«تيغراي-إثيوبيا» على صفيح ساخن.. اتفاق بريتوريا في مهب التصعيد من جديد

بعد عامين من توقيع اتفاق بريتوريا الذي أنهى واحدة من أعنف الحروب في القرن الإفريقي في إثيوبيا، بدأت ملامح التوتر تعود إلى إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، وسط تصاعد التصريحات بين الحكومة الفيدرالية و"جبهة تحرير تيغراي".
ومع تزايد التحذيرات من عودة الصراع، تبدو اتفاقية بريتوريا أمام اختبار حقيقي، بينما تتحرك أطراف دينية وسياسية محلية لمحاولة كبح الانزلاق نحو مواجهة جديدة قد تهدد استقرار المنطقة برمتها.
وأشار رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، في كلمة له، الأسبوع الماضي، إلى تحركات قد تشير إلى استعدادات لصراع جديد من قبل "جبهة تحرير تيغراي"، معبرا عن قلقه مما اعتبره "رهانات على دعم خارجي".
وفي خطابه أمام البرلمان، كشف رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، أن حكومته "تتابع عن كثب التواصل بين جبهة تحرير تيغراي وإريتريا" والذي وصفه بأنه "غير دستوري".
وأضاف رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، في هذا الصدد "أعين الدولة مفتوحة وتراقب كل التفاصيل".
ووجه رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، انتقادات شديدة اللهجة للجبهة، قائلا إن "قيادتها توقفت عن التفكير العقلاني"، محذرا من مغبة مواصلة الاستفزاز تجاه السلطة الفيدرالية.
لكنه أكد في الوقت نفسه، أن الحكومة تمارس سياسة "الصبر والنفس الطويل احتراما لشعب تيغراي، رغم توفر ما يكفي من الأسباب للتدخل المباشر لحسم الوضع في الإقليم".
وناشد رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، زعماء الأديان بالتدخل الفوري لمنع نشوب حرب في تيغراي ، بقوله: "ابدأوا عملكم الآن لمنع تيغراي من دخول الحرب".
وكان إقليم تيغراي شمالي إثيوبيا، قد شهد بين نوفمبر 2020 والشهر نفسه من عام 2022 أحد أعنف النزاعات بين الجيش الفيدرالي من جهة ومسلحي "جبهة تحرير تيغراي" من جهة ثانية.
وأدى النزاع إلى مقتل حوالى 600 ألف شخص في هذه المنطقة التي يقطنها نحو ستة ملايين نسمة، بحسب الاتحاد الأفريقي.
وانتهت الحرب باتفاق سلام أبرم في بريتوريا بجنوب أفريقيا، لكن التأخير في تنفيذ بنوده لعدة أشهر غذّى التوترات المتزايدة داخل "جبهة تحرير تيغراي" التي تحكم المنطقة والتي كانت مهيمنة على الحكومة المركزية في إثيوبيا.
"جبهة تحرير تيغراي" ترد
في المقابل، ردّت جبهة "تحرير تيغراي" على تصريحات رئيس وزراء إثيوبيا.
وقالت في تصريحات على لسان هايلي سيلاسي جيرماي، أحد أبرز القادة العسكريين في قوات الجبهة، إن "تيغراي لم تعد كما كانت بالأمس".
وأوضح جيرماي، أن "الشباب الذي خاض الحرب السابقة بات أكثر استعدادا للدفاع عن أرضه، وأن موازين القوى في المنطقة قد تغيرت"، على حد تعبيره، مستطردا "أعداء الأمس قد يصبحون حلفاء اليوم، وإن لم يكونوا كذلك، فهم ليسوا أعداءً بعد الآن". دون أن يذكر من هم الحلفاء والأعداء.
وتنفي "جبهة تحرير تيغراي" أي تواصل أو تعاون عسكري مع إريتريا.
والمعارضة في تيغراي تنشد الحوار
على صعيد آخر، دعا حزب "سالساي وياني تيغراي" المعارض إلى عقد مؤتمر داخلي في الإقليم، "من أجل بحث سبل تفادي الانزلاق إلى العنف"، مشددا على أن "أزمة تيغراي تتطلب حلولا سياسية، لا أمنية".

والكنيسة الأرثوذكسية تتحرك
في السياق ذاته، أعلنت الكنيسة الأرثوذكسية في تيغراي شمالي إثيوبيا، عن تحرك من جانبها لمنع التصعيد، وأرسلت وفدا من كبار رجال الدين إلى العاصمة أديس أبابا للقاء رئيس وزراء إثيوبيا، بهدف الدعوة إلى سلام مستدام.
وأكدت الكنيسة الأرثوذكسية في تيغراي شمالي إثيوبيا، في بيان لها أهمية الإصغاء إلى صوت سكان الإقليم، داعية إلى إيجاد حل سلمي يعالج جذور الأزمة.
وهذا هو موقف الحكومة الفيدرالية
في المقابل، ترى الحكومة الفيدرالية أن تعاملها مع الوضع في تيغراي يستند إلى "الصبر الاستراتيجي والنفس الطويل"، وتتهم قيادات الجبهة بعرقلة تنفيذ اتفاق بريتوريا، خاصة فيما يتعلق بنزع السلاح، وعودة النازحين، وتسوية النزاعات الحدودية.
وتتهم الحكومة قادة الجبهة أيضا، بالتمسك "بالعيش داخل سرديات الماضي"، وعدم استخلاص العبر من الحرب المدمّرة التي اندلعت بين الجانبين.
وتحذيرات من التداعيات
ويرى مراقبون أن التوترات الحالية تمثل تحديا حقيقيًا لاتفاق بريتوريا، الذي أنهى واحدة من أعنف مراحل النزاع في إثيوبيا.
كما يحذر مراقبون أن أي تصعيد جديد قد لا يؤثر فقط على الداخل الإثيوبي، بل يمتد تأثيره إلى الاستقرار الإقليمي والعلاقات مع دول الجوار.