رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الانتخابات البرلمانية القطرية.. بين العنصرية والدستورية

نشر
الأمصار

أثار قانون تنظيم انتخابات مجلس الشورى القطري، جدلا داخليا وسط اعتراضات على مادة تتعلق بمن يحق لهم الانتخاب والترشح، فالبعض يراها تطبيقا للدستور والحياة الديمقراطية والبعض الآخر يراها إثارة الضغائن والعنصرية لسكان قطر .

وصادق أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قبل أيام على قانون انتخابي لأول انتخابات تشريعية في البلاد، من المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم.

ووفقا للقانون الجديد، يتمتع “بحق انتخاب أعضاء مجلس الشوري كل من كانت جنسيته الأصلية قطرية وأتم 18 سنة ميلادية، ويستثني من شرط الجنسية الأصلية… كل من اكتسب الجنسية القطرية وبشرط أن يكون جده قطريا ومن مواليد دولة قطر”.

أما المرشحون فيتعين أن يكون المرشح “جنسيته الأصلية قطرية ولا يقل عمره عند قفل باب الترشح عن 30 سنة ميلادية”.
من هم القطريون الأصليون ؟
بحسب المادة الأولى من قانون الجنسية القطرية، للدستور الحالي القطريون هم :-

المتوطنون في قطر قبل عام 1930 ميلادية وحافظوا على إقامتهم العادية فيها، واحتفظوا بجنسيتهم القطرية حتى تاريخ العمل بالقانون رقم (2) لسنة 1961.

من ثبت أنه من أصول قطرية، ولو لم تتوفر فيه الشروط المنصوص عليها في البند السابق، وصدر باعتباره كذلك قرار أميري.

من ردت إليهم الجنسية القطرية طبقاً لأحكام القانون.

من ولد في قطر أو في الخارج لأب قطري بموجب البنود السابقة.

الانتخابات التشريعية

وستقام الانتخابات لاختيار ثلثي أعضاء مجلس الشورى، أو 30 عضوا في المجلس المؤلف من 45 مقعدا، وسيعين الأمير الأعضاء الباقين.
وستقسم البلاد إلى 30 دائرة انتخابية ينتخب مرشح واحد فقط لتمثيل كل منها.
وفي استفتاء أجري في 2003 وافق القطريون، الذين يشكلون عشرة بالمئة فقط من عدد السكان، على دستور جديد ينص على إجراء انتخابات جزئية للمجلس الذي يجري تعيين جميع أعضائه في الوقت الراهن.
القبائل القطرية تعترض والحكومة تعتقل

الأمر الذي دفع بعض أفراد قبيلة آل مرة، التي لا تنطبق عليها الشروط المطلوبة، إلى نشر عدد من الفيديوهات اعتراضا على ما وصفوه بـ”القانون التعسفي ضدهم والذي يمنعهم من الترشح لانتخابات مجلس الشورى”.
ويُعتقد أن السماح لأفراد القبيلة بالترشح لانتخابات مجلس الشورى المقبلة، سيضمن لهم عددا كبيرا من المقاعد الثلاثين المخصصة للمرشحين، بسبب عدد أفراد القبيلة الكبير، والموزعين في دوائر انتخابية عدة.

ويقود فوز عدد كبير من مرشحي قبيلة واحدة، في إنشاء تكتل قبلي سيكون ورقة قوة في التصويت على التشريعات والقرارات التي ستكون من صلاحية المجلس الذي سيضم أيضا 15 عضوا يعينهم أمير البلاد ويقول القطريون المؤيدون لقانون الانتخاب الجديد، إنه لا يستهدف قبيلة آل مرة على وجه الخصوص، لكنه يستند إلى قانون الجنسية الصادر عام 2005، والذي لا يمنح حقوقا سياسية للمتجنسين. بينما يرد محامون من آل مرة، أن صدور ذلك القانون غير دستوري، وأن قانون الجنسية الدستوري صدر عام 1961، ويمنحهم بعد عشرة أعوام من الحصول على الجنسية جميع الحقوق السياسية، وحقوق المواطن الأخرى، بينما يتمتع أبناؤهم بتلك الحقوق فور ولادتهم.

وأحالت السلطات في قطر سبعة أشخاص إلى النيابة العامة للتحقيق في اتهامات موجهة إليهم بنشر أخبار كاذبة، وإثارة صراعات عرقية وقبلية، وفقا لبيان صدر الاثنين عن وزارة الداخلية القطرية.
وقالت الوزارة في بيان عبر تويتر: “إنه بعد وقوف الجهات المعنية على المحتوى المنشور في حساباتهم وارتباطه بموضوع الاتهام، تمت إحالتهم للنيابة العامة لاستكمال إجراءاتها المتبعة في هذا الخصوص”.
ولم يذكر بيان الداخلية أسماء المتهمين، لكن القرار جاء بعد انتقادات وجهتها قبيلة آل مرة الكبيرة في قطر وسط شكاوى من أن قانون الانتخابات يحول دون مشاركتهم في التصويت في أول انتخابات تشريعية في تاريخ البلاد.

ونظرا لوضعهم في الماضي كقبيلة شبه بدوية في قطر، سوف يحول قانون الانتخابات دون مشاركتهم في التصويت لأنهم يفتقرون إلى المؤهلات اللازم توافرها من أجل اكتساب أصول قطرية.

قبيلة آل مرة

منذ اعتلاء “نظام الحمدين” الحكم بعد انقلاب حمد بن خليفة آل ثاني والد الأمير الحالي تميم على والده عام 1995، وبدأ سلسال الدم والاضطهاد ضد القبائل العربية العريقة التي خشى من تهديدها له ووقوفها بجانب خليفة آل ثاني الجد المعزول.

وبما أن الإمارة القطرية هي إحدى دول المنطقة التي تحوي كثيرًا من القبائل والأسر العربية وغير العربية، التي نزحت إليها من دول الجوار طلبا للأمان وسعيا لطلب الرزق، فكانت قبيلة “آل مرة” أحد أهم وأشهر القبائل العربية ذات الجذور الضاربة في أعماق قطر، وأكثرهم عددًا منذ مئات السنين، وقد كانت علاقتهم بأسرة آل ثاني علاقة حميمة منذ عهد المؤسس الأول للدولة الشيخ قاسم بن محمد آل ثاني، وشاركوا في كثير من المشاهد التاريخية للدفاع عن قطر، وساهموا مساهمة فعالة في بناء الدولة منذ نشأتها، ولم يكن في يوم من الأيام هناك ذرة شك في وطنيتهم حتى اعتلى حمد بن خليفة الحكم وحينها تغير كل شيئ ضدهم.

بعد نيل الاستقلال عام 1971 وما تلاه من تولى الأمير الجد الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم في قطر عام 1972، فتح الباب لمن لديه الرغبة في اكتساب الجنسية القطرية من أقارب القبائل والأسر المعروفة في الدولة، وذلك عن طريق معرفين معتمدين من وزارة الداخلية دون التحقق أو المطالبة بما لديهم من جنسيات سابقة.

وفي عام 1995 صدرت تعليمات شفهية من وزارة الداخلية عن طريق أعيان القبائل والأسر، وبدون إعلان رسمي من الجهات المختصة، بأنه على من كان يحمل جنسية سابقة للجنسية القطرية أن يسلمها لإدارة الهجرة والجوازات بوزارة الداخلية، وذلك منعا لازدواج الجنسية، فتجاوب الكثير من المواطنين مع تلك التعليمات ثقة في صاحب القرار ومصداقية فيمن نقل تلك التعليمات من الأعيان، وتحفظ البعض الآخر لعدم وضوح التعليمات لكونها شفهية، واعتقد جازما بأن الدولة لا تدار إلا بقرارات واضحة ومعلنة وبطرق رسمية.

وفي العامين 1995 و1996 وما جرى فيها من عزل للحاكم الشرعي خليفة بن حمد آل ثاني، وتولي الابن الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني مقاليد الحكم، والمحاولة الانقلابية الفاشلة التي أرادت إعادة الحاكم السابق للسلطة، والتي قام بها بعض ضباط وأفراد القوات المسلحة والشرطة، المؤلفة من جميع شرائح المجتمع، والذين يرون أن الشيخ خليفة هو الحاكم الشرعي للدولة، وأدوا القسم القانوني بالولاء والطاعة له، وحيث إن عدد من شارك في تلك المحاولة من الضباط والأفراد هم من قبيلة آل مرة، يعتبر كبير نسبيا بمقياس النسبة والتناسب لعدد السكان، مقارنة بعدد من شاركوا من القبائل والأسر الأخرى، فقد الصقت بهم تهمة التحريض والقيادة، وتم تبرئة ساحة الآخرين لاعتبارات اجتماعية أو قرابة بعض المسئولين في الدولة لبعض من شاركوا، علما بأن القائد والمحرض الأول هو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الحاكم السابق.

لذلك زج بأكثرهم في السجون، وبدون محاكمة، ولفترات طويلة، حيث مورست عليهم صنوف التعذيب والإهانة، ومن ثم تمت إحالتهم إلى القضاء، والذي افتقد في بعض أحكامه إلى العدالة، فبعضهم منع من دخول البلاد لفترات طويلة، ومن بعد ذلك أسقطت جنسياتهم، ومنهم من علم أن جنسيته أسقطت، وهو في خارج البلاد وممنوع من دخولها، وكانت آخر تلك الجرائم في حقهم القرار الأخير الذي أصدره تميم بسحب جنسية 55 من أبناء القبيلة المقيمين في المملكة العربية السعودية بسبب وقوفهم بجانب الرباعي العربي المناهض للإرهاب المدعوم من الدوحة.

وتمثلت الإجراءات التعسفية خلال الفترات السابقة، إنهاء خدمات الكثير من الموظفين والعسكريين من أبناء قبيلة “آل مرة” دون غيرهم، ممن أدرجت أسماء أقربائهم في العملية الانقلابية، فضلًا عن حرمانهم من الوظائف المدنية الأخرى، ثم تطور الإجراء إلى منع أبنائهم من الالتحاق بالوظائف المدنية عند اكتمال دراساتهم الثانوية أو الجامعية، وذلك عن طريق عدم تحرير شهادة حسن سيرة وسلوك، والتي بموجبها يتم قبول طلبات التوظيف، وكذلك مورست ضغوط نفسية على من هم على رؤوس أعمالهم المدنية.

واستمر ذلك التعسف والقهر منذ عام 1996 حتى عام 2004، حين صدر القرار التعسفى الكبير، والذي ينص على إسقاط الجنسية عن عدد كبير جدًا من ضمن أبناء قبيلة آل مرة، ليتبع ذلك إنهاء خدمات من هم على رؤوس أعمالهم، ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين، وقيام الجهات الأمنية بدور نشط لم يسبق له مثيل حتى في التعامل مع أصحاب الجرائم والسوابق، وذلك بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل في البيوت، والتهديد بالاعتقالات، والمداهمة الفعلية لحرمة البيوت، واعتقال بعض الأشخاص من المساجد.

وفي عام 2005 أصدر النظام قرارًا تعسفيًا ومخالف لقوانين الدولة، حيث نزعت الجنسية بشكل جماعي عنهم وعن أولادهم بل وعن آبائهم وأجدادهم المتوفين بأثر رجعي، وذلك ضمن إجراءات يتعرض لها أبناء تلك القبيلة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها أمير قطر السابق الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني لاستعادة الحكم من ابنه، إذ اتهم عدد من أفراد تلك القبيلة من العاملين في الشرطة والجيش بالمشاركة في ذلك الانقلاب.
قبيلة آل الغفران
وهي أحد فروع قبيلة “آل مرة” التي تستوطن قطر تاريخيا منذ عام 972 – جميع أفراد عائلاتهم بالتبعية والبالغ عددهم 5266 فردا هم عدد أبناء “آل الغفران” بأكملها، وتبع تلك القرارات إجراءات حكومية بفصلهم من أعمالهم ومطالبتهم بتسليم المساكن التي يقيمون فيها كمواطنين وحرمانهم من جميع امتيازات المواطنة من علاج وتعليم وكهرباء وماء وأعمال تجارية، ومطالبتهم عن طريق الجهات الأمنية المختلفة بتصحيح أوضاعهم كمواطنين غير قطريين.

وقد بررت السلطات القطرية هذا القرار حينها، بأن تلك القبيلة تنحدر من الدولة السعودية وأنهم ما زالوا يحتفظون بالجنسية السعودية، كما قامت منذ صدور ذلك القرار بتكرار الاتصال بالأسر والعوائل في البيوت، حيث هددتهم بالاعتقال، وقامت قوات الأمن بمداهمات فعلية للمنازل واعتقال بعض الأشخاص من المساجد والمنازل.

وكان قد طالب محمد جلال المري، من قبيلة آل غفران، خلال مؤتمر المعارضة القطرية الأخير في لندن، وضع مأساتهم الإنسانية في الحسبان، مؤكداً أنه جاء إلى المملكة المتحدة لعرض قضيته الإنسانية، وأنه يطالب بريطانيا أن تنظر إلى وضع قبيلته، وكذلك منظمات حقوق الإنسان، ويجب على دولة قطر أن تحل ذلك الوضع، مناشداً الملك سلمان بن عبد العزيز، وحكام دول الخليج أن يتدخلون بوضع مشكلتهم في قائمة المطالب، قائلا: “نحن أبنائهم ويجب أن ينظروا إلينا بعين العطف”.

وأضاف “المري”، أنه في عام 1996 تم سجن العديد من المظلومين، وعام 2001 تم سحب جنسية عائلته، وكذلك عام 2005 تم سحب جنسية آل غفران بالكامل وعددهم 6 آلاف شخص، والآن تم سحب جنسيات أخرى، من عائلة آل مرة، مطالبا منظمات حقوق الإنسان أن تنصف قضيتهم، وتحل القضية لأنها قضية إنسانية بحتة، قائلا: “هناك أشخاص بالمستشفيات يعانون من أمراض عديدة منها القلب والسرطان، وكذلك عدد منهم بالمستشفيات النفسية”.

قبيلة عبد الله بن علي
عبدالله بن علي آل ثاني من كبار أعيان قطر والذي تعرض على يد النظام في منتصف أكتوبر 2017، بعدما نجحت وساطته مع السعودية لإيفاد الحجيج القطريين، وسطع نجمه ولقب ببديل تميم وارتفعت شعبية، حيث عمل النظام على استهدافه، وخرج علينا الشيخ بن علي، وأعلن على حسابه عبر تويتر عن تجميد حساباته، حساباته البنكية، داعيا قطر إلى العودة إلى “حضنها الخليجي”.

قبيلة بن سحيم
اقتحمت قوات القمع الإرهابية في قطر قصر الشيخ سلطان بن سحيم آل ثاني في الدوحة، وداهمت وحدات قوات أمن الدولة، وقامت بمصادرة نحو 137 حقيبة وعددًا من الخزائن الحديدية تحوى جميع وثائق ومقتنيات الشيخ سلطان، وكذلك مقتنيات والأرشيف الضخم لوالده سحيم بن حمد آل ثاني وزير الخارجية السابق الذي يشكل ثروة معلوماتية وسياسية رفيعة القيمة، ويمثل تسجيلاً دقيقاً لتاريخ قطر وأحداثها الداخلية منذ الستينات حتى وفاته عام 1985.

والشيخ سلطان بن سحيم بن حمد بن عبدالله بن قاسم آل ثاني، هو الابن الثامن للشيخ سحيم بن حمد بن عبدالله آل ثاني، أول وزير خارجية لدولة قطر، ووالدته هي الشيخة منى بنت جاسم بن محمد آل حسن الدوسري، وأعلن اليوم دعمه لاجتماع الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني، لإعادة ترتيب البيت القطري.