خان الأحمر تحت الحصار.. مُخطط إسرائيلي يهدد صمود القرية ويفصلها عن القدس

في قلب الصحراء الشرقية للقدس، تقف قرية خان الأحمر الفلسطينية في مواجهة مخطط إسرائيلي جديد يُنذر بإحكام الطوق الاستيطاني حولها.
المشروع الجديد، الذي يهدف إلى إنشاء طريق التفافي خاص بالمركبات الفلسطينية، لا يُعد مجرد بنية تحتية، بل خطوة استراتيجية تمهد لعزل التجمعات البدوية في المنطقة وتكريس واقع الضم الزاحف للضفة الغربية.
مشروع استيطاني بغطاء "أمني"

في مارس الماضي، صادقت الحكومة الإسرائيلية على مشروع طريق بطول نحو 12 كيلومترًا، يمر شرق مستوطنة معاليه أدوميم ويخترق منطقة “E1”، وهي منطقة حساسة تمتد بين القدس ومستوطنة معاليه أدوميم وتُعد مركزًا حيويًا في مشروع “القدس الكبرى” الذي تسعى إسرائيل إلى فرضه كأمر واقع.
هذا الطريق -بحسب المخطط الإسرائيلي- سيُخصص لحركة الفلسطينيين، مما يسمح لإسرائيل بإغلاق الطرق الرئيسية القائمة حاليًا أمامهم، وتحويلها إلى محاور حصرية للمستوطنين.
وبهذا، تُصبح قرية خان الأحمر، التي تقع على جانبي الطريق الرئيسي رقم 1 بين القدس وأريحا، معزولة تمامًا عن محيطها الفلسطيني.
خان الأحمر.. موقع استراتيجي في قلب الضفة
تُعتبر خان الأحمر واحدة من 46 تجمعًا بدويًا في منطقة “ج” المهددة بالتهجير، وهي تضم ما يقرب من 200 فلسطيني معظمهم من قبيلة الجهالين الذين هجّرتهم إسرائيل قسرًا من منطقة النقب في خمسينيات القرن الماضي.
تمتاز القرية بموقع استراتيجي بين شمال الضفة الغربية وجنوبها، ما يجعلها عقبة أمام تنفيذ المخطط الإسرائيلي الهادف إلى فصل الضفة إلى قسمين وقطع التواصل الجغرافي بين رام الله والقدس والبحر الميت. ويسعى المشروع الإسرائيلي في منطقة “E1” إلى بناء أكثر من 3500 وحدة استيطانية، وهو ما يعتبره الفلسطينيون والمجتمع الدولي "المسمار الأخير في نعش حل الدولتين".
ردود الفعل الفلسطينية والدولية
تقول وزارة الخارجية الفلسطينية إن الطريق المقترح يمثل “حلقة جديدة من حلقات فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة”، كما حذّرت من أن تنفيذه سيُفجّر الأوضاع في المنطقة، نظرًا لما يحمله من تعدٍ مباشر على أراضي الفلسطينيين ومقدساتهم ومستقبلهم السياسي.
من جانبها، عبّرت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي عن قلقهما الشديد، مشيرين إلى أن المشروع يُشكّل خرقًا صارخًا للقانون الدولي، خاصةً اتفاقية جنيف الرابعة التي تمنع نقل السكان في الأراضي المحتلة بالقوة.
المبعوث الأممي الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط، تور وينسلاند، وصف المشروع بأنه "تهديد حقيقي لفرص السلام"، وأكّد أن تنفيذ طريق كهذا يُعتبر خطوة أحادية تُقوّض أي إمكانية لحل تفاوضي للصراع.
السيناريوهات المحتملة
يقول مراقبون إن المشروع لن يقف عند حدّ إنشاء طريق جديد، بل سيكون بداية لحصار خان الأحمر تمهيدًا لإخلائها في مرحلة لاحقة.
وقد سبق أن أصدرت المحكمة الإسرائيلية العليا أوامر بإخلاء القرية، إلا أن الضغوط الدولية والاحتجاجات حالت دون تنفيذه حتى الآن.
يقول د. عارف دراغمة، الباحث في شؤون الاستيطان، إن الطريق المزمع إنشاؤه سيؤدي إلى "إعادة هندسة المشهد الجغرافي في القدس الشرقية"، موضحًا أن “كل ما يحدث في الخان الأحمر وE1 وشارع الطوق الشرقي يندرج تحت خطة إسرائيلية شاملة لخلق تكتل استيطاني عملاق يُحاصر القدس من كل الاتجاهات”.
خان الأحمر والمقاومة الشعبية
رغم شراسة الهجمة، يواصل أهالي خان الأحمر صمودهم في وجه المخططات الإسرائيلية.
ويقول عيد خميس الجهالين، المتحدث باسم أهالي القرية:“نحن لا نعيش فقط في بيوت من صفيح، بل نحمي حدود القدس بأجسادنا، وكل شجرة وصخرة هنا هي شهادة على حقنا.”
كما تحولت القرية إلى رمز عالمي للمقاومة المدنية السلمية، حيث زارها مئات المتضامنين الأجانب، من دبلوماسيين ونشطاء، وأقامت مؤسسات حقوق الإنسان مراكز مؤقتة للدعم القانوني واللوجستي.
الطريق إلى التهجير القسري
الطريق الذي تعتزم إسرائيل شقّه لا يربط فقط بين مستوطنات، بل يفصل تاريخًا عن حاضره، ويعزل مجتمعًا عن حقه في الأرض والبقاء. خان الأحمر اليوم ليست مجرد قرية بدوية، بل عنوانٌ لمعركة أكبر تدور في قلب الضفة الغربية، تتقاطع فيها الجغرافيا مع السياسة، والحقوق مع الاحتلال، والمقاومة مع التهجير.
وفي ظل تصاعد القلق الدولي، تبقى عيون الفلسطينيين معلّقة على هذه البقعة الصحراوية التي باتت تمثل أحد آخر الخطوط الدفاعية عن وحدة الأرض الفلسطينية.