مجلس التحرير: مجموعة صحفيين عرب
الموقع قدم أوراق اعتماده
الى نقابة الصحفيين العراقيين

الذهب في 2025.. هل يواصل التحليق أم يترقب التصحيح؟

نشر
الأمصار

في عام مضطرب اقتصاديًا وسياسيًا كعام 2025، برز الذهب مرة أخرى كأحد أهم أصول الملاذ الآمن، ليخطف أنظار المستثمرين والمؤسسات المالية بارتفاعات غير مسبوقة فاجأت حتى أكثر الخبراء تحفظًا. فقد تجاوز سعر الأونصة حاجز 3500 دولار في أبريل/نيسان، مسجلًا نموًا يقارب 25% منذ بداية العام، في مسار صعودي يعيد إلى الأذهان مشاهد الأزمات العالمية الكبرى.

ولئن كان الذهب تاريخيًا مرادفًا للاستقرار البطيء، فإن حركته الأخيرة مثلت خروجًا عن المألوف. فقد شهد السوق "طفرة عنيفة"، بحسب وصف عدد من الخبراء، دفعت بالعديد إلى التساؤل: هل نحن أمام صعود مدعوم بأساسيات اقتصادية واضحة؟ أم أننا أمام فقاعة سعرية مرشّحة للانفجار في أي لحظة؟

مدراء الصناديق الاستثمارية، مثل إيمارو كاسانوفا من شركة VanEck، وصفوا الأداء الحالي بأنه "صادم وسريع"، مستشهدين بتزايد حيازة الذهب من قبل الصناديق العالمية والبنوك المركزية، التي اشترت مجتمعة أكثر من 470 طنًا من الذهب في الربع الأول فقط من عام 2025.

ومع تزايد الاضطرابات الجيوسياسية، ولا سيما في الشرق الأوسط، والخوف من تقلبات محتملة في سياسات الفيدرالي الأمريكي وإدارة ترامب الثانية، عاد الذهب ليؤكد حضوره كملاذ تقليدي في أوقات الضبابية. إلا أن هذه العودة لم تسلم من الانتقادات والتحذيرات.

ففي المقابل، يبدي بعض الاقتصاديين والمحللين الماليين تخوفهم من أن يكون الصعود الحالي غير مستدام، مدفوعًا بهواجس لا بأساسيات، متوقعين موجات تصحيح حادة قد تطيح بأرباح المستثمرين قصيرة الأجل.

وبين التفاؤل الحذر والتشاؤم المنهجي، يبقى السؤال مطروحًا بقوة: هل يستمر الذهب في التحليق أعلى؟ أم أن لحظة التراجع تقترب، ليعيد السوق توازنه في ظل واقع اقتصادي عالمي لا يخلو من المفاجآت؟

ارتفاع غير مسبوق.. ما المحرك الحقيقي؟

رغم التراجع الطفيف في شهر مايو، استمر الذهب في التحليق عاليًا منذ بداية 2025، وسط إقبال استثماري واسع النطاق. ويقول تقرير مجلس الذهب العالمي إن صناديق المؤشرات أضافت أكثر من 226 طنًا متريًا من الذهب خلال الربع الأول من العام، وهو رقم يكاد يوازي مشتريات البنوك المركزية، التي بلغت 243.7 طنًا في نفس الفترة.

هذا الطلب الكبير يعكس – بحسب جوزيف كافاتوني، كبير استراتيجيي السوق في المجلس – "تزايد الثقة بالذهب كأصل استراتيجي"، في وقت تتراجع فيه الثقة بأداء الأسواق التقليدية كالسندات والأسهم، ويحتدم الجدل حول مستقبل الدولار الأمريكي.

التحليل الفني والنفسي.. الذهب فوق السحاب

يرى بعض الخبراء أن ارتفاع الذهب الحالي قد يحمل عناصر "فقاعة"، خاصة أنه مدفوع إلى حد كبير بالعوامل النفسية، والخوف من الركود أو عودة التضخم. 

ويؤكد بيتر توماس من Ausecure أن "كل قفزة كبيرة يعقبها عادة تصحيح مؤلم"، محذرًا من المغامرة في السوق دون خطة واضحة.

أما البروفيسور كامبل هارفي من جامعة ديوك، فيربط بين هذا الصعود والارتفاعات التاريخية التي انتهت بخيبات أمل، موضحًا أن الذهب استغرق أكثر من أربعة عقود ليتجاوز قمته المعدلة منذ 1980. "ليس كل ارتفاع يعني أرباحًا"، يقول هارفي.

آراء متباينة.. أين يتجه المستثمرون الآن؟

يبدو أن سوق الذهب يشهد انقسامًا في الرؤى. فبينما يرى البعض أن الوقت مناسب للشراء، خصوصًا بعد أي تراجع مؤقت، يعتبر آخرون أن الأسعار المبالغ فيها تستوجب الحذر.

فمدير الاستثمار في Credent Wealth، إديسون بيزيكا، يحذر من أن الرهان على الذهب في الوقت الحالي يفترض سيناريوهات متطرفة مثل انهيار الدولار أو ارتفاع التضخم مجددًا.

 وعلى النقيض، يرى جون كوش من iSectors أن الاستثمار بنسبة 5-10% من المحفظة في الذهب يُعد خطوة حكيمة لتحقيق التنويع وتقليل المخاطر.

وفي السياق ذاته، بدأ المستثمر ستيف كونرز منذ خريف 2024 بزيادة مخصصاته من الذهب، مؤكدًا أنه لا يعتزم البيع حتى في حال تراجعت الأسعار، بل يرى في كل انخفاض "فرصة للشراء"، لا سيما في ظل عدم وضوح السياسات الاقتصادية القادمة.

ما توقعات الفترة المقبلة؟

تشير المؤشرات إلى أن الذهب قد يواجه اختبارًا حاسمًا في النصف الثاني من 2025، بالتزامن مع قرارات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة، وتحركات الدولار، ومدى استمرار التوترات في الشرق الأوسط وآسيا.

كما ستؤثر نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، في حال تم الدعوة لها مبكرًا أو تغيرت المعادلة السياسية، على حركة السوق، خصوصًا في ظل احتمالية حدوث تغييرات في السياسات المالية والنقدية.

هل ما زال الذهب ملاذًا آمنًا؟

رغم كل التحذيرات، يبقى الذهب خيارًا مفضلًا للمستثمرين القلقين من مستقبل الاقتصاد العالمي، بفضل تاريخه الطويل كأداة تحفظ القيمة. 

ووفقًا لتقارير متخصصة، فإن الذهب غالبًا ما يتفوق في الأداء خلال فترات الأزمات المالية أو الجيوسياسية، كما حدث في الأزمة المالية العالمية عام 2008، وجائحة كورونا في 2020.

لكن الخبراء يُجمعون على ضرورة التعامل مع الذهب كجزء من استراتيجية طويلة الأجل، وليس كمجرد رهان قصير الأمد. فالسوق، كما هو معروف، لا يرحم المضاربين العشوائيين.

في ظل معطيات 2025، يبدو أن الذهب لا يكتفي بلعب دوره التقليدي كملاذ آمن، بل يتحول إلى أداة رئيسية لإعادة تشكيل المحافظ الاستثمارية. 

وبين من يراه فرصة استراتيجية ومن يحذّر من فقاعة مقبلة، يبقى الحذر والقراءة الواعية للمشهد العالمي ضرورة لا غنى عنها.

فالذهب، وإن كان لامعًا في هذه اللحظة، قد يخبو سريعًا إذا اختلت المعادلات السياسية والاقتصادية – أو إذا فقد المستثمرون صبرهم على المدى الطويل.