مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

رفض عربي واسع لتصريحات نتنياهو عن "إسرائيل الكبرى"

نشر
الأمصار

شهدت الساحة السياسية العربية والدولية موجة واسعة من الإدانات الرسمية والرفض القاطع لتصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي تحدث فيها عن ما سماه "رؤية إسرائيل الكبرى"، في خطوة اعتبرتها عواصم عربية تهديداً مباشراً لسيادة دول المنطقة واعتداءً صارخاً على القانون الدولي.

التصريحات التي أدلى بها نتنياهو، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة "i24" الإسرائيلية، حملت طابعاً أيديولوجياً متشدداً، إذ قال إنه يشعر أنه في "مهمة تاريخية وروحانية" مرتبطة برؤية إسرائيل الكبرى، في إشارة إلى مشروع توسعي يعتبره اليمين الإسرائيلي المتطرف جزءاً من أهدافه الاستراتيجية، يمتد - وفق هذه الرؤية - من نهر النيل إلى نهر الفرات.

 

موقف السعودية: رفض تام للتوسع الإسرائيلي

وزارة الخارجية السعودية، عبر بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية "واس"، أدانت بشدة تصريحات نتنياهو، ووصفتها بأنها انتهاك سافر للشرعية الدولية واعتداء واضح على سيادة الدول العربية.

وأكدت الرياض رفضها القاطع لكل "الأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية" التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مشددة على الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.

كما حذرت السعودية المجتمع الدولي من خطورة استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، التي تقوض أسس الأمن والسلم الإقليمي والدولي، داعية إلى موقف دولي حازم يوقف هذه الممارسات.

 

قطر: غطرسة سياسية وتأجيج للأزمات

من جانبها، وصفت وزارة الخارجية القطرية تصريحات نتنياهو بأنها استمرار لنهج الاحتلال الإسرائيلي القائم على الغطرسة السياسية وتأجيج الصراعات في المنطقة.

وفي بيان رسمي، أكدت الدوحة أن مثل هذه التصريحات التحريضية والادعاءات الزائفة لن تنال من الحقوق المشروعة للشعوب والدول العربية، بل تكشف عن النوايا التوسعية التي تهدد استقرار المنطقة بأسرها.

كما شددت قطر على ضرورة تضامن المجتمع الدولي في مواجهة هذه الاستفزازات، محذرة من أن استمرار الخطاب التوسعي الإسرائيلي يزيد من احتمالية اندلاع موجات عنف جديدة في الشرق الأوسط.

 

الأردن: تهديد مباشر لسيادة الدول

الأردن بدوره لم يتأخر في الرد، إذ وصفت وزارة الخارجية الأردنية تصريحات نتنياهو بأنها "تصعيد استفزازي خطير" يمثل تهديداً مباشراً لسيادة الدول العربية، وانتهاكاً للقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة.

المتحدث باسم الوزارة، سفيان القضاة، أكد أن هذه التصريحات "لن تنال من الأردن والدول العربية، ولن تنتقص من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". وأشار إلى أن هذا الخطاب يعكس أزمة سياسية تعيشها الحكومة الإسرائيلية في ظل عزلتها الدولية المتزايدة، واستمرار عدوانها على غزة والضفة الغربية المحتلتين.

كما دعا القضاة المجتمع الدولي إلى موقف واضح يدين هذه التصريحات ويحذر من تداعياتها على أمن المنطقة واستقرارها.

 

الجامعة العربية: استباحة للسيادة العربية

الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أصدرت بدورها بياناً شديد اللهجة، وصفت فيه تصريحات نتنياهو بأنها "استباحة لسيادة دول عربية ومحاولة لتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة".

وأشارت الجامعة إلى أن هذه التصريحات تمثل تهديداً خطيراً للأمن القومي العربي الجماعي، وتكشف عن عقلية استعمارية متطرفة ترفض الانصياع للقانون الدولي.

ودعت الجامعة العربية مجلس الأمن الدولي إلى تحمل مسؤوليته والتصدي لهذه التصريحات التي تزيد من زعزعة الاستقرار الإقليمي، مؤكدة أن مثل هذه المشاريع التوسعية لا يمكن القبول بها أو التسامح معها.

 

السياق السياسي: مشروع قديم يتجدد

تصريحات نتنياهو ليست الأولى من نوعها، لكنها تأتي في سياق سياسي بالغ التعقيد، حيث تشهد المنطقة استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتصاعد الخطاب اليميني المتطرف داخل إسرائيل.

"إسرائيل الكبرى" كمفهوم سياسي وأيديولوجي، تعود جذوره إلى عقائد صهيونية متطرفة تسعى إلى توسيع الحدود الجغرافية للدولة العبرية لتشمل مساحات واسعة من الأراضي العربية. ورغم أن هذا المشروع ظل لفترات طويلة مجرد فكرة في أذهان بعض القيادات الإسرائيلية، إلا أن تصريحات نتنياهو الأخيرة تعكس محاولة لإحيائه في الخطاب السياسي الراهن.

 

ردود فعل دولية متوقعة

من المتوقع أن تثير هذه التصريحات ردود فعل دولية، خاصة من الدول الكبرى المعنية باستقرار الشرق الأوسط. فإحياء خطاب "إسرائيل الكبرى" يهدد بإشعال نزاعات جديدة ويعقد مساعي السلام القائمة.

العديد من المحللين السياسيين يرون أن نتنياهو يستخدم هذا الخطاب لأغراض سياسية داخلية، في محاولة لحشد التأييد من قاعدته اليمينية، وصرف الأنظار عن الأزمات الداخلية التي تواجه حكومته، بما في ذلك اتهامات المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب في غزة.

 

التأثير على القضية الفلسطينية

الخطورة الأكبر لهذه التصريحات تكمن في انعكاساتها على القضية الفلسطينية، إذ تمثل تهديداً مباشراً لأي جهود لإحياء عملية السلام، وتعزز من سياسات الضم والاستيطان التي تنتهجها إسرائيل على الأرض.

وبالنظر إلى الأوضاع الميدانية في غزة والضفة الغربية، فإن أي تصعيد في الخطاب السياسي الإسرائيلي يزيد من حالة الاحتقان، ويقوض فرص التوصل إلى حلول سلمية.

 

دعوات لتحرك عربي موحد

أمام هذا التصعيد، تتعالى الدعوات في الأوساط العربية والإسلامية إلى ضرورة تبني موقف عربي موحد لمواجهة المخاطر المترتبة على هذه الرؤية التوسعية.

ويرى مراقبون أن المواقف المنفردة، رغم أهميتها، لن تكون كافية ما لم تترافق مع تحرك دبلوماسي جماعي يضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ خطوات عملية، بما في ذلك فرض عقوبات أو إجراءات ردعية ضد إسرائيل في حال استمرارها في انتهاك القوانين الدولية.

 

تصريحات نتنياهو حول "إسرائيل الكبرى" فتحت الباب أمام مواجهة سياسية وإعلامية جديدة بين إسرائيل والدول العربية، وأعادت إلى الواجهة واحدة من أخطر الأفكار التوسعية التي تهدد أمن المنطقة واستقرارها.

المواقف الصادرة من السعودية وقطر والأردن والجامعة العربية تمثل رسالة واضحة بأن هذه المشاريع مرفوضة شكلاً ومضموناً، وأن العالم العربي لن يقف مكتوف الأيدي أمام أي محاولة للمساس بسيادته أو حقوقه المشروعة.

ومع استمرار التوتر الإقليمي، تبقى الكرة في ملعب المجتمع الدولي، الذي يواجه اختباراً جديداً لمدى قدرته على فرض احترام القانون الدولي وحماية استقرار الشرق الأوسط.