مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

"مطرقة منتصف الليل".. كيف خدع ترامب العالم ووجّه أقوى ضربة لإيران؟

نشر
الأمصار

بينما ظن العالم أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتريث في اتخاذ قرار عسكري ضد إيران، كانت الطائرات الأمريكية الشبحية تحلّق في الأجواء الإيرانية فجر الأحد الماضي، مستهدفة المنشآت النووية الإيرانية، في عملية وصفت بأنها الأوسع والأكثر تأثيرًا منذ الثورة الإيرانية عام 1979.

العملية التي أطلق عليها اسم "مطرقة منتصف الليل" لم تكن فقط ضربة عسكرية، بل نتاج تخطيط طويل الأمد، وتنفيذ محكم خُدع به الإعلام والرأي العام، وحتى كبار المسؤولين في واشنطن وطهران.

فقاعة إعلامية وخداع متعمد من ترامب

وفي يوم الخميس الذي سبق الضربة، صرّح ترامب علنًا أنه سيقرر خلال أسبوعين ما إذا كان سيوجّه ضربة عسكرية لإيران، وهي التصريحات التي اعتُبرت آنذاك بمثابة تهديد تقليدي للضغط على طهران. 

لكن وفقًا لما كشفه موقع "أكسيوس" الأمريكي، فإن هذه التصريحات كانت مجرد "ستار دخان" لتغطية التحركات العسكرية التي كانت جارية بالفعل.

 ونقل الموقع عن أحد مستشاري ترامب قوله: "كانت خدعة محسوبة... ترامب يعلم أن الإعلام لن يتجاهل التصريحات، ويعلم أن الإيرانيين سيظنون أنه يبالغ أو يمزح، لكن الجميع كانوا مخطئين".

ترامب يسيطر على تفاصيل العملية.. لا للبنتاغون وحده

وبحسب التقرير، لم تكن عملية "مطرقة منتصف الليل" عملية تقليدية يديرها البنتاغون، بل كانت بإدارة شخصية من ترامب، الذي تولى الإشراف على اختيار الخطة، وتحديد الرسائل الإعلامية، واختيار توقيت التنفيذ. 

وقال مسؤول رفيع في الإدارة الأمريكية: "لم تكن عملية للبنتاغون، بل عملية لدونالد ترامب... هو من اختار التوقيت ووضع العلاقات العامة".

 وأكد مستشار آخر أن ترامب كان يدرك جيدًا ما يريد، وفضّل الظهور بمظهر المتحفظ حتى لا يبدو متلهفًا للحرب، ما منح أنصار حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا" (MAGA) فرصة دعم موقفه المتوازن.

من إسطنبول إلى غرفة العمليات.. محاولة دبلوماسية أخيرة

قبل تنفيذ الضربة، لم يكن ترامب قد أغلق الباب أمام الحل الدبلوماسي. فبحسب "أكسيوس"، جرت محاولات على هامش قمة مجموعة السبع في كندا للتنسيق مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لترتيب لقاء بين مسؤولين أمريكيين وإيرانيين في إسطنبول. 

وكان ترامب مستعدًا لإرسال نائبه "جيه دي فانس" والمبعوث الخاص "ستيف ويتكوف"، بل وعبّر عن استعداده للسفر شخصيًا للقاء الرئيس الإيراني إذا كان ذلك سيقود إلى اتفاق. 

وقد بدأ فانس وويتكوف بالفعل تجهيز حقائبهما، لكن في ظهر الإثنين، تأكد أن اللقاء لن يتم، لتبدأ المرحلة النهائية من التحرك العسكري.

اجتماع سري في غرفة العمليات.. والضوء الأخضر للضربة:

في اليوم التالي، الثلاثاء، قطع ترامب زيارته إلى كندا، وعاد إلى واشنطن ليعقد اجتماعًا عاجلًا في غرفة العمليات بالبيت الأبيض، ضمّ كبار مسؤولي الأمن القومي.

وخلال الاجتماع، طالب ترامب بمراجعة تفصيلية للخطط العسكرية، وفحص مدى فعالية القنابل الخارقة للتحصينات التي يبلغ وزنها 30 ألف رطل، وقياس المخاطر المحتملة. 

وقال أحد المسؤولين إن "الجيش والبنتاغون أكدا للرئيس أن الهجوم سينجح". وفي اليوم التالي، بعد تفكير قصير، منح ترامب وزير الدفاع "بيت هيغسيث" الضوء الأخضر لإطلاق الطائرات.

سرية تامة.. ولا تسريبات من البنتاغون أو البيت الأبيض

وحرص ترامب على أن تبقى تفاصيل العملية سرية للغاية، واقتصرت المعرفة على مجموعة صغيرة جدًا من كبار المسؤولين في البيت الأبيض والبنتاغون.

 وقال "أكسيوس" إن العملية نُفذت دون أي تسريبات، وهو ما ساعد في ضمان عنصر المفاجأة.

واستخدم ترامب تصريحاته العلنية لتضليل الرأي العام، حيث قال للصحفيين إن القرار بشأن الحرب سيُتخذ خلال أسبوعين، رغم أن الضربة كانت قد انطلقت بالفعل.

رسالة من تحت النار.. والتأكيد على الخيار الدبلوماسي:

أثناء تنفيذ الضربة، بعث مبعوث البيت الأبيض "ستيف ويتكوف" برسالة عاجلة إلى وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، يؤكد فيها أن العملية كانت محدودة ومقصورة فقط على البرنامج النووي الإيراني، وأن واشنطن لا تزال ترغب في العودة إلى طاولة المفاوضات.

وبحسب مسؤول أمريكي، فقد ظل ويتكوف على اتصال مباشر مع عراقجي طوال فترة الأزمة، وأكد أن الضربة لا تعني إعلان حرب، بل تهدف فقط إلى الضغط على إيران لإعادة التفاوض بعد تدمير أهم مواقعها لتخصيب اليورانيوم.

ضربة قلبت التوازن وأرست أسلوبًا جديدًا في إدارة الأزمات

عملية "مطرقة منتصف الليل" مثّلت تحولًا كبيرًا في السياسة الأمريكية تجاه إيران، ليس فقط لأنها أكبر ضربة أمريكية منذ عام 1979، بل لأنها كشفت عن أسلوب ترامب في إدارة الأزمات الدولية: التلويح بالتهدئة، وتخطيط الضربة في الخفاء.

وفي المقابل، استعرض ترامب من خلال العملية قوته السياسية، محاولًا التمايز عن رؤساء سابقين مثل جيمي كارتر، الذي فشلت عمليته العسكرية في إيران. 

وبينما لا تزال إيران تلتقط أنفاسها من نتائج الضربة، يبقى السؤال: هل يعود الطرفان إلى المفاوضات، أم أن "مطرقة منتصف الليل" ستكون مجرد بداية لمواجهة مفتوحة؟