رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

الجزائر وتونس وليبيا.. اتفاق ثلاثي لتنسيق "أطر الشراكة والتعاون"

نشر
الأمصار

يؤدي كل من رئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، ورئيس المجلس الرئاسي بدولة ليبيا محمد المنفي، زيارة إلى تونس اليوم الاثنين، بدعوة من رئيس جمهورية تونس قيس سعيد، للمشاركة في الاجتماع التشاوري الأول بين قادة البلدان الثلاثة.

وكانت رئاسة الجمهورية قد أعلنت يوم السبت الماضي، عن عقد قمة ثلاثية بين الزعماء المغاربة الثلاثة اليوم الاثنين 220 أبريل 2024، دون أن تكشف عن جدول أعمال هذا الإجتماع الثلاثي.

وجاء في بلاغ للرئاسة: "بدعوة من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، يؤدي فخامة الرئيس عبد المجيد تبون، رئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، والرئيس محمد يونس المنفي، رئيس المجلس الرئاسي بدولة ليبيا، زيارة إلى تونس يوم الاثنين 22 أفريل 2024، للمشاركة في الاجتماع التشاوري الأول بين قادة البلدان الشقيقة الثلاثة".

إذ يهدف هذا الاجتماع إلى بحث الأوضاع الراهنة في المنطقة وسبل تعزيز الجهود المشتركة لمواجهة التحديات الاقتصادية والأمنية.

وقد اتهمت وسائل إعلام مغربية الجزائر بمحاولة تشكيل تحالف ضد المملكة المغربية، وهو ما نفاه وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف، معتبرا أن المبادرة تهدف إلى سد فراغ تركه الاتحاد المغربي العربي الذي يعاني من شلل تام.

وأكد رئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، أن هذا التكتل لا يستهدف أية جهة وأن الباب مفتوح أمام جميع دول المنطقة.

وكان رئيس الجزائر عبدالمجيد تبون، قد مهد لشكل جديد من التعاون مع تونس وليبيا وموريتانيا، في فبراير 2024، عندما أوفد وزير خارجيته أحمد عطاف إلى المنطقة المغاربية في جولة شملت تونس وطرابلس ونواكشوط، وسلم خلال الزيارة رسائل خطية من تبون لنظرائه المغاربيين، تناولت "مقترحات تخص تنسيق المواقف"، وفق ما أعلن عنه، لكن من دون الخوض في تفاصيل أكثر.

كما لمح إلى هذا الشكل الجديد من التعاون المغاربي، رئيس حزب "حركة البناء الوطني"، عبدالقادر بن قرينة، المشارك في الحكومة بوزيرين، في 11 فبراير، حينما دعا في تصريحات لوسائل الإعلام، إلى "بعث مشروع اتحاد المغرب العربي، وإحياء مؤسساته وإيجاد صيغ جديدة لتفعيله".

وقدم بن قرينة، وهو وزير سابق، عرضا لعدد الاتفاقات التي وضعتها الجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، في إطار "اتحاد المغرب العربي"، وقال إنها "دالة على رغبة ملحة لهذه الدول لإحداث اندماج مغاربي".

وكان الاتحاد المغرب العربي، الذي تأسس عام 1989 في مراكش، يهدف إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء، لكنه واجه تحديات بسبب التوترات المستمرة، خاصة حول النزاع في الصحراء الغربية، حيث تدعم الجزائر جبهة بوليساريو التي تطالب بالسيادة على الإقليم الذي تسيطر عليه المغرب بنسبة 80%.

تبعية متبادلة

وفي قراءته لخلفيات هذا القرار الإقليمي، قال حمزة حسام أستاذ العلاقات الدولية جامعة الجزائر: "قد نكون بصدد مشروع لشراكة تصبو إلى تكامل إقليمي يعزز من ثقل الدول الثلاث وقوتها في المستقبل، خاصة أمام الشركاء الدوليين، لاسيما الأوروبيين منهم".

وأوضح حسام، في تصريح للجزيرة نت، أن كل شراكة فعلية بين الدول المغاربية من شأنها أن تزيد مناعتها في وجه مساعي الاختراق وتوتير العلاقات البينية وصرفها عن مسارها التعاوني، ويعتقد أن المحرك الأساسي للمبادرة الثلاثية هو حالة التبعية الأمنية المتبادلة، والناشئة عن تجاورها الجغرافي المباشر.

وأضاف أستاذ العلاقات الدولية جامعة الجزائر، أن تلك الحالة كونت ترابطا أمنيّا وتشابها في التحديات التي تواجهها الجزائر وتونس وليبيا، ويبدو أن إدراكا ما فتئ يتعزز لدى صناع قرارها بوجوب تعزيز الاستجابة لهذا الواقع على نحو مشترك، وفق رؤى متقاربة قد تتوحد مستقبلا.

ويتوقع المحلل السياسي، أن تؤدي هذه الرؤية مع الوقت إلى نتيجتين منشودتين هما: بناء الثقة بشكل أكثر صلابة، ومد جسور التعاون بين البلدان الثلاث إلى المجال التجاري وفتح الأسواق، بحثا عن تأسيس مشروع تكاملي مغاربي حقيقي.

وقال أستاذ العلاقات الدولية جامعة الجزائر، إنّ هذا المنحى هو ما تتطلع الجزائر إلى بنائه، من خلال مناطق التجارة الحرة التي أعلنت عن تأسيسها مع تونس وليبيا.

ويرى أن تصريح وزير الداخلية الليبي، لدى لقائه نظيره الجزائري بمناسبة اجتماع وزراء داخلية الدول العربية في تونس الأسبوع المنصرم، يؤكد أيضا رغبة لدى ليبيا من أجل التحكم في أمن حدودها، وتوفير الشروط اللازمة لإطلاق مشروع منطقة التبادل الحر مع الجزائر.

تحديات

بيد أنّ التحديات الأمنية التي تواجهها ليبيا، وحالة عدم الاستقرار شبه المزمنة التي تعاني منها، فضلا عن عدم وجود معادلة اقتصادية واضحة للفوائض والنواقص بين اقتصادات الدول الثلاث، ستشكل أول وأكبر تحد أمام هذا المشروع، برأي الأكاديمي حسام.

وبالموازاة، يشدد المتحدث ذاته على أن الرهانات الأمنيّة التي ستواجهها تونس والجزائر -بسبب الوضع الليبي- هو ما ينبغي دراسته وتحديد عواقبه بدقة.

من جهته، أكّد خبير العلاقات المغاربية والأفريقية بوحنيّة قوي، أن قادة الجزائر وتونس وليبيا لا يزالون مؤمنين بالاتحاد المغاربي كتكتل إقليمي.

وأضاف خبير العلاقات المغاربية والأفريقية بوحنيّة قوي، في تصريح للجزيرة نت، أن بنود الاتحاد المغاربي تشجع تماما التعاون الجماعي، وبالتالي فإنّ هذه الخطوة الثلاثية من شأنها أن "تحيي الأمل في العمل المغاربي المشترك رغم وجود اختلافات سياسية وتاريخية".

ويعتقد خبير العلاقات المغاربية والأفريقية بوحنيّة قوي، أنّ الجزائر تسير نحو توثيق العلاقات بين هذه الدول الثلاث دون إغفال تطوير العلاقات الجزائرية الموريتانية، خاصة بعد فتح المعبر البري، مما يجعل الاجتماع الثلاثي خطوة مهمة جدا في تعزيز التعاون المغاربي. ويوضح أن التعاون بين أي دولتين مغاربيتين يأتي في حد ذاته ضمن مسعى لدعم التكتل المغاربي.

ويستدل على ذلك بوضع دول الاتحاد الأوروبي، حيث هناك تباين في حجم التجارة بين مكوناته في ظل تكتل أوروبي واحد، لأنّ التعاون بين دولتين يختلف عن التعاون الإجمالي، وأيضا وجود تحالف أوروبي خارجي رغم وجود اختلافات ما بين الدول في إستراتيجياتها.

وينظر خبير العلاقات المغاربية والأفريقية بوحنيّة قوي، إلى تعزيز التعاون بين الجزائر وجارتيها الشرقيتين نظرة إيجابية، خاصة عندما يتم تطويره في شكل تكتل اقتصادي فعلي يلغي التعريفات الجمركية وينشئ مناطق حرة حقيقية، مما يؤدي في النهاية إلى تفعيل التبادل والتعاون الإقليمي المغاربي، ولو في حده الأدنى بين هذه الدول الثلاث.

شروط النجاح

ومن جانب آخر، يرى عبدالسلام فيلالي، أستاذ علم الاجتماع السياسي جامعة عنابة -ونظرا لطبيعة المرحلة- أنّ الملف الأمني يبرز كأولوية قصوى ضمن التحديات التي تواجه هذه الدول.

وقال فيلالي، إنّ ما يحصل في دول الساحل يعني ثلاثي المبادرة، وكذلك الوضع الأمني الليبي الداخلي مع استمرار حالة الانقسام وعدم تحكم مؤسسات المركز فيه بالشكل المطلوب، مثلما أشار إلى ذلك مجلس الأمن مؤخرا حين أعرب عن قلقه من التوترات المتزايدة التي حدد بعضها بـ"انتشار المليشيات المسلحة".

وأوضح أن أولوية الملف الأمني الكبيرة تدفع إلى طرح مبادرات على شكل أرضية وفاق وطني -في تقديره- رغم الصعوبة القائمة منذ فترة طويلة جرّاء تدخل قوى دولية وإقليمية بالشأن الليبي، مما يجعل من البديهي مصلحة ليبيا أقرب إلى مصالح دول الجوار.

ثم يأتي الملف السياسي وهو جد مهم لتوطيد العلاقات وتكريس سياسة تعاون جديدة في ظل ما تشهده المنطقة من تحديات إقليمية ودولية، يضيف فيلالي. وعن شروط نجاح هذه الآلية الثلاثية، أكد أن توفر إرادة سياسية للتنسيق مهم جدا لتقريب وجهات النظر وتحقيق الأهداف المشتركة.

ويجزم المتحدث نفسه بتوفّر تلك العزيمة بشكل كبير خاصة بين الجزائر وتونس، إلى حد وصفه بـ"وجود تقارب غير مسبوق بينهما" سيتعزز بكل تأكيد السنوات القادمة من خلال مبادرات الجزائر الاقتصادية نحو دول الجوار.

أما الرهان الحقيقي لهذه الآلية، من وجهة نظر أستاذ علم الاجتماع السياسي، فهو النجاح في حلحلة الأوضاع داخل ليبيا، كي تستعيد دورها الوازن في المنطقة، بالنظر إلى الإمكانات التي تتوفر عليها.