رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

مواجهة «الطلاسم».. محاولة انقلاب في تشاد بـ«السحر والشعوذة»

نشر
تشاد
تشاد

أعلنت تشاد، عن محاولة انقلاب، حيث لم يكن أمرا غريبا في تشاد لكن حدوثها عبر «السحر والشعوذة» وضع بلدا بأكمله بمواجهة «طلاسم» تفجر أكثر من سؤال.

واستمرارا لمسلسل الانقلابات في إفريقيا، أعلنت السلطات في تشاد، قبل أيام، إحباط محاولة انقلاب وسط نقاشات محتدمة في الداخل حول مدى صدق المحاولة والطريقة التي أعلنت بها على أنها جاءت بالسحر والشعوذة.

البداية جاءت بإعلان المديرية العامة للاستخبارات العسكرية في تشاد، ووسائل إعلام محلية، أن هناك مجموعة من الأفراد المنظمين لحركة M3M حاولوا تقويض أمن الدولة، بحسب بيان لوزير الإعلام عبدالرحمن كلام الله.

وقال البيان إن تلك المجموعة لم تكن تنوي تنفيذ محاولة التمرد بالسلاح، ولكن بالسحر والشعوذة بالاستعانة بثلاثة من كبار السحرة والمشعوذين، عن طريق تقديم تضحيات بالدجاج والماعز والأغنام، وأضحية بشرية لرجل.

كما جرى الإعلان عن العثور على رأس رجل مقطوع في حقيبة بمنزل رئيس M3M (لم يتوفر تفاصيل بشأنها)، وهو "ملازم" لم تذكر اسمه.

فيما أظهر مقطع فيديو أرسله الجيش لبعض وسائل الإعلام جنرالًا بالمديرية العامة لإدارة الهجرة في تشاد، تم تصويره أمام عشرات الرجال "المعتقلين" وهم جالسون على الأرض.

كما كشفت وسائل إعلام محلية في تشاد، عن هوية قائد محاولة التمرد، وهو الملازم كورومتا ليفانا جوليمي، وقالت المديرية العامة لإدارة السجون في تشاد، إنه تم اعتقال أكثر من 80 عضوا بهذه المجموعة عشية 13 يناير الجاري، وهو اليوم الذي كانت تعتزم فيه تنفيذ الانقلاب، دون مزيد من التفاصيل.

المعارضة تشكك في رواية الحكومة

المعارضة في تشاد، من جانبها شككت في الرواية الحكومية للمحاولة، معتبرة أن الغرض من الإعلان بهذه الطريقة هو "صرف الأنظار" عما يجري في أروقة النظام الحاكم في نجامينا والذي "يعاني من صراعات" بين الجنرالات للسيطرة على الأمور، إضافة إلى "حالة التململ القبلية" من قيادة المرحلة الانتقالية.

ولفت عدد كبير من قادة المعارضة في تشاد، إلى أن الحديث عن السحر والشعوذة لتنفيذ انقلاب أمر مثير للسخرية وغريب، لافتين إلى أن هذه هي المحاولة الثالثة للانقلاب في تشاد، ولم يتم الإعلان عن المحاولتين السابقتين.

ورأى معارضون في الإعلان عن هذه المحاولة بهذه الطريقة بأنه "توظيف سياسي للخوف من تفشي حمى الانقلابات في القارة التي شهدت عدة انقلابات في العام الماضي"، خصوصا أن تشاد هي آخر معاقل نفوذ فرنسا في الساحل، وتضم أكبر قواعد البلد الأوروبي بالمنطقة.

السحر والشعوذة أمر شائع

يرى محمد أحمد عبيد الله، المقرر العام للاتحاد العام للطلبة الأفارقة في تشاد، أن موضوع الشعوذة أمر شائع جدا في إفريقيا كلها.

وقال عبيد الله، إنه من "المتداول أن الجنود يعلقون أشياء يستعملونها كتميمة"، مضيفا أن "موضوع الانقلابات متكرر في تشاد ولن ينتهي وسيستمر".

وعزا ذلك إلى أن "الجانب العسكري هو الذي يتحكم في التحول وفي مفاصل الأمور وفرض السياسات"، معتبرا أنه "من الطبيعي أن تكون هناك محاولات انقلابية في تشاد في ظل هذه الأوضاع، ومن غير المستبعد أن يلجأ المنقلبون إلى طرق السحر والشعوذة والتي يؤمن بها الأفارقة وتشاد غير بعيدة عن ذلك".

"صراع السلطة" في تشاد

ويتفق الدكتور محمد شريف جاكو، القيادي البارز في جبهة الوفاق من أجل التغيير (فاكت) المعارضة في تشاد، مع أقاويل المعارضة في التشكيك.

وقال جاكو: "بالفعل، في الإعلان عن المحاولة الانقلابية الفاشلة في تشاد بهذه الطريقة محاولة لصرف للأنظار عما يجري داخل مؤسسة الحكم في البلاد، والتي تعاني انقساما كبيرا في عهد الرئيس محمد إدريس ديبي بعد رحيل والده".

وأضاف أن "الشارع التشادي منشغل بما يحدث من تغييرات بمؤسسة الرئاسة، ولذلك جاء الإعلان عن المحاولة بهذه الطريقة المثيرة للسخرية"، معتبرا أن النظام اعترف بالمحاولة الانقلابية هذه المرة ولم يعلن عن محاولتين استهدفتا الرئيس محمد ديبي من قبل.

محمد إدريس ديبي رئيس تشاد

بحسب جاكو، "يحتدم صراع بين جنرالات النظام في تشاد بعد مقتل الرئيس الأب إدريس ديبي"، كاشفا أن "الرئيس محمد إدريس ديبي يريد تغيير جنرالات نظام أبيه بأخرى تكون تحت سيطرته".

وقال إن "الرئيس لاقى صعوبة كبيرة في هذا التغيير من لوبي عميق داخل الدولة، له امتدادات واسعة خارج تشاد خاصة من قبيلة الزغاوة الممتدة في السودان المجاور".

ولفت إلى أن "الرئيس ديبي الابن أراد هذا التغيير ولكنه لم يستطع تفعيله، ولذلك كون قوة تعرف بـ (التدخل السريع) ووضع على رأس هذه القوة أحد أقاربه ويبلغ عمره أقل من ثلاثين عاما".

وأشار إلى أن ديبي الابن "يريد أن يغير قائد الحرس الرئاسي الطاهر أردا، الذي لا يكن ولاءً للرئيس الذي كان يريد قوة جديدة قومية تعتمد على عشائر مختلفة من كل تشاد، وليست من فصيل واحد (الزغاوة السودانيين) له امتدادات خارجية".

وتابع أن قائد الحرس الرئاسي شعر بأن البساط بدأ ينسحب من تحت قدميه إلى القوات الجديدة، وأن النظام حاول أن يلفت أنظار الشارع عن هذا الصراع الداخلي في الرئاسة.

ووفق جاكو، فإن "المخابرات أكدت أن المحاولة ليست من داخل الجيش، لكن من عناصر أخرى متمردة مسلحة، تمت السيطرة عليها في الثالث عشر من يناير (كانون الثاني) الجاري".

وتابع: "أما المخابرات العسكرية فقالت إنها عناصر غير مسلحة، ولكنهم قاموا بشعوذة وسحر وتقديم قرابين بذبح شخص للوصول إلى السلطة، ومعهم مجموعة من الفقهاء من رجال الدين في تناقض غريب".، متسائلا: "ما الذي يجمع رجال دين بمشعوذين؟، وكيف لمجموعة صغيرة لا تملك سلاحا أو دعما ماليا أن تنفذ انقلابا عسكريا ضد جيش بحجم الجيش التشادي؟".

ووصف جاكو الإعلان عن المحاولة بأنه "مسرحية سيئة الإخراج"، مبينا أن "هناك معارضة كبيرة للرئيس الذي أعلن في بداية المرحلة الانتقالية أنه لن يترشح للرئاسة مرة أخرى وأن مدة المرحلة الانتقالية ستكون 18 شهرا قام بتمديدها إلى 24 شهرا بعد ذلك".

وقال إن الحزب الحاكم أعلن اختيار ديبي رئيسا للحزب ليتمكن من ترشيحه في الانتخابات المقبلة التي يتبقى لها 10 أشهر بعد زيادة مدتها.

ولفت إلى أن "ديبي بدأ حكمه بفكرة حوار وطني جمع فيها أحزابا وصفها بـ(الكرتونية) ووقع معها اتفاقا، أما المعارضة الحقيقية المسلحة التي تضم 18 حركة فلم توافق على التوقيع مع الرئيس".

تشاد تستعد لتوديع المرحلة الانتقالية

جاء الإعلان عن محاولة الانقلاب في وقت تستعد فيه تشاد لتوديع المرحلة الانتقالية التي تولى الحكم فيها المجلس العسكري المكون من 15 جنرالا، بقيادة الجنرال محمد إدريس ديبي.

وأعلن الجيش ديبي الابن رئيسا انتقاليا في 20 أبريل 2021، وذلك بعد اغتيال والده الرئيس إدريس ديبي خلال معارك مع حركات مسلحة متمردة في شمال البلاد.

وأقرت تشاد دستورا جديدا في ديسمبر الماضي، كإحدى أبرز الخطوات لطي المرحلة الانتقالية، وللتحضير للانتخابات الرئاسية.

إلا أن معارضين رفضوا نتائج استفتاء على الدستور قالت المفوضية الوطنية المكلفة بتنظيمه إنه تمت الموافقة عليه بنسبة 86 بالمئة، خاصة أنه يتضمن عدة مواد تسمح للرئيس الانتقالي بالترشح للرئاسة مع أنه سبق التأكيد على أنه لن يتخذ الخطوة.

وخفضت إحدى مواد الدستور سن الترشح للرئاسة من 40 عاما إلى 35، وهو ما اعتبره معارضون تأسيسا لاستمرار حكم ديبي الابن في السلطة، حيث يبلغ الآن 39 عاما، كما نص في المادة 68 على أنه يحق للقادة العسكريين الترشح للانتخابات الرئاسية، شريطة التفرغ لهذا المنصب.