د. ظافر العاني يكتب: مصري بالولادة

بالأمس قررت أن آكل من مطعم صباح العربي سندويشة كباب، فأنا كلما مررت من أمامه في أي وقت من اليوم ولاسيما في المساء أجد زحامًا شديدًا، المطعم مملوء بالزبائن والمناضد تملأ الرصيف من الطول إلى الطول ، والسيارات تملأ الكراج وتقف أخرى أمام المطعم وهي تملأ الشارع زحامًا بانتظار طلباتها السفري ، بينما المطاعم التي بجواره شبه خالية.
"ما شاء الله"، أرددها مع نفسي وأعزو ذلك إلى رب العزة مقسّم الأرزاق.
لكني هذه المرة قررت أن أشتري منه سندويشة كباب لا أكثر، فالوقت ليلاً، والأكل المتأخر متعب لمن هو في مثل سني. كان الهدف أن أكتشف الطعم الذي يجعل الناس يقفون طوابير لشراء ما يحتاجونه من المطعم .
على الجانب المقابل للشارع ، حاولت أن أجد لسيارتي موقفًا لا يسبب زحاماً لغيري ، فوجدت رجلًا حيويا أشقر البشرة وهو يشير لي بأن أرجع قليلًا وأنحرف يمينًا لكي تقف السيارة بشكل معتدل وبعدها عبر الى المطعم وجاءني بنادل أخذ طلبي.
وجدت فسحة من الوقت لأتحدث مع صاحب الموقف الذي بادرني بالقول موضحًا أن الموقف غير رسمي، وهو يعتمد على إكراميات الزبائن حسب رغبتهم.
سأختصر عليكم طريق الحكاية لأقول لكم إن أبا مصطفى، واسمه حكيم، هو مصري. وقد تفاجأت في البداية، فهو يتحدث مثل أي عراقي من دون أية لكنة في كلامه حتى الحروف الصعبة يقولها بطلاقة ، وحسبته يمزح معي بدأ يتحدث باللهجة المصرية لكي يثبت لي صحة المعلومة قائلاً أن الكثير من الزبائن يظنونني أخو المطرب صلاح حسن للشبه الكبير بيننا.
جاء أبو مصطفى إلى بغداد عام 1986، وعمل في مطحنة الحاج سامي العبد، وهو من بين أشهر رجال الأعمال الأنباريين ، فقد كانت لديه أهم وأحدث المطاحن إضافة إلى معامل المواد الإنشائية كالسمنت والبورك، وبعضها كان يصدر للخارج .
في إحدى المرات، عمل أبو مصطفى في مصانع الحاج سامي بالرمادي فتزوج سيدة من عائلة دليمية من الفلوجة كانت أختًا لصديقه في المعمل، وأنجب منها ثلاثة أولاد: الكبير مصطفى الذي يدرس الآن في جامعة القاهرة، والأوسط يعمل في توصيل الطلبات، بينما الأصغر يدرس في جامعة بغداد.
-وهل إدارة الموقف هي كل عملك؟(سألته)
أجابني: لا، ففي الصباح أعمل متعهدًا لنقل الطحين بسيارة الحمل العائدة لي من المطحنة إلى المخابز، وأعود عصرًا إلى البيت. انظر، هذا هو بيتي (وأشار إلى بيت صغير قريب من الموقف).
-وما هي جنسية أبنائك؟
-جنسيتهم مصرية تبعاً لي وجنسية عراقية تبعًا لأمهم.
-وتزور مصر أبو مصطفى ؟
-زوجتي وأولادي يزورون مصر كل عام إلى بيوت أعمامهم. أصل احنا عيلة كبيرة في مصر، ومراتي رايحة جاية لمصر كل سنة لأن أهلي يحبوها عشان هي من ريحة العراق .
-وأنت أبو مصطفى متى آخر مرة زرت مصر؟
-ولا مرة ، فمنذ جئت العراق عام 1986 مازرتش مصر .
صدمني جوابه، وأردت التوثق منه ثانية لعلي سمعته خطأً : ولا مرة طوال الاربعين سنة؟
أجاب: ولا مرة.
قلت معقبًا: ولكن أولادك وزوجتك الدليمية يزورون أهلك.
-كل سنة يسافرون لأن مصر بلدهم.
-وأنت؟
قال: لماذا أذهب لمصر؟
قلت له: حتى ترى بلدك وأهلك.
أجاب مبتسما وهو يؤشر للسيارات : يا أستاذ ما هو أصل العراق بلدي وناسي.
(ملاحظة : لفة الكباب كانت لذيذة فعلا، ولو ذهب أحدكم هناك أرجوكم ابحثوا عن صديقي أبو مصطفى لتلقوا عليه التحية وتبلغوه سلامي).