في اليوم العالمي لمكافحة التصحر.. ليبيا تواجه خطر زحف الرمال ونداءات لإنقاذ الأرض

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم في 17 يونيو من كل عام بـ"اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف"، تتصدر دول شمال أفريقيا، وخاصة ليبيا ومصر، قائمة المناطق المهددة بيئيًا بسبب التصحر وتدهور الأراضي الزراعية.
و هذه الظاهرة لم تعد تهديدًا بيئيًا فقط، بل صارت خطرًا مباشرًا على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
ويأتي إحياء هذه المناسبة هذا العام تحت شعار "استعد الأرض.. أطلق الفرص"، في دعوة عالمية عاجلة لاستصلاح الأراضي المتدهورة وتحويلها إلى موارد منتجة تخلق وظائف وتدعم الاقتصاد وتقلل من النزوح البيئي. وهو شعار يحمل أبعادًا تنموية وإنسانية تتجاوز المعالجات البيئية التقليدية.
وتشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن نحو 40% من أراضي الكوكب تعاني من التدهور، مما يؤثر على حياة أكثر من 3.2 مليار شخص.
كما يُتوقع أن يُجبر التصحر والجفاف أكثر من 135 مليون شخص على النزوح الداخلي بحلول عام 2045، وفق تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2023.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث ترتفع درجات الحرارة وتنخفض معدلات الأمطار، يبرز التصحر كأزمة تتفاقم مع مرور الوقت.
وتعاني دول مثل ليبيا ومصر من تحديات كبيرة تتعلق بتآكل الغطاء النباتي، ونقص الموارد المائية، وتراجع جودة الأراضي الزراعية، إضافة إلى غياب سياسات بيئية فعالة أو نقص تمويل مشروعات الاستصلاح.
وفي حين بدأت بعض الدول تنفيذ برامج وطنية طموحة للتعامل مع الظاهرة، فإن حجم التدهور الحاصل، وتعدد أسبابه، يتطلبان تكاملاً إقليميًا ودعمًا دوليًا غير مسبوق لمواجهة هذا التهديد المتصاعد.
التصحر في ليبيا.. أزمة متعددة الأبعاد:

وفق ما أعلنته وزارة البيئة الليبية، فإن أكثر من 90% من مساحة ليبيا تقع ضمن النطاق الصحراوي، لكن الخطر الحقيقي يتمثل في زحف التصحر نحو المناطق الزراعية مثل الجبل الأخضر ومحيط الواحات الجنوبية.
وصرّحت انتصار محمد المجبري، مديرة إدارة التعاون الدولي والفني بوزارة البيئة، أن الغطاء الغابي في الجبل الأخضر تراجع من 500 ألف هكتار عام 1976 إلى أقل من 180 ألف هكتار عام 2007، ما يمثل انخفاضًا بنسبة 64% خلال ثلاثة عقود فقط.
تعود أسباب هذا التدهور، حسب المجبري، إلى مزيج من العوامل الطبيعية والبشرية، منها:
الجفاف المتكرر
الرعي الجائر
قطع الأشجار
التوسع العمراني العشوائي
غياب سياسات التشجير
ضعف التوعية المجتمعية
كما حذرت المجبري من تأثيرات الكوارث المناخية الأخيرة، مثل إعصار دانيال والسيول العارمة، التي دمرت أراضي زراعية واسعة وعرّضت التربة للانجراف، مشيرة إلى أن هذه الظواهر أصبحت متكررة ومتطرفة، وتتطلب خطة وطنية شاملة للتعافي البيئي، تشمل التشجير، إعادة بناء التربة، تطوير أنظمة إنذار مبكر، ودعم المجتمعات الزراعية.
الوضع في مصر.. جهود تواجه تحديات ضخمة
أما في مصر، فإن التحدي لا يقل خطورة. فالدولة تعتمد على مساحة زراعية محدودة لا تتجاوز 4% من إجمالي المساحة الجغرافية، وتواجه مشكلات تملّح التربة، وزحف الرمال، وتراجع كفاءة الأراضي الزراعية بسبب سوء الري والضغط السكاني على الموارد.
وتشير تقارير وزارة البيئة المصرية إلى أن أكثر من 95% من أراضي مصر صحراوية، وأن هناك تهديدات واضحة لمناطق مثل شمال الدلتا، والواحات، ومناطق غرب المنيا وسيناء. وقد بدأت الدولة تنفيذ عدة مشروعات ضخمة للتعامل مع الظاهرة، منها:
مشروع الدلتا الجديدة (لتوسيع الرقعة الزراعية)
زراعة الغابات باستخدام مياه الصرف المعالجة
مشروعات الري الحديث (مثل التنقيط والري المحوري)
مبادرة "زراعة 100 مليون شجرة" لزيادة الغطاء الأخضر الحضري
ومع ذلك، يؤكد الخبراء أن هذه الجهود ما زالت تواجه تحديات، أبرزها: التمويل، ومحدودية المياه، وغياب التعاون الإقليمي في حماية الحدود البيئية المشتركة مع دول الجوار، خاصة في ظل تأثير التغيرات المناخية العابرة للحدود.
جهود أممية: خطة استصلاح 1.5 مليار هكتار بحلول 2030
وتسعى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر إلى استصلاح 1.5 مليار هكتار من الأراضي المتدهورة حول العالم بحلول عام 2030، من خلال دعم مبادرات التنمية المستدامة، وتعزيز مشاريع الزراعة الذكية مناخيًا، وتدريب المجتمعات المحلية، وخاصة النساء والشباب، على حماية الموارد البيئية.
كما تدعو الأمم المتحدة الحكومات إلى تبني سياسات بيئية مندمجة، تجمع بين التشريعات، والتمويل، والتعليم البيئي، والرقابة، بهدف بناء مجتمعات أكثر مرونة قادرة على الصمود أمام تغير المناخ والجفاف.
ختامًا: الأرض مسؤوليتنا المشتركة
إن اليوم العالمي لمكافحة التصحر لا يقتصر على التوعية، بل هو دعوة للعمل المشترك، بين الشعوب والحكومات، لحماية أهم مورد تملكه البشرية: الأرض.
وفي وقت أصبح فيه التصحر تهديدًا مباشرًا للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، فإن التحرك العاجل نحو الاستصلاح، التشجير، التعليم البيئي، والشراكات الإقليمية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وجودية لضمان بقاء الحياة وازدهارها على هذا الكوكب.