مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

د. انمار الدروبي يكتب: العنف وتكفير المجتمع في لغة الإسلام السياسي!

نشر
د أنمار الدروبي
د أنمار الدروبي

يُعد العنف شكل من أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان منذ العصور القديمة، ويعتبر الإرهاب أقصى درجات العنف، وقد تطور بعد تشكل التجمعات البشرية وتطور العلاقات الاجتماعية فيما بينها وتشكيل الدولة، حيث أصبح العنف يمارس من سلطة قادرة على فرض الاستغلال بالقوة، لصالح فئات اجتماعية معينة، الامر الذي أدى إلى اقتران الاستغلال بالاستبداد، فتحول العنف إلى مظهره الإرهابي، الذي تتنوع مصادره وأسبابه تبعاً لتطور مستوى الاستغلال والاستبداد. 

وبناء على ذلك فإن للإرهاب، أسبابه السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والنفسية وكذلك الفهم الخاطئ للنصوص الدينية، الذي يولد التعصب ليس ضد الأديان والمذاهب المختلفة، بل بين أبناء الدين والمذهب الواحد. وعلى الرغم من أن القانون الدولي قد فشل حتى الآن في إيجاد تعريف موضوعي لمفهوم الإرهاب نتيجة لتضارب مصالح الدول المؤثرة وازدواجية المعايير، إلا أن هناك إجماعا دوليا حول بعض الأفعال التي تشكل إرهابا واتفق على شجبها ومكافحتها لأنها تهدد السلم والأمن الدوليين، ومن الأفعال والأعمال التي أصبحت تمثل أشكالا شائعة من أعمال الإرهاب، هي خطف الطائرات وعمليات القرصنة الجوية واختطاف الرهائن واغتيال الدبلوماسيين والشخصيات المحمية دوليا وتفجير المباني ووضع القنابل في وسائل المواصلات واغتيال الملوك والرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والمسؤولين الحكوميين وكذلك الهجوم على المدنيين العزل من السلاح
. وفي الظروف الراهنة فإن معطيات ظاهرة العنف والإرهاب فرضت نفسها على نشاطات السياسة الدولية، في خضم تداخل تداعياتها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية، بعد ان تمدد الإرهاب من الدول الإسلامية، وانتقل الى المجتمعات الأوروبية والى القارة الأمريكية أيضا، وجاء هذا التمدد مع بروز توظيف ظاهرة الإرهاب عالميا من قبل القوى العظمى، حيث أدى ذلك التوظيف الدولي والإقليمي لهذه الظاهرة بأن يحولها إلى كيان دولي مؤسسي استطاع أن يحتل مدن في سوريا والعراق وغيرها.

اهم العوامل التي ساعدت على توظيف ظاهرة العنف الارهابي:

أولاً، تُمثل العولمة في عصرنا الحالي من أهم الأسباب في زيادة ظاهرة العنف، ليس فقط من خلال استفادة الإرهابين من وسائل الاتصال التي خلقتها العولمة وظهور أشكال وأساليب جديدة مستعملة في العمليات الإرهابية كاستخدام المتفجرات الدقيقة الصنع وذات التحكم عن بعد بواسطة الحاسوب أو الهاتف النقال، والمساهمة في نشر الجريمة العالمية على عدة أصعدة من أهمها، تهريب الأموال بين دول، اضافة إلى عولمة تجارة المخدرات، بل في فرض علاقات غير متكافئة بين الدول الغنية والدول الفقيرة.

ثانياً، أكدت الوقائع أن الثقافة الدينية المتطرفة، التي تعتمد على التأويل الخاطئ للأديان، من أهم الدوافع التي تقف خلف السلوك الإرهابي، باسم الأديان، الذي يجتاح العالم اليوم، بما فيه العالم الإسلامي.

ثالثاً، يمتلك الإرهاب من قبل مفكري الجهادية السلفية، خصوصية، لأنه ينطلق من أفكار عقائدية مؤدلجة، وحركية سياسية فعالة، حيث يقترف من خلاله ممارسوه أفظع جرائم القتل والاختطاف والممارسات الإرهابية الأخرى. وفيما يخص البلدان العربية، شكلت جماعة الإخوان المسلمين والجماعات المتفرعة عنها أولى هذه الحركات التي استخدمت العامل الديني لممارسة العنف والعنف المضاد في سياق صراعات مع النظم الحاكمة والدولة والمجتمع. فقد بررت الجماعات الأصولية (الجهادية السلفية) ممارساتها للعنف الإرهابي، من قتل أبناء الطوائف غير الإسلامية وسبي النساء، والأجانب والمخالفين لهم والتمثيل بهم، وكل هذه الأعمال الإرهابية الأخرى التي قامت بها، على أنها أعمال تخدم الدين والمقاومة.

رابعاً، أعتمد الغرب على الخلط بين الجماعات الأصولية وبين الدين الإسلامي، حيث تم إلصاق اسم الدين بالإرهاب، لكن هذا ينافي جانب من الواقع، ذلك فإن إلصاق صفة الإرهاب بالإسلام وإعفاء الآخرين منها ستكون مقصودة ومغرضة، كما أن استخدام كلمة الجهاد والجهاديين على العمليات الإرهابية، هو الآخر أمر مقصود ومفتعل، لأن للجهاد شروطه، فالجهاد من أجل الحق هو غير الإرهاب، وهو جهاد دفاعي هدفه حماية البلاد والعباد من العدوان والإرهاب والظلم.

في السياق ذاته فإن خطر الأصولية الإسلامية قد أزداد واتسعت رقعة نشاطه بسبب عدة عوامل أخرى أهمها هي:

 أ. المعايير المزدوجة للدول الغربية فيما يخص حقوق الإنسان ومن تجليات تأييد سياسة إرهاب الدولة الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، بالإضافة إلى الحصار والعقوبات الاقتصادية المفروضة على عدد من البلدان العربية والإسلامية.

ب. ممارسة القوة في العلاقات الدولية واللجوء لسياسة الغزو العسكري، من قبل الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، كما حدث لأفغانستان عام 2001، والعراق عام 2003، بحجة الحرب على الإرهاب.
ج. تقديم المساعدات، بما فيه العسكرية للمنظمات المتطرفة.

د. إن تعامل الدولة الغربية مع الإرهاب، أدى توسعه بحيث أصبح الإرهاب في الوقت الراهن الشماعة التي تستغلها الدول العظمى لكي تفرض استراتيجيتها الجديدة على العالم والمتمثلة بالغطرسة على الضعفاء والفقراء.

خامساً، كان وما يزال لوسائل الإعلام الغربية دورا بارزا في استغلال ظاهرة الإرهاب والعنف في تشويه صورة الإسلام والمسلمين والإساءة له، من خلال الترويج للمفاهيم السلبية التي تعمل على تشويه معاني الإسلام التي تطرحها الجماعات الإسلامية المتشدد ونهجها الإرهابي وكأنها نابعة من الإسلام كدين..حيث  أدى ذلك إلى تحفيز اليمين المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا على طرح دعوة الحرب على الإسلام بذريعة القضاء على ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، لاسيما أن الإعلام الغربي قد اعتمد على أسلوب الانتقائية في تقديم الحجج والبراهين والبيانات التي تنسب كل الأعمال الإرهابية التي وقعت في العالم للإسلام والمسلمين. 
سادسا: بالرغم من وجود بعض الاختلافات بين جماعات السلفية الجهادية، التي اعتنقت فكر التكفير، لكنها لم تكن خلافات أيديولوجية بحد ذاتها، وإنما في درجة التشدد في التكفير، حيث أن بعض هذه الجماعات رفضت التعامل مع المجتمع من منطلق رؤيتهم التكفيرية المتشددة، تلك الرؤية التي تدعو إلى هجر المجتمع والخروج منه، وبناء المجتمع الإسلامي الصحيح، أو تكفير النظام باعتباره رأس الكفر، والدعوة إلى الخروج عليه مثل جماعات السلفية الجهاد. ويعتبر تنظيم " داعش " أكثر التنظيمات الإرهابية تطرفاً، حيث تمثل أفكارها رؤية طوباوية خالصة تفرض الماضي البعيد بالقوة على الحاضر. وهي تنظيم إرهابي وحركة شمولية، لها تفسيرها الخاص لمبادئ الإسلام، ترفض التعايش مع أي فصيل جهادي آخر، معتبراً ذلك انتقاصا من شرعيتها، بهدف تبرير احتكار تمثيلها للجهاد العالمي.

سابعا، اتخذ التكفير لدى الحركات والجماعات الإسلامية المتشددة طابعا سياسيا في جوهره، وإن كان يظهر في أحيان كثيرة على أنه تكفير ديني، فجماعات الإسلام السياسي تسعى إلى السلطة الثيوقراطية وأسلمة المجتمع بغض النظر عن أسلوبها حتى وإن كان بالعنف الإرهابي وبشتى وسائله. ومن هنا تكمن خطورة الخطاب التكفيري.

ثامنا، إن تحديد مفهوم العنف في فكر وسلوك جماعات الإسلام السياسي (السُنية والشيعية)، لا يمكن فهـمه وما يتفرع منه من مفاهيم القوة والثورة والجهاد لدى الجماعة وكذلك فهم المصادر والأصول الفكريـة التي تنطلق منها في ممارسة نشاطها على أرض الواقع، دون دراسة الظروف الفكرية والسياسية والاجتماعية التي نشأت فيها هذه الجماعات وتطورها من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة علاقة حركات الإسلام السياسي بالسلطات الحاكمة وتوظيف هذه العلاقة لصالح مشروعها السياسي الذي يهدف للسيطرة على السلطة واستخدامها لتحقيق طموحها بأسلمة الدولة والمجتمع. 
تاسعا، أثبتت الوقائع والأحداث، بأن أغلب الفصائل الإسلامية المتطرفة قد تأثرت بأفكار وأيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين، ومن أبرز هذه الأفكار هي عدم اعتراف الجماعة بأي نظام حكم لا يرتكز على أساس الإسلام ولا يستمد منه تشريعاته وقوانينه، إضافة إلى ذلك فهم لا يعترفون بالأحزاب السياسية، ولا بالقوانين الوضعية التقليدية.

عاشرا، لقد تخلت جميع أحزاب وحركات الإسلام السياسي عن النشاط الدعوي وهو الهدف المعلن في بداية تأسيسها.

حادي عشر، أن الايديولوجيات المتطرفة قد عولمت الإرهاب، بعد أن أصبحت عابرة للحدود، وهي الايديولوجيات التي تعبر عنها الجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش، والجماعات الدينية السياسية كجماعة الإخوان المسلمين، وكذلك حركات وأحزاب الإسلام السياسي الشيعي، حيث تتبنى هذه الجماعات أيديولوجيات تتجاوز حدود الدولة الوطنية، لتشمل العالم بأسره، ويعتبر تنظيم داعش تحديدا هو من أسهم بدور في ظاهرة عولمة التطرف، فإذا كانت حركات الجهاد التي تشكلت في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي ضد الوجود السوفيتي في أفغانستان مقتصرة على العرب والمسلمين، فإن التنظيم استطاع في تجربته في سوريا والعراق أن يستقطب آلاف المتطرفين من جميع أنحاء العالم إلى الشرق الأوسط، في مؤشر واضح على عولمة ظاهرة التطرف، وتطور أدواتها وتحول أهدافها ، فرغم انهيار دولة الخلافة التي أسسها داعش في سوريا والعراق، إلا أن أيديولوجية التنظيم وأفكاره، ستبقى مصدر إلهام للجماعات المتطرفة، ما لم يتم القضاء على الأسباب السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي ادت إلى ظهورها.

بقلم استاذ الفكر السياسي 
الدكتور: أنمار نزار الدروبي