غياب بوتين عن مفاوضات إسطنبول يثير الشكوك حول نوايا موسكو الحقيقية

في خطوة مفاجئة ومثيرة للجدل، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعمه لاستئناف المفاوضات المباشرة مع أوكرانيا، والتي تعقد هذه المرة برعاية تركية في مدينة إسطنبول.
مفاوضات موسكو وكييف
غير أن إعلان بوتين عدم مشاركته شخصيًا في هذه المحادثات، أثار تساؤلات واسعة حول جدية موسكو في السعي نحو السلام، خاصة مع استمرار التصعيد الإعلامي والتراشق بين الطرفين قبيل انطلاق الجلسات.
المفاوضات الأولى منذ 3 سنواتتُعد هذه المباحثات أول لقاء مباشر بين الطرفين منذ أكثر من ثلاث سنوات، وسط مساعٍ دبلوماسية لإعادة إحياء مسار تفاوضي متعثر منذ اندلاع الحرب في فبراير 2022.
وأكدت موسكو أن الهدف من هذه المبادرة هو تحقيق "سلام طويل الأمد ومستدام"، عبر معالجة الأسباب الجذرية للنزاع، وليس مجرد تسوية مؤقتة.
أجواء متوترة تسبق الحواررغم الطابع التصالحي الذي تحاول الأطراف تصديره، سبقت المحادثات أجواء مشحونة وتوترات كلامية.
حيث وصفت المتحدثة باسم الخارجية الروسية الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بأنه "مهرج وفاشل"، ردًا على تصريحاته التي انتقد فيها تركيبة الوفد الروسي، مشيرًا إلى أن التمثيل "لا يرقى لحجم اللحظة"، ومشككًا في قدرة أعضائه على اتخاذ قرارات فعلية.
زيلينسكي دعا بوتين للحضور شخصيًا إلى طاولة الحوار، معتبرًا أن غيابه يقوّض مصداقية المبادرة ويؤكد أن موسكو غير جادة في التوصل إلى حل.
مخاوف من جولة تفاوضية فارغةالمحللون يرون أن هذه الجولة قد لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها، خاصة مع عدم وجود مؤشرات واضحة على تغير في المواقف الميدانية أو السياسية. كما أن تركيبة الوفدين، والخطاب العدائي، والتصعيد الإعلامي قد يعوقان فرص التقدم.
تركيا.. الوسيط المستمرتأتي هذه الجولة بدعوة من تركيا، التي لطالما لعبت دور الوسيط بين الجانبين منذ بداية النزاع. ويعوّل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هذه المبادرة لإعادة أنقرة إلى قلب المشهد الدولي كقوة دبلوماسية فعالة.
لماذا غاب بوتين؟
رغم إعلان بوتين دعمه للمفاوضات، اختار الغياب عن الجلسات الأولى، وهو قرار فُسِّر بعدة طرق:
رسالة سياسية: يرى مراقبون أن بوتين يتعمد الظهور بمظهر الطرف غير المهتم للضغط على أوكرانيا وإبقاء هامش المناورة بيده.
هواجس أمنية: في ظل تزايد الهجمات بالدرون داخل الأراضي الروسية، قد يكون القرار مرتبطًا باعتبارات أمنية داخلية.
تفويض محدود للوفد: يعطي غياب بوتين انطباعًا أن الوفد الروسي غير مخوَّل باتخاذ قرارات استراتيجية، ما يضعف جدوى المفاوضات من الأساس.
تركيا.. طموح دبلوماسي لا يهدأ
تركيا، بقيادة الرئيس أردوغان، تسعى إلى ترسيخ دورها كوسيط دولي قوي. إسطنبول ليست مجرد مدينة مضيفة، بل رمز لمحاولة أنقرة إعادة ضبط ميزان القوى في المنطقة، وهي:
توازن بين روسيا وأوكرانيا دون انحياز معلن.
تستفيد من موقعها الجيوسياسي كممر للطاقة والعبور.
تحاول تحسين صورتها لدى الغرب بعد سنوات من التوتر.
الوضع على الأرض لا يساعد
المفاوضات تأتي في وقت لا تزال فيه الجبهات مشتعلة:
روسيا كثّفت هجماتها في خاركيف ومناطق دونباس.
أوكرانيا تطالب بتعزيزات عسكرية جديدة من الغرب.
لا يوجد "توازن قوة" يفرض الحاجة إلى تسوية فورية، مما يقلل من فرص نجاح أي مفاوضات حقيقية حالياً.
كيف ينظر الغرب إلى المبادرة؟
واشنطن وحلف الناتو ينظرون إلى المحادثات بشكوك، معتبرين أنها قد تكون محاولة روسية لربح الوقت.
في المقابل، هناك دعوات أوروبية (خصوصًا من فرنسا وألمانيا) لدعم أي مبادرة تهدف إلى وقف إطلاق النار، ولو مؤقتًا، من أجل فتح ممرات إنسانية وتخفيف العبء الاقتصادي.
توقعات الخبراء
المحللون يختلفون في التوقعات:
البعض يرى أنها جولة رمزية، تُستخدم للدعاية السياسية فقط.
البعض الآخر يعتقد أنها قد تكون مقدمة لحوار حقيقي في حال حدثت متغيرات ميدانية قوية خلال الشهور المقبلة.
محادثات إسطنبول ليست نهاية الحرب، لكنها قد تكون بداية اختبار نوايا.