قلب إسرائيل النووي.. ماذا يُخفي مفاعل ديمونة؟"

يقع مفاعل ديمونة في صحراء النقب بجنوب إسرائيل، ويُعد من أكثر المنشآت النووية غموضًا وإثارة للجدل في الشرق الأوسط.
فمنذ إنشائه في خمسينيات القرن الماضي، ارتبط اسمه بالبرنامج النووي الإسرائيلي الذي ترفض تل أبيب الإفصاح عن تفاصيله، وتتبنى حياله سياسة "الغموض النووي"، ما يجعله محط اهتمام دولي وعربي مستمر، ومصدر قلق إقليمي.

النشأة والتأسيس لمفاعل ديمونة
بدأت إسرائيل في بناء مفاعل ديمونة في أواخر الخمسينيات، بمساعدة فرنسية مباشرة، وذلك ضمن اتفاق سري بين البلدين.
وقد تم الإعلان رسميًا حينها أنه منشأة بحثية لدراسة الفيزياء النووية، لكن مع مرور الوقت تزايدت الشكوك الدولية والعربية حول طبيعة الأنشطة التي تجري داخله.
"مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية"
تم الانتهاء من تشييده عام 1963، وأُطلق عليه اسم "مركز شمعون بيريز للأبحاث النووية"، نسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل الذي كان له دور بارز في إقامة التعاون النووي مع فرنسا. ووفقًا لتقارير استخباراتية وتسريبات إعلامية لاحقة، فإن المفاعل يقع على عمق عدة طوابق تحت الأرض، ويشمل وحدات لإنتاج البلوتونيوم المستخدم في الأسلحة النووية.

الرواية الرسمية الإسرائيلية
رغم الرواية الرسمية الإسرائيلية بأن مفاعل ديمونة يُستخدم لأغراض "بحثية وسلمية"، إلا أن معلومات مسرّبة وأقوال خبراء سابقين في المنشأة، تشير إلى أنه يُنتج البلوتونيوم اللازم لتصنيع رؤوس نووية.
ويُعتقد أن المفاعل يحتوي على مرفق لفصل البلوتونيوم، ومصانع لمعالجة اليورانيوم، بالإضافة إلى مختبرات سرية لتطوير تكنولوجيا التخصيب.
ويشير خبراء إلى أن المفاعل قادر على إنتاج ما بين 20 إلى 40 كيلوجرامًا من البلوتونيوم سنويًا، وهو ما يكفي لصنع ما بين 5 إلى 8 قنابل نووية سنويًا.
وقدرت بعض التقارير امتلاك إسرائيل لما بين 80 إلى 200 رأس نووي، رغم أن تل أبيب لم تؤكد أو تنف هذه المعلومات.

الغموض النووي لإسرائيل
منذ عقود، تنتهج إسرائيل سياسة "الغموض النووي" أو "الردع الغامض"، حيث لا تؤكد ولا تنفي امتلاكها أسلحة نووية. وتهدف هذه السياسة إلى ردع أعدائها دون إثارة ضغوط دولية أو فتح باب المطالبة بإخضاع منشآتها النووية للتفتيش الدولي. وقد رفضت إسرائيل التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية (NPT)، ما يحصنها من الالتزامات الدولية المتعلقة بالرقابة والتفتيش.
الجدل الداخلي والخطر البيئي
في بداية الثمانينيات، تصاعد الجدل حول مفاعل ديمونة بعد أن كشف الفني الإسرائيلي السابق "مردخاي فعنونو"، الذي عمل في المفاعل، عن صور ووثائق تؤكد أن إسرائيل تطور أسلحة نووية هناك. وقد جرى اختطاف فعنونو من روما على يد الموساد، وحُكم عليه بالسجن 18 عامًا بعد محاكمة سرية.
أما داخليًا، فهناك قلق متزايد بين سكان النقب والجنوب الإسرائيلي من احتمال تسرّب إشعاعي من المفاعل، خاصة مع مرور أكثر من 60 عامًا على تشغيله، دون إعلان عن تطويره أو تحديث نظام الأمان فيه. وقد أثيرت مطالبات بوقف تشغيله، خاصة بعد تقارير إعلامية عن وجود تشققات في جدرانه.
مفاعل ديمونة والصراع الإقليمي
يُعد مفاعل ديمونة أحد المحاور الأساسية في ميزان القوى الإقليمي. فوجوده منح إسرائيل تفوقًا استراتيجيًا مقابل الدول العربية التي لا تمتلك قدرات نووية عسكرية معلنة، وقد شكّل هذا عاملًا حاسمًا في قرارات الحرب والسلام بالمنطقة.
كما أنه أصبح هدفًا رمزيًا في الخطاب الإيراني وحلفائه، حيث صرّح مسؤولون إيرانيون مرارًا أن "أي حرب ضد طهران ستؤدي إلى قصف مفاعل ديمونة"، ما يجعله في مقدمة الأهداف المحتملة في أي مواجهة إقليمية كبرى.

ويظل مفاعل ديمونة لغزًا غامضًا في قلب الشرق الأوسط، إذ يختزل ملامح التفوق النووي الإسرائيلي وسط بيئة إقليمية متوترة. ورغم مطالبات المجتمع الدولي بالشفافية والرقابة، ترفض إسرائيل الانفتاح بشأن برنامجها النووي، مما يبقي على المفاعل كمصدر دائم للتوجس الإقليمي والتساؤلات حول حدود التهديد وحدود الردع.