بوتين وترامب يلتقيان بألاسكا.. قمة حاسمة لإنهاء الحرب وتغيير المعادلة الدولية

تتجه الأنظار إلى مدينة أنكوراج في ولاية ألاسكا الأميركية، حيث من المقرر أن يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نظيره الأميركي السابق والمرشح الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب يوم 15 أغسطس، في قمة توصف بأنها مفصلية وسط جهود دبلوماسية متسارعة لإنهاء الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ أكثر من ثلاث سنوات.

اللقاء، الذي تم التمهيد له عبر وسطاء دوليين وبتشجيع من عدد من الدول الأوروبية، يأتي في وقت تمر فيه العلاقات الأميركية الروسية بأحد أكثر فصولها توترًا منذ نهاية الحرب الباردة. وهو التوتر الذي تراكم على مدى أكثر من عقدين من حكم بوتين، في ظل تحولات عميقة شهدتها علاقته بخمسة رؤساء أميركيين تعاقبوا على البيت الأبيض منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
كلينتون وبوتين: بداية حذرة بعد كوسوفو
عند تولي فلاديمير بوتين منصبه كرئيس لروسيا في ديسمبر 1999، كانت العلاقة بين موسكو وواشنطن قد بدأت بالتراجع عقب تدخل حلف الناتو في حرب كوسوفو، وهو ما اعتبرته موسكو حينها تعديًا على المجال الحيوي لروسيا.
رغم ذلك، حرص الرئيس الأميركي حينها بيل كلينتون على فتح قناة حوار مع بوتين، ولقاؤهما الأول في يونيو 2000 أظهر نوعًا من الحذر المشوب بالأمل. وصف كلينتون نظيره الروسي بأنه "قادر على بناء روسيا قوية تحترم الحريات"، لكن ملفات مثل توسع الناتو شرقا بقيت مصدر قلق دائم لموسكو.
جورج بوش الابن: من الثقة الشخصية إلى انهيار العلاقات
مع وصول جورج بوش الابن إلى البيت الأبيض، ظهرت في البداية ملامح تقارب شخصي بينه وبين بوتين، لا سيما بعد لقائهما الشهير عام 2001 عندما قال بوش إنه "نظر في عيني بوتين ورأى فيه روح رجل جدير بالثقة".

لكن سرعان ما تدهورت العلاقة، خاصة بعد انسحاب واشنطن من معاهدة الصواريخ الباليستية، ثم الغزو الأميركي للعراق عام 2003، الذي عارضته موسكو بشدة. وتفاقم التوتر بعد الثورة البرتقالية في أوكرانيا عام 2004، والتي اعتبرها الكرملين انقلابًا مدعومًا من الغرب على حليف له في كييف.
أوباما وبوتين: بداية تفاؤل ونهاية صدام
مع بداية عهد باراك أوباما عام 2009، أُطلقت مبادرة "إعادة ضبط" للعلاقات بين موسكو وواشنطن، وشهدت بعض التقدم في التعاون حول قضايا مثل الحد من الأسلحة النووية. لكن سرعان ما عادت العلاقات إلى التأزم.
منح روسيا اللجوء لموظف وكالة الأمن القومي السابق إدوارد سنودن عام 2013، ثم ضم شبه جزيرة القرم في مارس 2014، أدخلا العلاقة في دوامة جديدة من العداء، تفاقمت مع التدخل العسكري الروسي في سوريا عام 2015، والذي وضع موسكو وواشنطن على طرفي نقيض من الحرب هناك.

ترامب وبوتين: علاقة مشوبة بالشكوك الداخلية
وعد دونالد ترامب، منذ حملته الانتخابية، بتحسين العلاقات مع روسيا، واعتبر أن الحوار مع بوتين يمكن أن يخدم المصالح الأميركية. وبالفعل، اتسمت لهجته تجاه موسكو باللين مقارنة بسابقيه، لكن ولايته شابها الكثير من الشبهات حول تدخل روسيا في الانتخابات الأميركية عام 2016، لصالحه.
في قمة هلسنكي عام 2018، أثار ترامب عاصفة من الجدل عندما ظهر وكأنه يثق في نفي بوتين لتلك الاتهامات أكثر من تقارير وكالات الاستخبارات الأميركية، مما جرّ عليه انتقادات شديدة، حتى من داخل حزبه الجمهوري. ورغم ذلك، ظلت العلاقات بين الطرفين دون تحسن ملموس على أرض الواقع، خاصة في ظل العقوبات الاقتصادية المتواصلة.

بايدن وبوتين: صدام مفتوح بسبب أوكرانيا
مع انتخاب جو بايدن رئيسًا في عام 2020، دخلت العلاقات الأميركية الروسية أكثر مراحلها عدائية. وصف بايدن نظيره الروسي بـ"القاتل"، واتهمه بالتدخل في شؤون الدول المجاورة وزعزعة الاستقرار العالمي.
وبعد غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، فرضت إدارة بايدن عقوبات شاملة على موسكو، وقدّمت دعمًا عسكريًا وسياسيًا غير مسبوق لكييف، بما في ذلك الأسلحة الثقيلة والتكنولوجيا الاستخباراتية.
وتم تجميد كافة قنوات الحوار المباشر، وتراجعت العلاقات إلى أدنى مستوياتها منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.

قمة ألاسكا: محاولة لكسر الجمود أم إعادة تموضع؟
في هذا السياق، تبرز قمة ألاسكا بين بوتين وترامب كمحاولة جديدة لاختراق الجدار المسدود بين موسكو وواشنطن. ورغم أن ترامب لا يزال خارج البيت الأبيض، إلا أن هذه القمة تمثل تمهيدًا سياسيًا لعودته المحتملة، وتوفر لبوتين فرصة لإعادة تموضعه دبلوماسيًا، في ظل الضغوط العسكرية والاقتصادية المتزايدة على بلاده.
تشير بعض التسريبات إلى أن القمة ستتناول خطة مبدئية لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، تتضمن انسحابًا جزئيًا للقوات الروسية، وضمانات دولية بشأن وضع أوكرانيا الجيوسياسي، مع احتمال طرح فكرة "الحياد الأوكراني" مجددًا كأرضية للتسوية.
في المقابل، يحذر دبلوماسيون غربيون من أن اللقاء قد يُستخدم لأغراض سياسية داخلية، سواء من قبل ترامب لتلميع صورته في السياسة الخارجية، أو من بوتين لإظهار مرونة تكتيكية دون تقديم تنازلات جوهرية.
علاقات لا تعرف الاستقرار
خلال أكثر من عشرين عامًا، تقلبت علاقة فلاديمير بوتين بالولايات المتحدة بين الحذر، والاحتواء، والتصعيد المفتوح. خمسة رؤساء أميركيين اختلفوا في الأسلوب، لكنهم جميعًا واجهوا واقعًا معقدًا مع موسكو، تحكمه المصالح المتضاربة والرؤى الجيوسياسية المتباعدة.
تبقى قمة ألاسكا اختبارًا جديدًا للعلاقات الثنائية، فإما أن تمهد لمسار دبلوماسي يعيد شيئًا من التوازن، أو تكون حلقة جديدة في مسلسل طويل من التوتر والانقسام.