رئيس مجلس الإدارة
د. رائد العزاوي

رئيس الجزائر في قمة عدم الإنحياز: زمن اللاعقاب واللاحساب قد ولى

نشر
رئيس جمهورية الجزائر
رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون

وجه رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، الشكر لجمهورية أوغندا الصديقة حكومةً وشعبًا على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة، وهنأ بشكل خاص يوري موسيفيني (Yoweri MUSEVENI)، رئيس جمهورية أوغندا الشقيقة، على تولي بلاده رئاسة حركتنا للسنوات الثلاث الـمقبلة، مؤكدًا دعم الجزائر التام ووقوفها إلى جانب أوغندا خلال هذه المرحلة الحاسمة.

وقال رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، إن انعقاد قمتنا هذه في العاصمة الأوغندية كمبالا، باعتبارها إحدى المحطات الفارقة في مسيرة حركة عدم الانحياز، يأتي في ظل سياق دولي وإقليمي متغير ومتشابك، تطبعه تهديدات وتعقيدات متتالية تحمل في طياتـها مخاطر وتحولات دولية متعددة الأبعاد والـمستويات ستنعكس، بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة، على أمن واستقرار بلداننا وعلى مستقبل منظومة الأمن الجماعي التي ورثناها بعد الحرب العالـمية الثانية.

وأضاف رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، قائلًا "سياق أعاد للساحة الدولية مشهد الاستقطاب الحاد لصالح قوى دولية على حساب أخرى، وعمق من بؤر التوتر، نشهد فيه أعلى مستويات التهديد للسلم والأمن الدوليين ولقيم الإنسانية جمعاء".

تجديد الالتزام بالمبادئ التأسيسية لحركتنا القائمة

وتابع رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "هذا السياق يفرض علينا اليوم وأكثر من أي وقت مضى، ضرورة تجديد الالتزام بالمبادئ التأسيسية لحركتنا القائمة على قيم العدالة واحترام الالتزامات الدولية وسيادة الدول وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وحماية المصالح المتبادلة وتعزيز المنظومة المتعددة الأطراف، كركائز أساسية لبلوغ الأهداف، التي سطرها الآباء المؤسسون للحركة، المنبثقة عن روح ميثاق منظمة الأمم المتحدة ومبادئ باندونغ، والـمتسقة مع أهداف التنمية المستدامة لأفق 2030".

وأوضح رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "هى المبادئ التي تكتسي اليوم قيمة متجددة في ظل عودة خيار اللجوء إلى القوة كبديل عن المساعي الدبلوماسية في حل النزاعات الدولية، وتآكل منظومة الأمن الجماعي التي تعد الأمم المتحدة ركيزتها الأساسية في ظل عجزها الهيكلي لوضع حد، أو حتى كبح سياسات الأمر الواقع ومحاولات فرض مصلحة القوي على الضعيف، والتعاطي مع القضايا التي هى في صميم انشغالاتنا بترجيح منطق الانتقائية وسياسة الكيل بمكيالين".

إسرائيل تضرب بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط

وأشار رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "لعل همجية الهجمات المتواصلة التي تشنها آلة الدمار الإسرائيلي على أرض فلسطين المحتلة، وعنهجية الممارسات اللاإنسانية لجنود الاحتلال ضد أبناء الشعب الفلسطيني العزل من نساء وأطفال ورضع، خاصة بقطاع غزة، في أبشع صور الإرهاب وأقبح مظاهر البطش والتنكيل، على مرأى ومسمع من العالم أجمع، مثال واضح على إخفاق المجتمع الدولي لفرض ضوابط وقيود تنطبق على الجميع دون انتقاء أو تمييز، حيث تضرب إسرائيل بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط وترفض الانصياع لقرارات مجلس الأمن والاستجابة لخيار السلام، دون أن تحاسب على ذلك".

وتابع رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "في ظل هذا الوضع المأساوي، يتعين علينا جميعًا أن نؤكد، بصوت عال، على أن زمن اللاعقاب واللاحساب قد ولى، وأن نتعهد بتكثيف جهودنا الجماعية للمرافعة من أجل إعلاء صوت الحق، وتغليب منطق القانون، وإرساء مبدأ المساواة، وتكريس أولوية الاحتكام للضوابط القانونية الملزمة فوق كل اعتبار، وفق ما نصت عليه مرجعيات الشرعية الدولية والقرارات الأممية التي يفترض أن تكون ملزمة للجميع".

وأوضح رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، أنه في هذا الإطار، تثمن الجزائر تمسك دول حركة عدم الانحياز الدائم بدعم القضية الفلسطينية بوصفها قضية عادلة يرتبط حلها بتجسيد مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها، وإيمانهم الثابت بضرورة إنهاء كافة أشكال الاحتلال وتصفية كل صور الاستعمار، كما ورد في الوثيقة الختامية لهذه القمة.

وقال رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "بذات العزيمة والثبات، إن مسار حركة عدم الانحياز الحافل بصور التضامن مع الشعوب المضطهدة والمستعمرة التي تجسده عمليا من خلال مواقفها المناصرة للقضايا العادلة، يملي عليها اليوم دعم حق شعب الصحراء الغربية في تقرير المصير، وهو الذي سلبت أراضيه وتنهب ثرواته في تعارض صارخ مع القانون الدولي، وهو أيضا الذي تتعرض قضيته العادلة وتطلعه الـمشروع إلى تنظيم استفتاء حر ونزيه وفقا للشرعية الدولية وقرارات الأمم الـمتحدة ذات الصلة، لمحاولات الطمس والتغليط، لحرمانه من حقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف أو التقادم".

وقال رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "إن موضوع قمتنا الرامي إلى تعميق أواصر التعاون من أجل ازدهار عالمي مشترك، يعد غاية نبيلة في ظل تنامي روح الأنانية والإخلال بالواجبات والتملص من المسؤوليات لدى بعض الأطراف الدولية، وزيادة حدة الاستقطاب والانقسام التي من بين تجلياتها تغليب مصلحة الأقوى على حساب حقوق الأضعف، وهو واقع يقتضي منا التأكيد على ضرورة تضافر وتنسيق الجهود بين الدول المنضوية تحت مظلة حركتنا، وتحديد المسؤوليات المنوطة بنا ككتلة موحدة من أجل رفع هذه التحديات وبلوغ مقاصدنا المشتركة،ولن يتأتي لنا إلا من خلال تعزيز وحدتنا وتموقعنا الاستراتيجي كفاعل نشط يساهم بشكل فعال في بناء منظومة دولية تقوم على منطق الاشراك لا الإقصاء، وتحدد بإنصاف وشفافية المسؤوليات والواجبات، منظومة قادرة على فرض الانصياع لقوانينها وقواعدها على الجميع وعلى قدر من العدالة والـمساواة".

وأكد رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، "على المستوى الإفريقي، تبقى قناعتنا راسخة بوجود علاقة ترابطية بين الأمن والتنمية، خاصة في ظل تنامي حدة ووتيرة الأزمات السياسية والأمنية واتساع نطاقها، واستفحال آفتي الإرهاب والجريمة المنظمة وتفاقم بؤر التوتر والصراعات، وتجدد ظاهرة التغييرات غير الدستورية للحكومات، خاصة في منطقة الساحل الصحراوي، وهذا الوضع لن يثنينا عن أداء واجبنا تجاه قارتنا من أجل تحقيق أهداف التنموية الـمنشودة، ولن تعجزنا العقبات عن بذل الجهود من أجل تأطير عملنا الجماعي لتصحيح واستدراك حالة الظلم التاريخي الذي تعرضت له القارة الإفريقية في تركيبة مجلس الأمن الأممي".

سنعمل بلا هوادة على رفع سقف طموحنا

وأضاف رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، "على العكس من ذلك، سنعمل بلا هوادة على رفع سقف طموحنا صوب الترجمة الفعلية لمشروع اندامجنا القاري وتحويل إفريقيا إلى فاعل دولي في مسار تجسيد (أجندة الاتحاد الإفريقي 2063)، متيقنين من دعم حركتنا لهذه الجهود.

وأوضح رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، أنه في ذات السياق، تكثف الجزائر تعاونها مع شركائها الدوليين للتخفيف من وطأة التداعيات التي خلفتها أزمة الطاقة العالمية، وذلك عبر مواصلة وتقوية دورها كممون موثوق وذي مصداقية، ومن هذا المنطلق، ستحتضن الجزائر في مطلع شهر مارس المقبل القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات البلدان المصدرة للغاز، وهى تطمح لأن تجعل من هذه القمة محطة مفصلية لتعزيز الحوار والتشاور بين الدول الأعضاء من جهة، وبين المصدرين والمستوردين من جهة أخرى، بهدف دعم وتطوير صناعة الغاز الطبيعي والتأكيد على الحقوق السيادية الكاملة والدائمة للدول الأعضاء في التخطيط وتطوير واستغلال مواردها من الغاز الطبيعي، كما ستشكل هذه القمة مناسبة متجددة للتأكيد على مكانة الغاز الطبيعي كطاقة نظيفة للحاضر وللمستقبل، تساهم في دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي وحماية البيئة.

وقال رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، إن الجزائر التي تشغل ابتداء من مطلع هذا الشهر ولمدة سنتين متتاليتين مقعدًا غير دائم بمجلس الأمن لمنظمة الأمم المتحدة، تتعهد بالدفاع عن قيم ومبادئ حركة عدم الانحياز على مستوى هذا الصرح الدولي الهام، وهى المبادئ التي أثبتت ولا تزال رجاحتها وفاعليتها.

ولفت رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، إلى أنه في هذا الإطار ستسعى الجزائر انطلاقًا من خصوصية مسارها التاريخي وقيمها الثابتة ورؤيتها المستقبلية الطموحة إلى تعزيز العمل الدولي متعدد الأطراف كمبدأ قار في سياستـها الخارجية، وتغليب منطق الحلول السلمية للنزاعات على المواجهة، وتفضيل معالجة الأسباب الجذرية للصراعات بدل الاستمرار في مقاربة احتوائها التي عقدت وأخرت في مسار حلها، كما تلتزم الجزائر بأن تبقى وفية لمبادئ حركتنا وأهداف ميثاق الأمم المتحدة التي تشكل مرتكزًا لمواقفها إزاء مختلف التطورات الإقليمية والدولية وتمثل في ذات الحين منبعًا لجهودها ومبادراتها الرامية للمساهمة في نشر الأمن والاستقرار.

وأضاف رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون: "ستضم جهودها مع بقية الدول الأعضاء في الحركة لبناء جسور الحوار والتفاهم بين الأطراف المختلفة وصياغة التوافقات الضرورية داخل مجلس الأمن الدولي حول القضايا التي تهم حركتنا لإضفاء فعالية أكبر على الجهود الأممية الرامية لمنع نشوب النزاعات، ودعم دور المنظمات الدولية الإقليمية الفاعلة، بما فيها حركة عدم الإنحياز.

واختتم رئيس جمهورية الجزائر عبدالمجيد تبون، قائلًا "نتطلع لتكثيف التنسيق والتعاون والتضامن في ظل احترام مبادئ حركتنا وكلنا يقين بأن هذه القمة ستسهم في إعادة تعزيز وحدتنا ورص صفنا وتقوية مكانتنا وإسماع صوتنا بما يستجيب وتطلعات شعوبنا، ويتناسب وحجم كتلتنا المتجانسة ويساهم في تشكيل المعالم الجديدة لنظام دولي جديد يكون حافظا لقيم الإنسانية ومكرسا لمبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة".