مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"نزع سلاح حزب الله ".. معركة السيادة اللبنانية بين الضغوط والردع المقاوم

نشر
الأمصار

تجددت الدعوات لنزع سلاح "حزب الله" اللبناني في خضم تصاعد التوترات بين الحزب وإسرائيل، وتكرار المطالب الغربية، خصوصًا الأمريكية، بإعادة هيكلة التوازن العسكري في جنوب لبنان.

واشنطن تربط سحب قوات إسرائيل من جنوب لبنان بنزع سلاح “حزب الله” - مرصد  الشرق الأوسط و شمال أفريقيا

 

وقد جاءت تصريحات الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لحزب الله، لتكشف النقاب عن ضغوط سياسية تقودها واشنطن في محاولة لعقد "اتفاق جديد" يبدأ بنزع سلاح المقاومة مقابل انسحاب جزئي إسرائيلي من بعض المناطق التي احتُلت مؤخرًا جنوب البلاد.

 وبينما يتمسك الحزب بسلاحه كوسيلة ردع، يرى خصومه في الداخل والخارج أنه يشكل عائقًا أمام قيام دولة ذات سيادة موحدة.

التحول في خطاب واشنطن: اتفاق جديد بشروط سياسية

و أكد الشيخ نعيم قاسم أن الولايات المتحدة تسعى لفرض اتفاق جديد في لبنان، يتمثل في سحب سلاح "حزب الله" مقابل انسحاب جزئي للجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان. 

هذا التحول الأمريكي يعكس استراتيجية تتجاوز اتفاق وقف إطلاق النار المبرم في نوفمبر 2024، والذي لم تلتزم إسرائيل به، كما أشار قاسم، مشددًا على أن "نزع السلاح خطوة من خطوات التوسّع الإسرائيلي، لأن وجوده يمنعها من ذلك".

يتضح أن واشنطن لم تعد تكتفي بالمطالبة بضبط الحدود أو دعم الجيش اللبناني فقط، بل باتت تطالب بتغيير جوهري في معادلة الردع التي فرضها حزب الله منذ انسحاب إسرائيل عام 2000.

 هذا الموقف يطرح تساؤلات حول إمكانية فرض اتفاق شبيه باتفاق "الطائف" ولكن ببعد أمني – عسكري هذه المرة، يُعيد رسم المشهد السياسي والعسكري اللبناني.

لبنان يربط نزع سلاح «حزب الله» بانسحاب إسرائيل

الوقائع الميدانية: خروقات متواصلة وانسحابات محدودة

منذ العدوان الإسرائيلي على لبنان في أكتوبر 2023، والذي تصاعد إلى حرب شاملة في سبتمبر 2024، عانى لبنان خسائر بشرية ومادية فادحة، تجاوزت 4 آلاف قتيل وأكثر من 17 ألف جريح. ورغم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في 27 نوفمبر 2024، فإن إسرائيل لم تلتزم به، بحسب تصريحات رسمية، حيث سجّلت أكثر من 3 آلاف خرق منذ دخوله حيز التنفيذ، ما أدى إلى مقتل 254 شخصًا وإصابة أكثر من 560 آخرين.

الجيش الإسرائيلي نفذ "انسحابًا جزئيًا" من جنوب لبنان، لكنه لا يزال يحتل خمس تلال استراتيجية في المنطقة الحدودية، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول جدية تل أبيب في احترام الاتفاق، ويعزز من موقف حزب الله في رفض نزع سلاحه في ظل استمرار الاحتلال والعدوان.

لا خطة واضحة.. هل تقدر حكومة لبنان على نزع سلاح حزب الله؟ | الحرة

موقف حزب الله: السلاح ضمانة للردع وليس ورقة مساومة

الشيخ نعيم قاسم أكد أن المقاومة "منعت الاحتلال الصهيوني من الوصول إلى بيروت" خلال معركة أولي البأس، معتبراً أن هذا الإنجاز لم يكن ممكنًا لولا السلاح. كما شدد على أن الحزب التزم بالكامل باتفاق وقف إطلاق النار، بينما لم تلتزم إسرائيل بأي من بنوده.

وأردف قاسم: "نفذنا كدولة لبنانية وحزب الله وكل المقاومين كل ما علينا من الاتفاق، والكيان لم ينفذ شيئًا". 

وفي هذا السياق، يُنظر إلى سلاح حزب الله كعنصر أساسي في "ميزان القوى" الإقليمي، يمنع إسرائيل من فرض شروطها بالقوة، ويحمي السيادة اللبنانية، من وجهة نظر الحزب وأنصاره.

نزع سلاح حزب الله بات أقرب من أي وقت مضى | MEO

الداخل اللبناني: بين مطالب السيادة ومخاوف الفوضى

في الداخل اللبناني، يُعدّ ملف سلاح حزب الله من أكثر الملفات إثارة للانقسام. فبينما ترى قوى سياسية أن نزع السلاح ضرورة لإقامة دولة مدنية تمتلك وحدها القرار العسكري، يرفض الحزب وحلفاؤه هذا الطرح، معتبرين أن الظروف الإقليمية والاعتداءات الإسرائيلية المتكررة لا تسمح بمثل هذا الخيار.

الخشية في الداخل اللبناني تكمن في أن أي خطوة غير مدروسة نحو نزع السلاح قد تؤدي إلى فراغ أمني كبير أو حتى صدام داخلي، يعيد البلاد إلى أجواء الحرب الأهلية. كما أن تجارب سابقة، مثل اتفاق نزع سلاح الميليشيات بعد الحرب الأهلية في تسعينيات القرن الماضي، تُظهر أن التوازن الداخلي هش جدًا، ولا يمكن فرض معادلات القوة فيه من دون توافق سياسي شامل.

الدور الإقليمي والدولي: بين الضغط والدبلوماسية

الموقف الدولي، خصوصًا الأمريكي والإسرائيلي، يعتبر أن بقاء سلاح حزب الله يشكل تهديدًا لاستقرار لبنان والمنطقة.

 لكن، وعلى الجانب الآخر، لا يبدو أن هناك إرادة دولية موحدة قادرة على فرض نزع السلاح بالقوة، خاصة في ظل عدم تنفيذ إسرائيل لالتزاماتها، واستمرار احتلالها لمناطق لبنانية.

في المقابل، لا يمانع حزب الله الدخول في تسويات ضمن تفاهمات إقليمية أشمل تشمل وقف الاعتداءات الإسرائيلية، وانسحابها الكامل من الأراضي المحتلة، وضمانات دولية بعدم تكرار العدوان. وهنا، يكمن التعقيد الرئيسي، إذ إن أي تسوية ترتبط بسياق أكبر يتعدى لبنان، ويمتد إلى ملفات إقليمية مثل الملف النووي الإيراني، والوضع في سوريا وفلسطين.

خبير لـ«رؤية»: نزع سلاح حزب الله مستبعد وقد يشعل حربًا أهلية - شبكة رؤية  الإخبارية

ملف نزع سلاح حزب الله لا يمكن التعامل معه كمسألة داخلية فقط، بل هو نتاج لتوازنات إقليمية ودولية معقّدة. 

المطالبات الأمريكية والإسرائيلية بنزع السلاح دون تقديم ضمانات أو تنفيذ الانسحاب الكامل من الجنوب، تجعل من هذه الدعوات محاولة لإضعاف لبنان سياسيًا وعسكريًا، لا خطوة نحو السلام.

في ضوء المعطيات الحالية، فإن أي نقاش حول سلاح المقاومة لا يمكن أن ينجح إلا ضمن مسار سياسي وطني جامع، يرافقه اتفاق إقليمي واضح المعالم، وضمانات دولية ملزمة لجميع الأطراف. وبدون ذلك، فإن إثارة هذا الملف دون معالجة أسباب وجوده لن يؤدي سوى إلى مزيد من الانقسام، وربما انفجار أمني جديد يهدد استقرار لبنان والمنطقة.