هل يكرّر خامنئي سيناريو "كأس السم"؟.. إيران بين شبح التصعيد وخيار التسوية

في صيف عام 1988، فاجأ مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، آية الله روح الله الخميني، الإيرانيين بإعلانه قبول وقف إطلاق النار مع العراق، بعد حرب دامت 8 سنوات.
يومها وصف القرار بأنه «أمر أشبه بتجرع كأس السم»، لكنه قال إن بقاء النظام اقتضى ذلك.
واليوم، وبعد أكثر من ثلاثة عقود، يقف خلفه وخليفته في منصب المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، أمام لحظة مشابهة، في ظل تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة وإسرائيل، والهجمات الصاروخية المتبادلة، واحتمالات اندلاع مواجهة أوسع في المنطقة.
وفي سن السادسة والثمانين، وبعد قيادة استمرت منذ عام 1989 أعادت رسم دور إيران كقوة إقليمية طامحة نووياً، يجد خامنئي نفسه محاطًا بتحديات تتآكل معها منجزات نظامه، وتتصاعد فيه الدعوات الداخلية والخارجية إلى الحسم، بينما تلوح في الأفق معادلات مريرة بين الصمود والاحتواء.
وزارة الخارجية الإيرانية ردت على الهجمات الأمريكية الأخيرة ببيان حازم قالت فيه إن "الجمهورية الإسلامية مصممة على الدفاع عن سيادتها وأمنها بكل الوسائل الممكنة"، وأطلقت إيران بالفعل صواريخ باتجاه إسرائيل، وهددت بشن هجمات على القوات الأمريكية المنتشرة في المنطقة.
لكن، كما حدث في 2020 عقب اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قد تتراجع طهران عن التصعيد الكامل بعد عمليات رمزية، خشية الدخول في حرب شاملة تهدد وجود النظام.
وتقول الباحثة سانام فاكيل من معهد «تشاتهام هاوس» إن إيران قد تلجأ إلى خطوات تصعيد محسوبة، تشمل الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وطرد مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وتفعيل أذرعها في اليمن ولبنان.
وترى فاكيل أن مثل هذه الخطوات "تُظهر قدرة إيران على الرد، مع تجنب إشعال حرب إقليمية واسعة". كما تشير إلى أن التراجع عن استهداف مباشر للقوات الأمريكية قد يفتح الباب لاحقًا للدبلوماسية.
ومن جهته، لا يثق خامنئي بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خاصة بعد انسحابه من الاتفاق النووي عام 2018.

وعلّقت الخبيرة إيلي جيرانمايه من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية بالقول: "إيران تعلم أنها لا تستطيع كسب هذه الحرب، لكنها مصممة على ألا تخرج منها خاسرة وحدها".
وأشارت جيرانمايه إلى أن الهجمات على أهداف أمريكية باتت حتمية، وأن طهران أعدّت مسبقًا سيناريوهات للرد، تشمل استخدام قدراتها السيبرانية، وتهديد الملاحة في مضيق هرمز، وضرب منشآت الطاقة في الخليج.
لكن رغم هذه التصريحات النارية، يرى بعض المحللين أن طهران لا تزال تتحرك ضمن حدود "الردع المحسوب"، بدليل أن واشنطن ركزت ضرباتها على منشآت نووية، وتجنبت استهداف مواقع سياسية أو عسكرية حساسة.
وحتى الآن، لم تظهر مؤشرات على تسرّب إشعاعي، وفق ما أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، مما يُبقي الباب مفتوحًا أمام المراقبة الدولية.
ويعتبر الدكتور ولي نصر، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة جونز هوبكنز، أن إبقاء إيران ضمن معاهدة حظر الانتشار يمثل "العين والأذن" الوحيدة للعالم على برنامجها النووي.
ويحذر نصر من أن الدرس الأكبر الذي قد تستخلصه طهران هو أن امتلاك سلاح نووي هو الضمانة الوحيدة، لا سيما بعد فشل وكلائها وصواريخها في ردع الهجمات.
وفي المقابل، يتساءل ماثيو كرونيج، من المجلس الأطلسي، عمّا إذا كانت إيران ستعيد بناء برنامجها النووي بعد الخسائر الأخيرة، قائلاً: "لماذا تخاطر بخوض المعركة من جديد، إذا كانت تعلم أن أمريكا قد تضرب مرة أخرى؟"
وسط هذه الحسابات المعقدة، تبقى الخيارات أمام خامنئي محدودة، بين التصعيد المدروس، أو تجرع "كأس السم" مجددًا، بحثًا عن تسوية تحفظ ما تبقى من توازن النظام.