بشكل كامل، وهو مطلب تعتبره كييف غير قابل للتفاوض، خاصة وأن روسيا لا تسيطر فعليًا على كامل أراضي دونيتسك، الأمر الذي يثير تساؤلات حول مدى واقعية هذا الشرط، وقدرته على تشكيل قاعدة لتفاهم مستقبلي.

وصرّح مصدر أوكراني مطلع على المحادثات أن الموقف الروسي "يعكس تصلّبًا في شروط الكرملين"، لكنه لم يستبعد في الوقت ذاته إمكانية وجود هامش للمناورة، مشيرًا إلى أن موسكو أبدت في أحاديث غير رسمية استعدادًا للتفاوض حول أجزاء محدودة من منطقتي سومي وخاركيف، وهو ما اعتبره البعض محاولة روسية لتوسيع نفوذها الإقليمي مستغلة الجمود الميداني الحاصل منذ أشهر.

 طلبات بوتين: اعتراف بالسيادة وضمانات أمنية بشروط

من بين النقاط الأكثر حساسية التي طُرحت خلال اللقاء، كانت مطالبة بوتين بأن تعترف الولايات المتحدة رسميًا بسيادة روسيا على الأراضي التي ستُضم وفق الاتفاق المحتمل، وهو ما يمثل معضلة قانونية وسياسية كبيرة أمام أي إدارة أمريكية، سواء ديمقراطية أو جمهورية.

كما طالب بوتين بأن تشمل أي اتفاقية سلام مستقبلية ترتيبات أمنية ملزمة، لا تقتصر فقط على ضمانات غربية لأوكرانيا، بل تتضمن أيضًا دورًا للصين كطرف ضامن، ما يُفسَّر على أنه محاولة روسية لإضعاف نفوذ الناتو وتقويض احتمال وجود قوات غربية على الأراضي الأوكرانية مستقبلًا.

 ترامب يعتبر اللقاء "مثمرًا".. لكن الخلافات باقية

من جانبه، وصف دونالد ترامب اللقاء مع بوتين بأنه "مثمر للغاية"، مشيرًا إلى أن الطرفين توصلا إلى تفاهمات أولية حول "عدد من الملفات الرئيسية"، دون الإفصاح عن تفاصيل دقيقة. وقال ترامب، في تصريحات غير رسمية، إن بوتين أبدى استعدادًا للنقاش، رغم تمسكه بمطالبه المتعلقة بالمناطق الشرقية.

وبحسب مصادر أوكرانية، فإن ترامب أبدى كذلك انفتاحًا على فكرة تقديم "ضمانات أمنية قوية" لأوكرانيا، بشرط أن تكون متفقًا عليها من كافة الأطراف الدولية، وأن تشمل التزامات متبادلة بعدم التصعيد ووقف الدعم العسكري المباشر من الأطراف الخارجية. إلا أن الحديث لا يزال مبكرًا عن صيغة واضحة أو تفاهمات نهائية في هذا الإطار.

موقف أوكرانيا: حذر وترقب

في المقابل، لم يصدر أي تعليق رسمي من الرئاسة الأوكرانية بشأن اللقاء بين ترامب وبوتين، إلا أن مصادر دبلوماسية أشارت إلى أن زيلينسكي ينظر بتحفظ شديد إلى أي مبادرة لا تشمل انسحابًا روسيًا من كامل الأراضي الأوكرانية المعترف بها دوليًا، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمّتها روسيا في عام 2014.

ومع أن أوكرانيا لا تعارض مبدأ التفاوض، إلا أن مسؤوليها يعتبرون أن أي اتفاق لا يضمن سيادتها الكاملة واستقلالها التام سيكون بمثابة "تنازل مؤلم" يصعب تسويقه داخليًا، في ظل خسائر بشرية ومادية باهظة تكبدتها البلاد خلال سنوات الحرب.

غموض حول موقف الكرملين من القمة

حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم يصدر عن الكرملين أي موقف رسمي يؤكد أو ينفي مشاركة بوتين في القمة الثلاثية المقترحة، رغم ما يُتداول عن استعداد مبدئي مشروط بموافقة الولايات المتحدة على بعض المطالب الروسية الجوهرية.

ويرى مراقبون أن بوتين يسعى لاستخدام الورقة التفاوضية لتحسين موقعه التفاوضي، وربما لتأثير محتمل على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في ظل شعبية ترامب بين قطاعات من الناخبين المتشككين في دعم واشنطن غير المشروط لأوكرانيا.

في خضم هذا المشهد المعقد، يترقّب المجتمع الدولي تطورات الأسبوع المقبل، وسط أمل حذر بإمكانية إحداث اختراق سياسي يُنهي واحدة من أكثر الحروب دموية في أوروبا الحديثة، لكنه أمل مشروط بقدرة الأطراف على تجاوز الحسابات الجيوسياسية الضيقة لصالح تسوية تضمن الحد الأدنى من الأمن والاستقرار الإقليمي.